Tuesday, July 27, 2010

«وحده صوت السيدة فيروز وهي تغني «يلا تنام» كان يقودني طفلاً إلى النوم بسلام»
على أدراج المتحف الوطني، صوت واحد يصيح: لا لمنع السيدة فيروز من الغناء

زينة برجاوي

يصمت الكلام حين تغني فيروز. يختصر هذا المشهد صورة اعتصام الأمس أمام المتحف اللبناني، تضامناً مع السيدة فيروز، وضد منعها قضائياً من أداء تراث الرحابنة.
فتوافد «الفيروزيون» إلى المكان لكي يقولوا «لا لمنع السيدة فيروز من الغناء». حضروا ليؤكدوا لورثة الفنان الراحل منصور الرحباني، الذين كانوا قد رفعوا دعوة
ضد فيروز لمنعها من الغناء، أن لفيروز عائلة كبيرة، معنية جداً بالدفاع عن حقها.
هناك، أمام المتحف، حيث لم تلق الكلمات كما جرت العادة في كل اعتصام، كانت الآذان صاغية لمجموعة من أغاني فيروز التي بثت عبر مكبرات الصوت. هي التي غنّت لبنان،
فلسطين، والعرب. ردّد الجميع أغانيها حتى أصبح اسمها مرادفاً لاسم لبنان، بعدما انتشرت أغانيها في كافة أنحاء العالم.
اعتادت فيروز على أن تغني وجع الناس وهمومهم. اليوم، قام هؤلاء الناس أنفسهم، وللمرة الأولى، بالغناء لفيروز، معربين عن وفائهم لـ«جارة القمر»، رافضين أن يذكر
اسم فيروز في المحكمة. وقد وضعت لافتة بيضاء كبيرة على أدراج المتحف، بتصرف كل مشارك في الاعتصام لتدوين رسالته التضامنية.
الساعة تشير إلى الثالثة والنصف من بعد الظهر. المتحف الوطني يقدّم للاعتصام رمزيته. يتوافد الناس إلى التجمع، كلّ حاملاً هويته الفيروزية البحتة. ورغم أنه
كان من المتوقع اكتــظاظ المكــان بالحــشود، إلا أن عدداً لا بأس به من جمهور الســيدة فيروز حضر، وضم الحشد فنانين، مسنـين، شباباً، وأطفالا. وحدها اللافتات
التي حملها هؤلاء تخبر عن القضية التي يتضامن معها الجميع: «صوت الملائكة في مواجهة الجشع».. «الغضب الساطع آتٍ وأنا كلّي إيمان»، وهي الجملة المقتبسة من أغنية
«القدس لنا» للسيدة فيروز. كذلك، وُزعت على الحضور صور موحدة لفيروز رفعت خلال الاعتصام.
وشاركت في الاعتصام ابنة السيدة فيروز، ريما الرحباني، ورفضت الإدلاء بأي تصريح إعلامي، مؤكدة على انها «متلي متل الكل، لبّيت دعوة الفيروزيين وجيت تإسمع صوت
فيروز».
وكان «محبّو السيدة فيروز» قد دعوا الى الاعتصام «احتجاجًا على منعها من إعادة تقديم مسرحية «يعيش يعيش» على مسرح كازينو لبنان بعد اعتراض ورثة الراحل منصور
الرحباني». ووزّع المحبّون بياناً يؤكدون فيه على أنه «لا يمكن لأحد أن يمنع فيروز من أداء أغانيها، وبالذات مسرحية «يعيش يعيش»، وأن السيدة فيروز تحترم القانون
ولا يوجد أحد أكثر منها يحترم القانون». ويُذكر أن هناك اعتصامات تضامنية قد نُفذت تزامنًا مع اعتصام بيروت في كل من القاهرة، القدس المحتلة، وثلاث مدن استرالية
هي سيدني، ملبورن وكانبيرا.
إلهام شاهين وجوليا هنا
في تصريح سابق لها، وعدت الممثلة المصرية الهام شاهين بالمشاركة في الاعتصام، ورغم أن العاصمة المصرية تشهد اعتصاماً بالتزامن مع ذاك البيروتي، إلا أن شاهين
أصرّت على الحضور والاعتصام في البلد الأم للسيدة فيروز. تقول شاهين لـ«السفير» أنه «يجب على الخلافات العائلية أن تُحلّ من دون أن تصل الأمور إلى إسكات صوت
فيروز ومنعها من الغناء، فعيبٌ أن تدخل الأمور المادية في حالة قيّمة اسمها فيروز». وتؤكد شاهين على أن «مصر كلّها متضامنة مع فيروز»، وتعزو السبب في ذلك إلى
أن «فيروز لم تغنِ للبنان فقط، فهي من أضفى على الغناء العربي قيمة كبيرة»، لافتة إلى أنه «ما ينفعش اسم فيروز ينذكر في المحاكم».
كذلك، حضرت الفنانة الثورية جوليا بطرس التي تمنعت عن التعليق حول المشاكل العائلية بين السيدة فيروز وورثة الفنان الراحل منصور الرحباني، مكتفية بالإشارة إلى
أنه «لا يمكن لفيروز التوقف عن الغناء كما لا يستطيع أحد إسكاتها. ففيروز هي رمز لبنان وسيظلّ صوتها عاليّا». كما شارك في الاعتصام العديد من الفنانين والممثلين
والإعلاميين تضامناً مع السيدة فيروز، منهم كلوديا مارشليان، ليليان نمري، رولا حمادة، تانيا صالح، وسواهم.
كلام الناس في سيدتهم
لجمهور فيروز آراؤه الخاصة بالموضوع. هذا الجمهور لبّى الدعوة، رغم حرارة شمس تموز الساطعة، ووقف أفراده لأكثر من ساعة يتصبّبون عرقاً، حاملين صورها، مرددين
أغانيها.
يشير رجل في السبعين من عمره إلى أن «لبنان يستطيع أن يعيش من دون أشخاص كثيرين، لكنه لا يستطيع الاستغناء عن فيروز. فدعوا فيروز تعود إلى جمهورها وتطلّ على
المسرح من جديد». ويضيف متضامن آخر أنه «في طفولتي، كنت مشاغبًا وأرفض الخلود إلى النوم. وحده صوت السيدة فيروز وهي تغني «يلا تنام» كان يقودني إلى النوم بسلام».

