Tuesday, June 22, 2010

اللوحة البشعة للسوق العقارية
باز وشرف الدين خلال الندوة (مروان بو حيدر)
الأسعار في ارتفاع متسارع... ووزارة المال: لا مضاربات!
اللوحة ليست وردية في سوق العقارات في لبنان، على الرغم من كل الرتوش التي يحاول البعض القيام بها لتلميع صورة هذه السوق. فأسعار الشقق والأراضي ترتفع بوتيرة غير مقبولة، والأرباح الخيالية الناجمة عن المضاربات معفاة من أي ضريبة، ولا يستفيد من نمو هذه السوق إلا حفنة من الشركات وتجّار مواد البناء واليد العاملة الأجنبية!
رشا أبو زكي
أسعار العقارات ستشهد المزيد من الارتفاع خلال عام 2010، لا بل إن نسبة ارتفاع أسعار الشقق والأراضي خلال الأربعة أشهر الأولى من العام الحالي وصلت في بعض المناطق إلى 80 في المئة! أما المفارقة، فهي أن أكثر المناطق التي تشهد ارتفاعاً في الأسعار هي الشمال والبقاع والجنوب، أما بيروت، التي أصبحت فيها أسعار الشقق والعقارات خارج قدرة أي مواطن عادي على احتمالها، فقد شهدت ارتفاعات ما بين 1 و5% فقط منذ مطلع العام... فإلى أين يتجه لبنان مع الزيادات الهستيرية في أسعار العقارات المبنية وغير المبنية التي تجاوزت الـ300 % في الفترة ما بين عام 2006 و2010؟ وكيف تنظر وزارة المال والاقتصاديون في بلد الـ6 ملايين ونصف مليون مهاجر إلى الأزمة القائمة؟ مؤشرات قرأها كل اقتصادي بحسب طريقته، خلال ندوة أقامتها نقابة المهندسين أول من أمس تحت عنوان «أزمة الاقتصاد العالمي والنمو العقاري في لبنان: أي علاقة؟». فالبعض عدّها «لوحة وردية»، وبعض آخر «كفر»، وبعض عدّها «نتيجة لسياسة نقدية حكيمة»، وبين هذا وذاك وذلك، يتّجه اللبنانيون نحو سياسة إقصائية متطرفة!
بين الواقع... ووزارة المال!
سجّل عدد رخص البناء الممنوحة في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2010 ارتفاعاً نسبته 57 في المئة مقارنة مع الأشهر الأربعة الأولى من عام 2009، وارتفعت كميات الأسمنت المسلمة بنسبة 19 في المئة. وتشير إحصاءات وزارة المال، بحسب ما يقول النائب الأول لحاكم مصرف لبنان، رائد شرف الدين، إلى ارتفاع عدد عقود البيع خلال هذه الفترة 107 في المئة، وسجل متوسط سعر عقد البيع الواحد ارتفاعاً بنسبة 19 في المئة للأراضي و17 في المئة للعقارات المبنية.
باز: شمول ضريبة الدخل «السنكريين» لا الأطباء والمهندسين!
أما النتائج الكارثية فهي تلك التي تظهرها دراسة أعدّها مصرف لبنان أخيراً، والتي بيّنت أن ارتفاع أسعار الشقق تراوح خلال عام 2009 بين 5 و150 في المئة، وفي الأشهر الخمسة الأولى من عام 2010 بين صفر و50 في المئة. أما أسعار الأراضي فقد ارتفعت في عام 2009 بين 10 و125 في المئة، وفي الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي بين صفر و80 في المئة!
وإن كان شرف الدين يشيد بسياسة مصرف لبنان «لمنع حصول أزمة عقارية»، وينوّه بتشجيع المصرف لإقراض المواطنين بحوافز وتسهيلات خاصة، إلا أنه أكد أن السياسة النقدية ليست كافية للحدّ من إمكان المضاربة في الاستثمار العقاري، ولذلك «من الضروري وضع سياسة ضريبية متكاملة، إلى جانب رسوم التسجيل المفروضة، ما يمكن أن يوفّر مداخيل ضريبية للدولة، وتوفّر عدالة ضريبية أفضل عبر فرض ضريبة على أرباح رأس المال».
لكنّ عبارتَي «مضاربة» و«سياسة ضريبية عادلة» غريبتان على مسمع مستشار وزيرة المال نبيل يموت، الذي حصر رؤية فريقه للسياسة الضريبية في القول إن «وزارة المال عازمة على وضع جدول أسعار موحّد تعتمده مختلف إدارات الدولة أساساً لاحتساب كل الرسوم والضرائب العقارية، وذلك بالتعاون مع البلديات ونقابة المهندسين»! لا بل أكد أن «السوق العقارية في لبنان ليست سوق مضاربات، بل هي قائمة بغالبيتها على التملك الشخصي بهدف السكن»!
لوحة وردية؟
أما المدير المالي والتخطيط الاستراتيجي لمجموعة عودة سرادار فريدي باز، فقد رأى أنّ هناك تبعية للخارج بالنسبة إلى الاقتصاد اللبناني، وتحديداً من رساميل وافدة بوتيرة كبيرة، ومسؤولية السياسيين في هذه المرحلة هي الحفاظ على المكتسبات التي حصلت على الصعيد النقدي والاقتصادي منذ عام 2008 لغاية اليوم. وشكّك باز في الأحاديث التي تشير إلى تمركز الثروة بيد عدد قليل من الأسر، لافتاً إلى أن حجم استيراد السيارات والمواد الغذائية والمحروقات الذي يزيد على 24 مليار دولار لا يمكن أن يكون محصوراً في عدد قليل من الأسر.
ولفت إلى أنه على الرغم من المؤشرات المالية والسياسة التي يتبعها مصرف لبنان لتحصين لبنان في مواجهة آثار الأزمة القائمة عالمياً، إلا أن لبنان ليس عالماً رائعاً، إذ يعاني من بعض المشكلات، ومنها نسبة المديونية والعجز المرتفعة، لافتاً إلى وجود مشكلة في الأدوات المستخدمة لحلّ هاتين الأزمتين، ومنها مثلاً إعفاء بعض قطاعات المهن الحرة من ضريبة الدخل، «وهنا لا أقصد الأطباء أو المهندسين، بل السنكريين اللذين يجنون الكثير من الأرباح على أعمالهم»! إضافة إلى أن النموذج اللبناني مبني على الاستهلاك، لافتاً إلى ضرورة تعزيز التصدير والاستثمارات وغيرها...
إلا أن هذه «اللوحة الوردية» التي رسمها باز، بحسب رئيس مركز البحوث والاستشارات كمال حمدان، ليست كذلك، إذ من الآن حتى 10 أعوام، وضمن سياسة الإقصاء السكني، سينتقل نصف سكان بيروت إلى خارجها، وخصوصاً إلى الطريق الممتدة بين بيروت وصيدا، إضافة إلى المناطق الجبلية. وسبب هذا الإقصاء، بحسب ما يقول حمدان، يعود إلى أن بنية القوى العاملة والأجراء وحجم الدخل الوطني المقدّر للأجير يمنعان الأخير من التفكير في اقتناء سلعة السكن بالأسعار القائمة.
فالطفرة العقارية القائمة هي أحد أشكال توزيع الدخل بين اللبنانيين، وأسعار العقارات والمباني والمؤشرات الاجتماعية الناتجة، في مقابل عدم اقتطاع أي ضريبة على الربح العقاري، توصل حمدان إلى القول: «هذا كفر»، معتبراً أن لبنان لديه «بلوى استمرار الطاقم السياسي نفسه في سدة الحكم، وعلى الشعب اللبناني أن ينتفض لإحداث تعديل جوهري في بنية الضرائب».
وأشار حمدان إلى أنه في المسح الأخير للمباني، تبيّن أن عددها في بيروت انخفض 4 في المئة، شارحاً بأن الملاحظ أن معظم الأبنية الجديدة ذات مساحة كبيرة، أي موجّهة إلى أصحاب المداخيل المرتفعة، ومشدداً على أنه لا يمكن مقارنة أسعار الشقق بين لبنان والدول المجاورة، نظراً إلى التفاوت في القدرة الشرائية والإطار الاجتماعي القائم. لا بل سأل «ما هي ضمانات الذين يحصلون على قروض سكنية لـ30 عاماً، في ظل عدم وجود معدلات ثابتة للفائدة؟».
________________________________________

