Saturday, May 15, 2010

نقاش الموازنة (الفصل الأوّل): ضدّ الدستور... لمَ لا؟
لم تكشف الكتل السياسية كل أوراقها في أولى جلسات مناقشة مشروع قانون موازنة عام 2010. إلا أن طرح مسألة عدم دستورية المشروع وكل الممارسات المالية التي حصلت منذ عام 2005، أربك رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ووزيرة المال ريا الحسن، وشدّ انتباه العديد من الوزراء الذين بدا بعضهم غير ملمّ بما كان يحصل سابقاً... فلم تجد الحسن ردّاً سوى القول: «أنا أنفّذ ما يقرّره مجلس الوزراء»
انعقد مجلس الوزراء أمس، في جلسة استثنائية، برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وبحضور 31 وزيراً بدلاً من 30، إذ شارك فيها مستشار وزيرة المال نبيل يموت الذي سجّل محضراً كاملاً بوقائع الجلسة، في انتهاك فاضح لمبدأ «سرية مداولات الوزراء»، وذلك من دون أن يعترض على حضوره أحد، ومن دون أي توضيح لمبررات دعوته من قبل رئيس الجلسة. وكانت الوزيرة ريا الحسن قد قالت عند دخوله إنها تحتاج إلى من يساعدها في تقديم عرضها لمشروع الموازنة بواسطة الـpowerpoint، وهو ما دفع بوزير يتمتّع بحس الفكاهة إلى التعليق أمام عدد من زملائه بأن «الشائعات عن التعديل الوزاري تبدو صحيحة».
لم يكن «الحس الفكاهي» هو الطاغي على أجواء هذه الجلسة المخصصة للبدء بمناقشة مشروع وزيرة المال لموازنة عام 2010. فالنقاشات الاولية تنبئ بسجالات ساخنة في الجلسات اللاحقة، وتوحي بأن الأمر قد يطول على عكس تمنيات الرئيس سليمان الذي دعا الوزراء إلى «بحث المشروع بطريقة هادفة وسريعة لإقراره بسرعة»، وشدّد في كلمته على «الالتزام بما اتُفق عليه بين الوزراء والحسن لدى إعدادهم مشروع الموازنة».
وقدمت الوزيرة الحسن عرضها لأرقام المشروع وكيفية إعداده، وتحدّثت عن أهدافه التي اختصرتها بالعمل على زيادة الإنفاق على التقديمات الصحية، وزيادة الإنفاق الاستثماري، وعدم تحميل المواطنين أعباءً ضريبية جديدة، والحفاظ على وتيرة احتواء نمو الدين العام.
وكان لافتاً أن يعمد الرئيس سليمان إلى إعطاء الكلام لوزير الاتصالات شربل نحّاس فور انتهاء الوزيرة الحسن من تقديم عرضها، فطالب نحاس بدايةً بالاتفاق على منهجية محددة لمناقشة المشروع، مقترحاً تقسيم المحاور إلى ثمانية تشمل الجوانب الدستورية وآلية إعداد المشروع وطرحه، والخيارات الاقتصادية التي يرتكز عليها، والتوازنات التي تحكمه، والإنفاق وجدواه، وسبل التمويل والسياسات الضريبية... إلا أن الاتفاق خلال الجلسة تم على منهجية مناقشة مشروع الموازنة وفق ثلاث مراحل: أولاً، مناقشة السياسة المالية والضريبية عموماً (في جلسة أمس). ثم في مرحلة ثانية، التوقف عند كل وزارة بالأرقام، وأخيراً بحث الخطوط النهائية للمشروع. وتقررت متابعة بحث الموازنة في جلستين ستعقدان يومي الأربعاء والخميس من الأسبوع المقبل.
وعقّب الوزير نحّاس على تشديد الرئيس سليمان في شأن التزام وزيرة المال بما تم الاتفاق عليه مع الوزراء عند إعداد المشروع، وأشار إلى ان الوزيرة الحسن حذفت من مشروعها مادّة اتُفق عليها سابقاً تنص على «تنفيذ هيئة أوجيرو المهام والاعمال التي تطلبها منها وزارة الاتصالات وفق عقود تجري على أساس مبدأ تغطية الكلفة الفعلية»... معتبراً أن حذف هذه المادّة لا يبني الثقة ولا يسهّل النقاش.
وتبيّن في الجلسة أن عدم التزام الوزيرة الحسن باتفاقاتها مع الوزراء لم يقتصر على هذه المادة. فقد قدّم وزير الطاقة والمياه جبران باسيل كتاباً إلى المجلس يعترض فيه على حذف اعتمادات تخصّ وزارته وقد تؤدّي إلى تعليق خطّة السدود والبحيرات ومشروع دعم الطاقة البديلة وغيره من المشاريع... إلا أن الرئيس سليمان تدخّل طالباً عرض هذه المواضيع عندما يصل النقاش إلى كل وزارة معنيّة.
وأثار الوزير نحّاس مسألة انتهاك الدستور في الكثير من مواد المشروع، لافتاً إلى أن الإنفاق في المرحلة السابقة، ولا سيما منذ عام 2005، ينطوي على انتهاكات فاضحة تستدعي تسويتها قبل البحث في المشروع الراهن، ولا سيما أن الاحكام الدستورية لا تجيز إقرار قانون موازنة عام 2010 إلا بعد إنجاز قطع حسابات الاعوام الاربعة السابقة، وهي اعوام لم يُقر فيها أي قانون للموازنة، فضلاً عن أن التذرّع باعتماد القاعدة الاثني عشرية لا ينطبق على هذه الحالة، إذ إن الدستور يحدد بدقّة متناهية كيفية تطبيق القاعدة المذكورة والمدى الزمني لتطبيقها!
