Saturday, July 24, 2010

الأسد للحريري: لا حرب إسرائيليّة ولا حرب بديلة ولكن الفتنة
القرار الظنّي كان حاضراً في لقاءات الأسد ـ الحريري (أرشيف ــ أ ف ب)على هامش خلوة الرئيسين بشّار الأسد وسعد الحريري، أوحت المواجهة الجديدة أنها تودّ تخطي الخلاف حول القرار الظنّي إلى الخلاف على بقاء المحكمة الدولية أو زوالها. وحدها المحكمة بقيت ــ أو تكاد ــ آخر ثمار حقبة 2005 ــ 2008
نقولا ناصيف
بعض الإشارات التي خاطبه بها الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، مساء الخميس، في معرض الحضّ على تفادي فتنة يُخشى أن يتسبّب بها القرار الظنّي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، سمعها رئيس الحكومة سعد الحريري من الرئيس السوري بشّار الأسد في خلوتهما الأولى يوم الأحد 18 تموز، في دمشق.
قبل 24 ساعة من اجتماع هيئة المتابعة والتنسيق اللبنانية ـــــ السورية، ذلك الأحد، أوفد الحريري أحد أقرب معاونيه رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي العقيد وسام الحسن إلى دمشق لمقابلة رئيس فرع المنطقة (دمشق) ورئيس فرع ريف دمشق اللواء رستم غزالة، وإبلاغه رغبة رئيس الحكومة تمديد إقامته في دمشق يوماً إضافياً بغية الاجتماع بالرئيس السوري. واستجابة لهذه الرغبة، اتخذت دوائر قصر الضيافة السوري إجراءات مبيت الحريري فيه اليوم التالي.
بين ملفات شتى ناقشها الرجلان، كان القرار الظنّي في اغتيال الحريري الأب، المرجح صدوره في أيلول أو تشرين الأول المقبل، وانعكاسه على الاستقرار في لبنان. كان الرئيس السوري لدى استقباله الوزراء اللبنانيين ونظرائهم السوريين المشاركين في اجتماع هيئة المتابعة والتنسيق، قد قصر كلامه على موضوع «تقني» هو العلاقات الثنائية بين البلدين ونتائج أعمال الهيئة، وقال للوزراء إن الكلام السياسي يتداوله مع الحريري في اجتماع لاحق.
إلا أن الخلوة المسائية لم تقتصر عليهما، بل شارك فيها مستشار الملك السعودي ابنه الأمير عبد العزيز بن عبد الله الذي دخل على خط معالجة السجال الساخن في لبنان بين طرفي النزاع حيال القرار الظنّي. وبدت مشاركة عبد العزيز جزءاً من دور أعربت المملكة عن رغبتها في الاضطلاع به بغية الحؤول دون فتنة سنية ـــــ شيعية تنفجر في لبنان جراء اتهام عناصر من حزب الله بالضلوع في اغتيال الرئيس السابق للحكومة.
وبحسب مطّلعين عن قرب على مداولات خلوة الأسد والحريري مساء الأحد، يمكن القول إنها تناولت الأمور الآتية:
1 ـــــ قال الأسد للحريري إن عليه أن لا يخشى حرباً إسرائيلية على لبنان، لأن الأميركيين غير جاهزين لها، ولا لحرب بديلة من الحرب مع إيران عبر حرب على لبنان، ولا تستطيع إسرائيل إلا التهويل. إلا أنها في واقع الأمر تريد الفتنة في لبنان لا الحرب معه في الوقت الحاضر، ولذا لا تكفّ عن التحريض على حزب الله.
2 ـــــ لاحظ الرئيس السوري أن للحريري والسعودية وتركيا دوراً مهماً في درء فتنة تعتمد المحكمة الدولية وسيلة لها، وخصوصاً أن إسرائيل ترمي من الفتنة إلى انفجار الوضع في لبنان. وعلّق أهمية خاصة على السعودية وتركيا في هذا الشأن كونهما قادرتين على المساعدة والتحرّك على نطاق أوسع لدى الدول المعنية.
عبد العزيز بن عبد الله شارك في خلوة الأسد والحريري يوم الأحد
3 ـــــ لفت الأسد، في معرض استعادته والحريري خطاب نصر الله الجمعة 16 تموز، إلى أن النبرة العالية للأمين العام مردّها إلى أنه ـــــ كالحريري ـــــ يطلب الحقيقة في اغتيال الحريري الأب، إلا أنه يطلب كذلك تصحيح مسار المحكمة الدولية وعدم تحوّلها منبراً للتحريض على فريق لبناني، ولا خصوصاً على حزب الله. وأكد أيضاً أن سوريا، كحزب الله، لا يمكنها التسليم بقرار ظنّي على هذه الصورة. كان رئيس الحكومة قد أطلع الرئيس السوري على فحوى حوارهما في الاجتماع الذي عقداه، وفاتح فيه الحريري نصر الله في مضمون قرار ظنّي يتهم حزب الله باغتيال الحريري الأب، ويلصق التهمة بعناصر غير منضبطة.