أما الفنان رواد صعب فيريد أن يقول لفيروز: «يا جبل ما يهزّك ريح»، مؤكدا على أن «الجميع يصحون من النوم لتناول فنـجان القهـوة، وأنا أصحو لأسمع صوت فيروز».

وتصف بوليت السيدة فيروز بـ«الثروة الوطنية الكبيرة، وهي الماضي، الحاضر والمستقبل». وتؤكد على اعتزازها بالانتماء إلى جيل فيروز، لتعلّم أولادها وأحفادها على
«حبّ فيروز». كذلك، تقول لانا أنه «من المعيب تغييب اسم الفنان الراحل عاصي الرحباني وقمع فيروز ومنعها من الغناء، فلولا صوت فيروز لما كانت أبصرت أعمال الأخوين
رحباني هذا النور».
في المشهد نفسه، تعتبر آيات صوفان، وهي مغتربة تعيش في لندن، مشاركتها في الإعتصام الفيروزي «أهمّ شيء فعلته خلال إجازتي الصيفية.. فنحن في بلد الاغتراب نصحو
وننام على صوت فيروز التي تذكرنا بحنيننا إلى الوطن الأم».
لم يكن هناك وقت محدد لإنهاء الاعتصام. وليس من السهل مغادرته بسهولة. فصوت فيروز يبقي المعتصم على أرضه، منتشياً في سمائها.
أما فيروز التي لم تحضر إلى الاعتصام إلا من خلال الصوت والصورة، فعبّرت عن قضيتها من خلال الأغنية التي تكرّر بثها في نهاية الاعتصام، وكأن السيدة فيروز تخاطب
جمهورها: «مين ما كان بيتمرجل علينا، مين ما كان بيتنمرد علينا، بدنا نعرف بس شو سوّينا، لا مرة اشتكينا، ليش هالقسوة علينا؟».
زينة برجاوي
السفير

No comments:

Post a Comment