Monday, June 28, 2010

استراتيجيّة الغاز: الاختلاف قبل التـنقيب
الحكومة لا تمتلك ترف انتظار إثبات حقوق لبنان في المنظمات الدولية (أرشيف ــ دالاتي ونهرا)يبدو أنّ الاستراتيجية الإسرائيلية المتّبعة حيال الاستئثار في حقول الغاز الطبيعي المعلن عن اكتشافها أخيراً شرق البحر المتوسط، وتحديداً ما يتعلق بالاستيلاء على الحقوق اللبنانية فيها، تتّجه نحو الابتعاد عن القانون الدولي ومحدّداته، والاعتماد على الهيمنة والقوة وفرض الإرادة من طرف واحد، مع الأمل بأن يغرق لبنان، في دوامة الاستحقاق النفطي
يحيى دبوق
ردود الفعل الإسرائيلية على المطالب اللبنانية بحقول الغاز الطبيعي كانت قاطعة: لا حقّ للبنان، وبالمطلق، في حقول الغاز المكتشفة. أي إنكار كامل لهذه الحقوق، وردّ المطالب اللبنانية إلى طبيعة الصراع القائم بين الجانبين، أو على حد تعبير وزير البنى التحتية الإسرائيلي، عوزي لانداو، الذي فضل الابتعاد عن أيّ نقاش موضوعي أو قانوني للقضية: «إنّ ما يزعجهم ليس احتلالنا لحقول الغاز، بل احتلالنا لتل أبيب واحتلالنا لنفس حيفا، فوجودنا غير مقبول من ناحيتهم».
مقابل الرفض الإسرائيلي، تتنازع في لبنان وجهتا نظر في ما خصّ المقاربة الواجب اتّباعها لحفظ الحق اللبناني: الأولى ترى وجوب المبادرة الفورية للتنقيب واستخراج الغاز، وتحديداً في المنطقة غير القابلة للتنازع مع أيّ جهة أخرى، وهي منطقة محدّدة تلقّى لبنان بشأنها طلبات من شركات استثمارية دولية تعرب عن اهتمامها بالاستثمار فيها. وترى وجهة النظر هذه أنّ بالإمكان القيام بذلك بالتوازي، ودون أيّ ربط، مع بذل الجهود لتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، التي يُتوقع أن يكون هناك نزاع بشأنها مع إسرائيل، علماً أنّ تحديدها يفترض أن يجري بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982، وضمن الأطر والإجراءات القانونية الخاصة بهذه المسألة.
وجهة النظر الثانية، تستنسب أن يعمد لبنان ابتداءً إلى تحديد مسبّق للمنطقة الاقتصادية الخالصة في ما وراء المياه الإقليمية اللبنانية، وبعد أن تُقَرّ هذه المنطقة ضمن الإجراءات القانونية الداخلية ومن ثم إعلام الأمم المتحدة بها، يصار إلى مباشرة عمليات التنقيب واستخراج الغاز. وهذا الرأي، كما يبدو، يحمل في طياته مخاطر كبيرة جداً، ويستلزم من لبنان انتظار نتائج الصيرورات القانونية وتعقيداتها، التي تتطلب سنوات طويلة، ومن بينها دون الحصر، إمكان أن تعترض إسرائيل على أصل التحديد اللبناني لدى الأمم المتحدة، ما يُدخل الطرفين في منازعة دولية طويلة جداً، قبل مباشرة استخراج الغاز.
من ناحية إسرائيل، تشير المنشورات الصادرة في الدولة العبرية إلى أن مسألة التنقيب عن الغاز في ما وراء المياه الإقليمية، تُطرح منذ سنوات في نقاشات غير معلن عنها. وقد شهدت وزارة العدل والكنيست الإسرائيليّين حراكاً غير ملحوظ في الفترة الماضية، ومن ضمنها مشروع قانون عُرض على الكنيست عام 2009 ينص على أن تعلن تل أبيب عن «منطقة اقتصادية خالصة» تابعة لها تمتد إلى مئتي ميل بحري انطلاقاً من الخط السّاحلي، أي عملاً باتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. لكن، في اللحظة الأخيرة، وبموجب دراسات واستشارات إسرائيلية معمّقة، جرى إيقاف مشروع القانون، إذ ظهر أنّ مساوئ الإعلان عن «المنطقة الاقتصادية» كبيرة جداً، وتتيح للبنان، ولسوريا وقبرص، بل وأيضاً للسلطة الفلسطينية في وجه من الوجوه، أن تسجّل اعتراضها أمام الجهات الدولية المختصة على التحديد الإسرائيلي، الأمر الذي يزيد من تعقيدات المسألة على الدولة العبرية، ويدفع نحو تدخل خارجي لفض النزاع، ما يعني في المحصلة إما إيقاف مشاريع التنقيب واستغلال الغاز الطبيعي وتجميده إلى حين حل الخلاف ثنائياً، وهو متعذّر، وتحديداً مع لبنان وسوريا، أو أن تتدخّل المحاكم الدولية وتقسم الموارد، وهذا ما لا تريده إسرائيل.