4 ـــــ أكد الرئيس السوري أن الجميع يريد الحقيقة وكشف قتلة الرئيس الراحل، إلا أن هذه الحقيقية يتعيّن أن تكون منزّهة وغير مسيّسة، وليست جسراً إلى تحقيق ما اعتبره المشروع الأميركي ـــــ الإسرائيلي في المنطقة.
5 ـــــ حضّ الأسد رئيس الحكومة اللبنانية على تواصل دائم مع حزب الله وأمينه العام من خلال التوصّل إلى تفاهمات تثبّت عناصر الثقة والاتفاق بينهما. غداة عودة الحريري إلى بيروت، قصد المعاون السياسي للأمين العام الحاج حسين الخليل دمشق، واطلع على نتائج محادثات الرئيسين، وتبلغ الموقف السوري الذي كان محور أحاديث الأسد والحريري، وهو أن دمشق تعتبر استهداف المقاومة استهدافاً لها.
6 ـــــ نصح الرئيس السوري للحريري بالاضطلاع بدور في إيجاد حلّ للقرار الظنّي يجنّب اللبنانيين نزاعاً جديداً وفتنة خطيرة. إلا أنه أكد له في المقابل استعداد سوريا للمساعدة في سبيل تحقيق موقف لبناني موحّد في مواجهة قرار ظنّي يهدّد الوحدة الوطنية بخطر الانفجار. وعوّل على الحريري للعمل على تحقيق موقف موحّد كهذا. ولاحظ أيضاً أن موقفاً لبنانياً جامعاً ضد الفتنة وضد تسييس القرار الظني، من شأنه توجيه رسالة بالغة الدلالة إلى الدول المعنية بالأمر.
كانت وجهة نظر الأسد أن على الحريري المبادرة إلى موقف يريح المقاومة ويبدّد هواجسها ومخاوفها، ما دام نصر الله يؤكد باستمرار تأييده المحكمة الدولية خالية من التسييس.
غير أن المطّلعين أنفسهم يشيرون أيضاً إلى بضعة انطباعات رافقت اجتماعات الأحد والاثنين في دمشق:
حضّ الأسد الحريري على تفاهمات مع نصر الله تعزّز الثقة بينهما
أولها، أن سوريا لم تخفِ قلقها من انعكاسات القرار الظنّي على الداخل اللبناني في حال اتهام عناصر في حزب الله. ومن غير أن تتخذ موقفاً سلبياً منها، اعتبرت دمشق أنها غير معنية بالمحكمة الدولية، وقد تعاونت معها خلافاً لـ11 دولة ذكرت تقارير لجنة التحقيق الدولية في أوقات متفاوتة أنها لم تستجب طلبات التعاون معها، ولم تفصح عن هوية الدول الـ11. مع ذلك لا اتفاق تعاون بين سوريا والمحكمة الدولية.
ثانيها، كان من السهل تلمّس التطور المطرد في علاقة الحريري بالأسد الذي أحاطه بكل اهتمام، وبدا أن الثقة المتبادلة بين الرجلين قطعت شوطاً بعيداً في ترسيخ اتفاقهما على العديد من الملفات اللبنانية والإقليمية.
كان اللافت أيضاً المقاربة المختلفة التي بدأ الحريري يرسي من خلالها علاقته بسوريا ورئيسها بعد خمس سنوات من المواقف المتشدّدة التي امتزجت فيها العدائية بالأوهام. وبمقدار ما ترغب دمشق في توطيد علاقتها به، تلاحظ أنه لم ينجح بعد في بلوغ تفاهمات مع حزب الله كالتي عقدها معه والده الراحل، واستطاع ـــــ وخصوصاً في الأشهر الأخيرة من حياته ـــــ إرساء أوسع تفاهم مع نصر الله حول علاقة حزب الله بالدولة اللبنانية، وعلاقة المقاومة بخطط الإعمار والتنمية لكنها تجد نفسها معنية بتطمين الحريري وضمان أوسع مظلة حمايةً لدوره على رأس حكومته، واستقرار حكومة الوحدة الوطنية، كلما أظهر اقترابه من ثوابت الاستراتيجيا السورية في الصراع مع إسرائيل، بما في ذلك حماية المقاومة.
ثالثها، رغبت دمشق إلى الحريري في عدم الاكتفاء بالتفاهم مع حزب الله، بل أيضاً الانفتاح على الزعماء والسياسيين السنّة الآخرين، واستيعاب الآراء المختلفة في الشارع السنّي. ويلتقي الموقف السوري مع تحرّك سعودي في الاتجاه نفسه كان قد عبّر بدوره عن قلقه من تنافر مواقف بعض الأفرقاء في تيّار المستقبل، وقت لا تخفي الرياض ـــــ تبعاً للمطّلعين أنفسهم ـــــ مخاوفها من عدم إمساك الحريري بتيّار المستقبل تماماً، وهي لم تتردّد في التدخّل لدى بعض نواب التيّار من أصدقائها الذين كادوا يخرجون منه، متمسّكة بأن يكون رئيس الحكومة الوعاء القادر على استيعاب تناقضات الشارع السنّي وسياسييه، والقادر في الوقت نفسه على قيادته.

عدد السبت ٢٤ تموز ٢٠١٠
الاخبار

No comments:

Post a Comment