400%
هي نسبة ارتفاع أسعار العقارات في بعض المناطق في بيروت خلال السنوات الخمس الماضية، بحسب نقيب المهندسين بلال العلايلي، الذي أشار إلى أن بيروت ما زالت الأرخص عقارياً لمحيطها إذا ما قارناها بعمان ودمشق والقاهرة وغيرها!
________________________________________

إلزام الأوقاف الدينية بالضرائب
قال رئيس مركز البحوث والاستشارات كمال حمدان (الصورة) إن القطاعات المستفيدة من الطفرة العقارية محصورة جداً، وخصوصاً أن مواد البناء في غالبيتها مستوردة. ومن ناحية أخرى، فإن القوى العاملة اللبنانية لا تفيد من هذا القطاع بفعل الاتكال على اليد العاملة الأجنبية. وشدد حمدان على ضرورة تطوير التشريعات العقارية، ووضع ضرائب على الربح العقاري، واعتماد المخطط التوجيهي للأراضي، وإلزام الأوقاف الدينية كلها بالضريبة على العقارات التي تمتلكها، أو أن تُلزَم بإنشاء مساكن شعبية على عقاراتها، إضافة إلى تعزيز قطاع النقل العام.

عدد الاثنين ٢١ حزيران ٢٠١٠
جريدة الاخبار

No comments:

Post a Comment