معنى ذلك، أنّ إسرائيل امتنعت عن تحديد «منطقة اقتصادية خالصة»، بموجب القانون الدولي، لكنها من ناحية عملية تعمل وفقاً لهذا التحديد، وقد اتّبعت قاعدة «القوي هو الذي يحكم». وبمعنى آخر، ردّت المسألة إلى القدرة العسكرية والنفوذ السياسي حيال الدول المحيطة بها، أو كما عبّر أحد التقارير الإسرائيلية المنشورة أخيراً: «اتّبعت إسرائيل المجال السياسي والعسكري في حل المسألة، فإذا أرادت جهة ما أن تنقّب عن النفط أو الغاز دون طلب الإذن من إسرائيل، فيمكنها أن تحل القضية معها بطريقة ثنائية»، وكما يظهر من المقاربة الإسرائيلية، التي وردت إشاراتها على لسان أحد وزرائها، سيكون التعاطي مع لبنان عسكرياً وتهديداً بالحرب، إذا واصل المطالبة بحقوقه.
لدى لبنان إمكانات لإيجاد رد ناجع حيال إسرائيل، تتيح له حماية حقوقه، وتمكّنه من مباشرة الاستفادة من هذا الحق سريعاً، لكن عليه أن يعمل في اتجاهين متكاملين، ولا يمكن الوصول إلى النتيجة الكاملة من دون تفعيلهما بطريقة متوازية:
أولاً، المبادرة السريعة إلى التنقيب عن الغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة بلبنان، وتحديداً في المنطقة التي لا يوجد أو يمكن أن يوجد أيّ تنازع بشأنها مع أيّ جهة في المنطقة، ومن ثم الإسراع إلى استخراج الغاز منها، من خلال إشراك شركات دولية معتبرة، وهذه العملية لا تتطلب صيرورات قانونية شاقة أو طويلة، وتمكّن لبنان من الاستفادة من موارده بسرعة قياسية، ودون تعقيدات وعراقيل منظورة.
ثانياً، إجراء عملية ربط بين الحركة العملية اللبنانية لاستخراج الغاز، وقدرة المقاومة على الحماية وردع إسرائيل، ما يفوّت على تل أبيب إمكانات تحقيق نتائج عملية من خلال التهديد والترهيب، ضمن توجّه من جانب المقاومة للمعاملة بالمثل. فإذا أقدمت إسرائيل على تهديد منشآت تنقيب واستخراج الغاز في المنطقة اللبنانية، فيمكن لبنان أن يهدّد المنشآت الإسرائيلية، وإذا أقدمت إسرائيل بالفعل على الإضرار بهذه المنشآت، فلدى المقاومة القدرة والإرادة على الرد بالمثل.
وفي هذا المنحى فائدة إضافية، إذ إنّ إشراك الشركات الدولية في عملية الاستثمار، التي تقدّر ابتداءً بمئات الملايين من الدولارات، كما يتبيّن من العروض والمعطيات القائمة، يعني إدخال الدولة التي تنتمي إليها الشركة، في لعبة التجاذب المفروضة من الجانب اللبناني حيال الجانب الإسرائيلي، على قاعدة أنه ليس من مصلحة الدول الكبرى الإضرار بمصالحها الاقتصادية. بهذا المعنى، يمكن لبنان أن يوجد شريكاً دولياً يسهم في تكريس الحق اللبناني في منح امتيازات التنقيب من جهة، كما يسهم في منع إسرائيل من الاعتداء من جهة أخرى، وخصوصاً أنّ الشركات المفترض دخولها على خط الامتيازات هي شركات تنتمي إلى دول غربية كبرى.
ومن الضروري الإشارة إلى أن لبنان لا يمتلك ترف الوقت لانتظار إثبات حقوقه في المنظمات الدولية، وذلك في ظل حقيقة أنّ عمليات الضخ الإسرائيلية ستبدأ عام 2012 وفقاً للبيانات الصادرة أخيراً عن شركة «نوبل» الأميركية، التي منحتها إسرائيل امتياز التنقيب. أي إنّ ما يفصل لبنان عن استحقاق استخراج النفط إسرائيلياً، هو عام ونصف عام، وهذا غير كاف كي يثبت لبنان أحقيته من خلال الإجراءات القانونية.
