Saturday, July 24, 2010

بين خيار ميشال عون وخيار سمير جعجع
جان عزيز
قبل أيام، في حمأة السجال في ما سمي «سيناريو الفتنة»، على خلفية إرهاصات عمل المحكمة الدولية، نقلت إحدى الصحف كلاماً منسوباً إلى وليد جنبلاط، في حديث له مع مسؤول أمني كبير. إذ طلب جنبلاط من الأخير «وقف دعم سمير جعجع، الذي يؤدي دوراً خطيراً على صعيد إثارة الفتنة...».
مهم جداً هذا الكلام، وممكن جداً تصور حصوله، وبالتالي صحة قوله. كذلك من الممكن أن تكون دوافعه مفهومة. لكن الأهم أن سبل ترجمته في الواقع السياسي معدومة.
فبمعزل عن الأحكام التقويمية، وتصنيف المواقف والمواقع، بين أهل الخير وأهل الشر، يظل أكيداً أن وليد جنبلاط، بعد أعوام من الحركة السياسية المثيرة للدوار، يقف اليوم في خط سياسي واحد، مع حزب الله من هناك، وميشال عون من هنا. وهو بالتالي بات على نقيض الموقع والموقف، حيال سمير جعجع. وهو لذلك يدرك عن حسن تقدير وحسن نية في آن واحد، أن البيئة التي تحتضن الرجلين، هي العامل الحاسم والوازن والمرجح، في الصراع الدائر في لبنان اليوم. إذا استمرت أكثرية عون في هذه البيئة وتنامت، نجح الخيار الموصوف بخيار «التفاهم». وإذا ما انقلبت الأكثرية في هذه البيئة تحديداً أو تناقصت، تقدم خيار «التصادم».
وفي ضوء هذه الثنائية الجدلية المتناقضة، دأب حزب الله على التصرف طوال الأعوام الأربعة الماضية، بحرص شديد، وحذر وتؤدة، حيال أي فكرة أو كلمة أو خطوة، لجهة انعكاساتها في هذه البيئة بالذات. حتى يوم قال السيد حسن نصر الله كلمة حق في ميشال عون، عشية الانتخابات النيابية الأخيرة، كان متردداً لجهة نتائج كلمته. فعلق في عبارة اعتراضية، بأنه لا يعرف ما إذا كان كلامه ذاك سيفيد الجنرال أو العكس، غير أنه رأى أن عليه الشهادة لما يراه حقاً في الرجل، وله...
والقياس نفسه، لا بد من أنه يفرض ذاته اليوم، في حسابات السيد. علماً بأن الاستحقاق داهم، ألا وهو موضع الاتهام المفترض من المحكمة الدولية. لكن العارفين بالمزاج المسيحي يشيرون إلى أن لنصر الله فيه موقعاً خاصاً ومميزاً. وهو يتراوح بين التأييد، والاحترام. لا ثالث لهما. فهو في لاوعي هذا الوجدان، وإن لم يظهر ذلك في وعي بعضه، ليس جزءاً من «المرحلة السورية» المنفِّرة لبيئة عون وجعجع معاً، فضلاً عن صدقية شخصه، ومقاومته، وصدق قوله وفعله، من هادي حتى التحرير، وما قبلهما وما بعدهما...
لذلك، يبدو كلام السيد، مهما كان كلامه، خارج معادلة: هل يفيد عون، أو يؤذيه. ذلك أن الحكم عليه في هذه البيئة، سيظل محكوماً بنسبة ساحقة، بين التأييد والاحترام المشار إليهما. لا خطر ضرر، ولا خوف أذى.
غير أن الأمر نفسه لا يصح على أصوات أخرى ووجوه أخرى. ينظر إليها وجدان هذه البيئة على أنها من رموز مرحلة بائدة. حتى إنه يمكن الاعتقاد، أن أكثرية واضحة من أبناء تلك البيئة، حين يقفون في طليعة النضال لإسقاط مرحلة 2005 وما تلاها، لا يتصورون أنفسهم لحظة، في حالة تأييد للعودة إلى ما قبل تلك المرحلة، ولا إلى خطابها، ولا إلى سلوكها ووجوهها وأصواتها وممارساتها. أن يقف هؤلاء ضد الظلم والزور الذي وقع بعد 14 آذار 2005، لا يعني بالنسبة إليهم إطلاقاً القبول، ولو بانطباع العودة إلى ما سبق ذلك التاريخ.
وبين الفئتين، يحتل وليد جنبلاط موقعاً ثالثاً مفارقاً في وجدان هذه البيئة. إذ يشغل فيه محور علاقة من الحب ـــــ البغض الممزوج والملتبس والغامض. وقد تكون علاقة متبادلة. لكنها غالباً ما جعلت «بيك» المختارة عنصراً مثقلاً في ميزان المزاج المسيحي، لا مربحاً فيه.
هكذا، في ظل الوضع الضاغط راهناً، يمكن احتساب ما يفيد ميشال عون وما يؤذيه، وما يقوي سمير جعجع وما يضعفه. ويمكن التقدير أن كلام نصر الله وصوته ووجهه، خارج هذه المعادلة. غير أن خطابات كثيرين، مفترض أن يكونوا حلفاء لعون وأخصاماً لجعجع، لا إجماع على إفادتهم للأول، ولا على إضرارهم بالثاني.
قبل أيام، في مناسبة اجتماعية، قال السفير السوري في بيروت، ما حرفيته: «العلاقة الأخوية بين سوريا ولبنان لا تحتاج إلى خطابات (...)، المراجعة النقدية المسؤولة والمستمرة والمفتوحة، التي انتهجتها سوريا وانتهجها الرئيس بشار الأسد، هي حاجة لسوريا، وأظنها حاجة للعلاقة الأخوية بين البلدين الشقيقين. حاجة لكل منا مع ذاته، فكيف بها مع دولتين وبلدين وشعبين(...). نحن مسؤولون ومعنيون بأن نكتشف ذواتنا وأن نراقب أنفسنا، وأحسب أن الحوار الذاتي منطلق أول لحوار أشمل...».
إن كلاماً كهذا، يدعم خيارات ميشال عون، ويضعف خيارات سمير جعجع، أكثر بكثير من ملايين الخطابات الأخرى، التي قد يكون تأثيرها معكوساً.

عدد السبت ٢٤ تموز ٢٠١٠

الاخبار

No comments:

Post a Comment