Friday, May 28, 2010

«نفاخر بأشياء كبيرة جداً بوسائل صغيرة جداً»
نحاس: يصعب التفريط بالحكومة في غياب البديل

حسن الحاف

لا يمكن فصل السياسات الاقتصادية المتبعة أو الحكم عليها بغض النظر عن النتائج الاجتماعية المترتبة عليها. عبارة قد لا تختزل رؤية وزير الاتصالات الدكتور شربل
نحاس الاقتصادية، بيد أنها تلقي ضوءاً ساطعاً على أبرز معالمها، والذي يتعارض في جوهره مع النظرة التي تسيّدت المشهد الاقتصادي اللبناني طوال العقدين الفائتين.

نحاس، الذي ألقى أمس محاضرة بدعوة من اللجنة الاقتصادية في التيار الوطني الحر، في مسرح مدرسة «الساينت كوير» ـ سيوفي، اعتبر أن الكلام عن عدم وجود علاقة بين
نقاش المسائل الاقتصادية والاجتماعية من جهة، وعمل الموازنة من جهة ثانية، خطير جداً.
فالموازنة، برأيه، ليست فقط مسألة حسابات، تقدر من خلالها المصاريف والإيرادات المحكومة سلفاً بوجهة محددة، وبانعدام الخيارات على مستوى الإنفاق، بحيث يصير
الحل بنظر البعض يتركز على الخصخصة وتعزيز دور القطاع الخاص وصولاً إلى باريس 3. كما لو أن هذه الخيارات لا تتغير في الزمان والمكان.
هذا في الاقتصاد، أما في السياسة، فلم يستطع نحاس إغفال الإشارة إلى أهمية ما يشهده لبنان اليوم من استقرار، يجد تعبيره الأسمى في الائتلاف الحكومي الذي تنضوي
تحت مظلته الأطراف الأساسية المكونة للفسيفساء اللبنانية.
وهذه الحكومة، وفق نحاس، لم تشكل بسهولة، ولا يمكن التفريط بها، في ظل الغياب التام للبديل. إذ أنها أتت بعد عقود من تخلخل الدولة اللبنانية وما رافقه من انهيار
مجتمعي، فضلاً عن تهاوي قيمة العملة الوطنية، وما ترتب عليه من انهيار في الثروة لفئات واسعة، إضافة إلى تغير التركيبة الاجتماعية وبنية الإدارة والمؤسسات العامة،
وصولاً إلى اتفاق الطائف ومفاعيله التي ظلت قائمة حتى عام 2005. ذلك كله حصل، وفق نحاس، في ظل ارتفاع أحجام التحويلات من الخارج من ناحية، وتزايد وتيرة الهجرة
من ناحية ثانية. وكذلك في ظل تصاعد الحديث عن قدرة المجتمع اللبناني «الخارقة» على التكيف. وهي قدرة تبين لاحقاً حجم الوهم الكامن فيها.
بعدها، انتقل نحاس لشرح أبرز مفاصل ورقته الاقتصادية التي قدمها إلى مجلس الوزراء، والتي قرأ منها حرفياً الفقرة التي أكد أنه بناء عليها فقط حازت الحكومة ثقة
المجلس النيابي، وهي تنص على ضرورة:
«استكمال تطوير البنية التحتية المادية والمؤسساتية والتشريعية الملائمة لمصلحة اللبنانيين جميعاً والقطاعات الإنتاجية كافة، ما يؤدي إلى تحفيز النمو ليحقق
مستويات عالية ومستدامة، ويسهم في مكافحة البطالة الحقيقية والمقنعة، خصوصاً لدى الشباب، ووقف هجرة الأدمغة التي تستنزف الموارد البشرية في لبنان، والسعي أيضاً
لإرساء نمط من النمو كفيل بخلق فرص عمل جديدة في المدن والأرياف وبتقليص العجز في مبادلات لبنان الخارجية وبتعزيز توازن الفرص الاقتصادية بين المناطق من خلال
تكاملها وترابطها والتشدد في الحرص على الموارد النادرة، من بشرية وطبيعية وثقافية»... كما تقوم على «الحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي والاستمرار بالتخفيف
من عبء خدمة الدين العام على الاقتصاد الوطني وتخفيض نسبته إلى الناتج المحلي، وذلك بهدف تحرير موارد مالية إضافية تمكّن الحكومة من تعزيز مستوى الخدمات العامة
وفعاليّتها، والسعي إلى إطلاق برامج استثمارية يتطلبها النمو ويحتاج إليها اللبنانيون، وذلك بالاعتماد على مختلف مصادر التمويل الملائمة، بدءاً بالمتاح منها».

وأكد نحاس بعيد تلاوته هذه الفقرة أن ما ورد في ورقته من تشديد على ضرورة مكافحة الفقر، وتقليص التفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين اللبنانيين، والحرص على إعادة
تكوين الطبقة الوسطى لا يندرج أبداً في سياق المرحلة الماضية.
أضاف نحاس «ثمة أمور وردت في البيان الوزاري أردنا منها إقامة توازن بين اعتبارين، أولهما القول بأننا نرضى بحمل الهموم المالية والاقتصادية الموروثة منذ 25
سنة، ولكننا لا نرضى بتكريس كل المكاسب الفئوية والاعوجاجات التي تناسلت طوال السنوات الفائتة».
وشدد على أنه ليس من البسيط أبداً تجاوز ما ورد في البيان الوزاري من اتفاقات حول تنظيم الإنفاق بين الوزارات والإدارات المتفرعة عنها. وأعطى مثالاً حول العلاقة
بين وزارة الاتصالات وهيئة «أوجيرو»، بحيث أنه بسحر ساحر طارت السطور المتصلة بالموضوع في البيان الوزاري، الأمر الذي أدى إلى تبخر الثقة بين الأطراف. وأعقب
ذلك بالقول إننا في لبنان «نغامر بأشياء كبيرة جداً بوسائل صغيرة جداً».
وعلق نحاس بسخرية حادة على الكلام الذي يعلو بين الآونة والأخرى للقول بأن لبنان عائم فوق بحر من الأموال، بينما، من ناحية ثانية، تتعالى الصرخات بأننا نريد
مزيداً من الأموال (عبر زيادة الضرائب). وهي نحتاجها لدفع فوائد على الأموال التي لا حاجة لنا بها، على ما أكد نحاس.
وفي ختام المحاضرة، أعاد نحاس التأكيد على ما ورد في ورقته الاقتصادية من مطالب تتصل بفض التشابك بين مهام الإدارة العامة، وبنظام نقل جدي بين المدن الرئيسية
(طرابلس ـ بيروت)، وبتأمين نظام تغطية صحية شامل لكل اللبنانيين.
السفير

No comments:

Post a Comment