اين دور المقاومة؟
ثمّة لغط تسرّب إلى الإعلام اللبناني، منشأه ما يرد في وسائل إعلام إسرائيلية. إذ جرى الحديث عن صعوبات قد تعترض تل أبيب في توفير مستثمرين للبدء بأعمال استخراج الغاز. لكن المقاربة نفسها، الواردة في عدد من المواقع الإخبارية العبرية، التي جرى نشر ترجمتها في المواقع الإخبارية العربية، لا تعزو احتمال رفض المصارف الدولية إلى القلق الأمني، بل إلى إمكان حصول منازعة قضائية مع لبنان والدول المجاورة الأخرى. وبحسب موقع «أخبار الطاقة» الإسرائيلي، يمكن المخاطرة الأمنية أن «تضيف إلى التكلفة نسبة واحد أو اثنين في المئة، من التكلفة الإجمالية» لكنها لا تمنع الاستثمار واستخراج الغاز.
مقابل الرفض الإسرائيلي تتنازع في لبنان وجهتا نظر... لحفظ الحق
إسرائيل امتنعت عن تحديد «منطقة اقتصادية خالصة» لكنها تعمل وفقها
الصراخ الإسرائيلي مردّه إلى وجود قدرة لبنانية على حماية الحقوق اللبنانية
يمكن لبنان أن يبادر إلى التنقيب واستخراج الغاز وهو قادر على ذلك
في هذا الإطار، يجب الإشارة إلى أنّ «القلق الأمني»، الذي يزيد من التكلفة المشار إليها، يتعلق بالمخاطرة الاعتيادية في إطار عمليات التأمين الجارية حول العالم، سواء كانت المسألة متعلقة بحقول الغاز أو بغيرها، وزيادة التكلفة واحد أو اثنين في المئة، تتعلق بتمكين شركات التأمين من تحمّل تبعات أخطار أمنية محتملة نظرياً، وهي مخاطر تكون في العادة غير منظورة وبمستويات منخفضة جداً. لكن أن تتلمّس شركات التأمين وجود أو احتمال وجود خطر حقيقي، على شاكلة احتمال أن تتعرض منشآت استخراج النفط أو الغاز لتوجيه ضربة عسكرية، ما يؤدي إلى إلحاق أضرار بها، وبالتالي توقيف العمل بالمشروع نفسه، فإنّ شركات التأمين لا تقدم أساساً على هذه المخاطرة، وترفض بالتالي التأمين على المشروع، وهذه العقود تسمّى العقود التأمينية الرديئة. فشركات التأمين تقدم على رفع التكلفة التأمينية بطريقة موازية لارتفاع حجم المخاطرة، لكنها تمتنع في نهاية المطاف عن أصل العقود التأمينية، إذا كانت المخاطرة الأمنية ملموسة، كما هي الحال مع إسرائيل والمقاومة وحقول الغاز في شرق المتوسط.
إن لم يكن لدى إسرائيل وشركات الاستثمار الدولية، خشية حقيقية على منشآتها وما يمنعها منعاً ماديّاً من استخراج الغاز، فلن يكون لدى إسرائيل حائل يحول دون عمليات استخراج الغاز، حتى وإن كان ذلك يخالف القوانين والأعراف الدولية. يمكن إسرائيل أن تناور وتحتوي أية ضغوط، غير عسكرية، ما دامت قادرة من ناحية فعلية على استخراج الغاز، ولن تكون الإجراءات القانونية اللبنانية، وما يمكن أن يتبعها لاحقاً من قرارات دولية، قادرة وحدها على لجم إسرائيل ومنعها من سرقة الحقوق اللبنانية. ويمكن الاستفادة من تاريخ الاحتلال الإسرائيلي وطريقة تعامله مع الأراضي المحتلة، سواء في الضفة الغربية أو في الجولان، للإشارة إلى قدرات إسرائيل في هذا المجال.
الصراخ الإسرائيلي، في هذا الموضوع، مردّه إلى وجود قدرة لبنانية فاعلة وقادرة على حماية الحقوق اللبنانية من ناحية عسكرية، وبالتأكيد غير مقتصرة على المسارات القانونية وحدها.