هذه المسألة أربكت الرئيس سعد الحريري، فيما اكتفت الوزيرة الحسن بعبارة «هذه الأمور يقررها مجلس الوزراء وأنا أنفّذ»! وقد دفع هذا الارتباك بوزير العمل بطرس حرب إلى التدخّل، باعتباره الوحيد بين الموجودين، الذي شارك في وضع اتفاق الطائف، فوافق الوزير نحّاس على وجود الانتهاكات الدستورية إلا أنه وضعها في إطار «الظروف الاستثنائية»، إلا أن وزراء آخرين علّقوا بأن هذه الظروف لم تعد قائمة الآن والمخالفات متواصلة.
وقال وزير الشؤون الاجتماعية سليم الصايغ إن هناك الكثير من الامور التي حصلت من خارج الدستور، ومشروع الموازنة هو مشروع قابل للتعديل، ولكن «لا يجوز نسف الموازنة من منطلق التقيّد بالنص الحرفي للدستور، بل يجب الالتزام بالمرجعية الدستورية قدر المكان، إذ إن الدخول إلى النقاش الدستوري هو متاهة حقيقية».
لم يُستكمل النقاش الدستوري في هذه الجلسة، بل تشعّب ليطال مسائل اخرى لا تقلّ اهمية. فتساءل وزير الزراعة حسين الحاج حسن عن سبب عدم اعتماد الضريبة على الربح العقاري، فيما أثار وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية محمد فنيش مسألة فائض حساب الخزينة العامّة، منتقداً الاستدانة بما يزيد على حاجة الدولة التمويلية بغرض امتصاص السيولة. ورأى أن ذلك لا تجيزه القوانين. فسارع الحريري والحسن إلى الردّ بأن هذا الفائض هو
تساءل الحاج حسن عن سبب عدم اعتماد الضريبة على الربح العقاري، وأثار فنيش مسألة فائض حساب الخزينة
بمثابة تمويل مسبق يسمح بنشوء وضع مريح في ظل الظروف الراهنة... وأثار فنيش ايضاً مسألة إعفاء المصارف من الضريبة على ربح الفوائد التي يتحمّلها المودعون... وهنا أجابت الحسن بأنه كان هناك رأيان في هذا الشأن، فطُلب رأي خبير من صندوق النقد الدولي أفتى بإعفاء المصارف منها «وهكذا كان»... هذه الإجابة أثارت حفيظة عدد من الوزراء الذين اعترضوا على أن يقوم خبير مقام مجلس الوزراء ويتخذ القرارات نيابة عنه، بينما ذكّر البعض الوزيرة الحسن بأنها «وزيرة» وهي المسؤولة سياسياً عن القرارات التي تصدر في نطاق اختصاصها.
وقدّم وزير الدولة عدنان السيد حسين مداخلة أشار فيها إلى بعض إيجابيات المشروع المقدم من وزيرة المال وسلبياته، فأشار إلى أنّ الإيجابيات تتمثل في عدم زيادة نسبة الضريبة على القيمة المضافة، وزيادة الإنفاق الاستثماري ورسوم التسجيل العقاري، إضافة إلى الضريبة على الفوائد المصرفية، مطالباً باعتماد الشطور في الضريبة الأخيرة... وطالب بمعرفة أوضاع الشركات التجارية وأنواعها وتقدير أرباحها، والعمل وفق اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. وتحدّث عن ضرورة إصلاح النظام المالي الضريبي، وتعزيز ضريبة الدخل على الأرباح والأجور التي لا تتعدى 22%، وخفض نسبة الضريبة على الـTVA، ووضع ضريبة على الأرباح العقارية للأفراد.
ورأى وزير الاقتصاد والتجارة محمد الصفدي أنّ مشروع الموازنة هو مجرد جداول مقارنات بالمشاريع السابقة، دون أن يتخلّله أي جديد على صعيد الاقتصاد التنموي.
وفور انتهاء الجلسة، تلا وزير الإعلام طارق متري بياناً قال فيه إن الوزراء ناقشوا «علاقة الموازنة بالسياسة العامة والاقتصادية وبالتدابير التي يُستحسن اتخاذها لكي تُقر بسرعة، لكي نبدأ بالإعداد لموازنة 2011». وأعلن متري موافقة مجلس الوزراء على اقتراح الرئيس سعد الحريري تعيين العميد جورج قرعة مديراً عاماً لأمن الدولة، إضافة إلى إلغاء قرار صادر عن الحكومة عام 2005 يقضي بإلغاء المديرية. كذلك أقر المجلس اقتراح وزير الدفاع الياس المر تعيين العميد عبد الرحمن شحيتلي مديراً عاماً للإدارة في الدفاع، وبالتالي، تعيينه عضواً في المجلس العسكري في المؤسسة، وأقرّ أيضاً اقتراح وزير العدل إبراهيم نجار نقل وتعيين 8 قضاة مفتشين لدى هيئة التفتيش القضائي (راجع ص11).
وكان الرئيس الحريري قد تحدّث في الجلسة عن زيارته للولايات المتحدة في 24 من الشهر الجاري، وأشار إلى زيارات سيقوم بها في الأسبوع المقبل لعدد من الدول العربية، وقد رجّح الوزير متري أن تكون سوريا بينها، بهدف التداول في عدد من القضايا الراهنة.
(الأخبار)

No comments:

Post a Comment