وعلى أيّ حال، يمكن لبنان أن يبادر إلى التنقيب واستخراج الغاز، وهو قادر على ذلك: في حد أعلى يمكن أن يستحصل على كامل حقوقه، وإذا أرادت إسرائيل المواجهة ومنعه، فهذا يعني أيضاً أنّ إسرائيل لن تستطيع الاستفادة من حقولها المزعومة، وهذا هو الحد الأدنى.
________________________________________

قانون النفط على نار حامية
أُطلقت في اليومين الماضيين مواقف عدّة تطالب بإقرار قانون النفط لحفظ حق لبنان في الكميات التي يقدّر أنها موجودة قبالة شواطئه.
وتُعقد عند الحادية عشرة من صباح اليوم جلسة للجان النيابيّة المشتركة (المال والموازنة والإدارة والعدل والأشغال العامة والطاقة والمياه والاقتصاد والتجارة والصناعة والتخطيط والبيئة)، برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري، لمناقشة اقتراح القانون المقدم من النائب علي حسن خليل المتعلق بالموارد البتروليّة في المياه البحرية.
ورأى رئيس الحكومة الأسبق، سليم الحص، أن حق لبنان في التنقيب عن النفط والغاز في مياهه الإقليمية الجنوبية سيكون مادة نزاع عنيف مع العدو الإسرائيلي الذي يسعى إلى توسيع إطار الأعمال التي يقوم بها في التنقيب لتشمل مياهاً إقليمية لبنانية. واقترح الحص أن تسند مهمة متابعة الملف إلى أحد وزراء الدولة، ليتفرّغ لها، «فمن المفترض أن يطلق لبنان، في أسرع ما يمكن، فرق عمل لترسيم الحدود البحرية اللبنانية ومباشرة التنقيب عن النفط داخل مياهه الإقليمية، ويفترض مباشرة الاتصالات مع الأمم المتحدة وسائر المؤسسات الدولية المعنية، والدول العربية، تحسّباً لمواجهة تعقيدات تفتعلها إسرائيل».
وطالب وزير الزراعة حسين الحاج حسن السلطتين الاشتراعية والتنفيذية بإنهاء الجدال بشأن موضوع النفط، «والذهاب إلى إقرار قانون للثروات النفطية، واستثمار ثرواتنا من النفط والغاز». وإذ أوضح النائب ياسين جابر أنه «قد تكون هناك جلسة مستعجلة للجنة الحكومية المعنية بالقانون لتصديقه وإحالته على المجلس النيابي، ولا مانع من أن تباشر اللجان المشتركة النيابية في البحث في اقتراح القانون»، كشف أن لبنان «وجّه رسالة إلى الشركة الأميركية التي ستنقّب عن النفط لدى إسرائيل، ينبّهها إلى حفظ حقوق لبنان. وأفادت بأنها ستتراجع ما بين 30 كيلومتراً و40 كيلومتراً بعيداً عن الحدود اللبنانية».
ورأى النائب نبيل دو فريج أن «الطريقة التي قدّم بها مشروع التنقيب عن النفط إلى مجلس النواب هي بمثابة حرق للمراحل». وأكّد أن «المشروع يجب أن يأتي من الحكومة التي أصبحت على طريق إنهاء عملها، وخصوصاً أن هناك بندين لا أكثر لتنتهي الحكومة نهائياً من مشروع القانون». بدوره، أكد النائب عمّار حوري عدم مقاطعة المستقبل للجان النيابيّة.
أما النائب علي فياض، فرأى أن تعزيز التفاهم الوطني هو ضرورة للنجاح في مقاربة ملف التنقيب عن الطاقة، معتبراً أن التهديدات الخطيرة التي أطلقها الإسرائيليون لا تعتدي فقط على موارد لبنان وحقه في موارده الطبيعية «بل أيضاً على حدوده البحريّة»، داعياً إلى أخذ هذه التهديدات على محمل الجد، على الرغم من أنها لم تعد تخيف أحداً من اللبنانيين.
أمّا الحزب السوري القومي الاجتماعي، فدعا إلى «إبعاد موضوع النفط والغاز عن التجاذبات السياسية المعتادة في لبنان»، معتبراً أن «هذا الموضوع يمثل أولويّة حيويّة واستراتيجيّة توجب التعاطي معه بمنطق مختلف ومغاير يُعلي المصلحة الوطنية على ما عداها من مصالح سياسيّة تبقى ضيقة وآنية أمام الأفق الواسع والواعد الذي يتيحه استخراج النفط والغاز للبنان».

عدد الاثنين ٢٨ حزيران ٢٠١٠

جريدة الاخبار

No comments:

Post a Comment