Saturday, July 24, 2010

سيناريو ضرب إيران أعيد وضعه على الطاولة
أصوات الحرب في واشنطن ترتفع وتتحول جوقة
يقول المسؤولون الاميركيون المعنيون بالملف النووي الايراني انهم مرتاحون الى الاجراءات العقابية التي اعتمدها اخيراً مجلس الامن، والتي اعقبتها اجراءات اضافية اتخذتها الحكومة والكونغرس الاميركيان، الى الاتحاد الاوروبي، ويعتقدون ان هذه العقوبات التي تدعمها للمرة الاولى الصين وروسيا وضعت الولايات المتحدة "في افضل موقع في مواجهتنا مع ايران لمنعها من التحول دولة نووية، منذ وصول الرئيس (باراك ) اوباما الى البيت الابيض"، وفقا لما قاله مسؤول بارز يتابع هذا الملف يوميا وبشكل وثيق.
ويضيف المسؤولون ان البيت الابيض لا يزال، في هذه المرحلة على الاقل، يرى ويأمل ان تؤدي العقوبات التي فرضت على ايران في الوقت الذي يعاني اقتصادها ازمة سيئة يرشح ان تتفاقم أكثر اذا استمرت الاضرابات العمالية وشكاوى "البازاريين"، الى ارغام النظام الايراني على العودة الى المفاوضات مع مجموعة الخمسة زائد واحد للتوصل الى حل للازمة عبر التزام ايران تعهداتها الدولية وشروط مجلس الامن ووفقا لمطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
المفارقة، ان هذا الموقف الرسمي تزامن مع ارتفاع جوقة من الاصوات الاميركية (تعكس جوقة اسرائيلية مدوية أكثر)، معظمها من خارج الحكومة وان كانت تجد صدى ايجابيا لدى بعض المسؤولين، تدعو الى التحضير لتوجيه ضربة عسكرية في السنة المقبلة ضد المنشآت النووية الايرانية، لان العقوبات حتى لو طبقت من الدول الكبرى لن تؤدي وحدها الى وقف البرنامج النووي الايراني. ويستشهد المتشددون باعتراف مدير وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي اي" ليون بانيتا ان العقوبات وحدها لن توقف البرنامج النووي الايراني. ايضا، كان لافتاً اخيرا، ان وزير الدفاع روبرت غيتس الذي اتخذ في السابق هو ورئيس هيئة الاركان العسكرية المشتركة الاميرال مايك مولن مواقف معارضة وعلنية للخيار العسكري ضد ايران، يعرب الان عن مواقف متشددة أكثر حيال ايران، مثل قوله: "لا اعتقد اننا مستعدون حتى للتحدث عن احتواء ايران نووية...نحن لا نقبل فكرة ان يكون لدى ايران اسلحة نووية". كما اشار هؤلاء الى البيان الصادر عن البيت الابيض عقب الاجتماع الاخير لاوباما ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو والذي جاء فيه ان اوباما ابلغ نتنياهو انه "يدرك ان اسرائيل يجب ان تملك دائما القدرة للدفاع عن نفسها بنفسها وضد أي تهديد او مجموعة من التهديدات، وان اسرائيل وحدها هي التي تقرر حاجاتها الامنية".
المفارقة الاخرى هي ان المصادر الحكومية كشفت ان واشنطن تلقت في الاونة الاخيرة من طهران "مؤشرات" او "رسائل"، لم توضح المصادر ما اذا كانت مباشرة او عبر اطراف ثالثة، تقول ان ايران تريد معاودة المفاوضات حول برنامجها النووي. ورأت المصادر في ذلك اعترافاً ايرانياً ضمنياً بأن النظام قد ارتكب خطأ كبيرا حين اساء تقدير مواقف روسيا والصين، اذ اعتقد ان الدولتين لن تقبلا بسلة العقوبات في مجلس الامن، وان طهران تدرك الان ان لهذه العقوبات (الدولية والاحادية الجانب) اسناناً حادة ومؤلمة.
النبرة التي استخدمتها المصادر اتسمت بالتشكيك، لانه ليس من الواضح ما اذا كانت هذه الرسائل تحظى بتأييد القيادة الايرانية بما فيها مباركة المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي، ام انها من عناصر داخل النظام ولكنها غير قادرة على الزام النظام كلاً، او ما اذا كانت "الرسائل" محاولة جديدة للعودة الى طاولة المفاوضات لكسب الوقت وقتل فرص وصول المفاوضات الى أي حل.
عقوبات لها أسنان
على رغم اهمية السلة الرابعة من العقوبات التي فرضها مجلس الامن اخيرا، الا انه يعتقد ان العقوبات الاميركية الجديدة الاحادية الجانب، الى عقوبات الاتحاد الاوروبي، ستكون موجعة، لانها ستمنع المصارف والشركات الدولية من التعامل مع ايران، لانها اذا فعلت ذلك ستتعرض لاجراءات عقابية اميركية تخرجها من السوق الاميركية. إحكام الطوق المالي والاقتصادي على عنق النظام الايراني كان المهمة الرئيسية لوكيل وزارة المال الاميركية ستيوارت ليفي خلال جولته الاوروبية الاخيرة. وبعدما حظرت واشنطن التعامل المالي مع عدد من المصارف الايرانية، اضطرت مصارف اوروبية الى اتخاذ اجراءات مماثلة. وبما ان ايران تستورد 40 في المئة من حاجاتها من اوروبا، فان امتناع مصارف اوروبية كبيرة عن التعامل المالي مع الشركات والمصارف الايرانية سيؤدي الى تعقيدات ومضاعفات تجارية ومالية جديدة لايران.
وتزامنت العقوبات الجديدة مع تفاقم الازمة الاقتصادية في ايران وخصوصا في اعقاب انحسار عائدات النفط، وحدوث اضرابات عمالية في مدينة قزوين احتجاجا على عدم حصول العمال على رواتبهم في شكل منتظم، مع تململ عمالي في مدينة تبريز، الى شكاوى واضراب "البازاريين" في طهران. ويرى الباحث كريم سادجادبور في حوار مع "النهار" ان العقوبات الاقتصادية هذه المرة "ستضر بالنظام أكثر من العقوبات السابقة، لانها أوسع ولان روسيا ستشارك فيها، ولانها ايضاً تتزامن مع تفاقم الوضع الاقتصادي في ايران". ومع ذلك فان سادجادبور، الذي يعمل في مؤسسة كارنيغي للسلام العالمي في واشنطن، لا يعتقد ان العقوبات ستغير جوهريا في سلوك النظام في ايران.
من يقرع طبول الحرب؟
برزت في الاسابيع والايام الاخيرة اصوات تقول ان العقوبات التي لن تنجح وحدها بوقف البرنامج النووي الايراني، يجب ان تكون مقدمة لضربة عسكرية توجهها الولايات المتحدة الى ايران في مطلع السنة المقبلة ان لم يكن قبل ذلك. بعض هذه الاصوات هي ذاتها التي دعت الى الغزو الاميركي للعراق في 2003 وشجعته ودفعته . وقبل اسبوعين نشر السناتور الديموقراطي السابق تشارلز روب والجنرال المتقاعد تشارلز والد مقالا في صحيفة "الواشنطن بوست" جاء فيه: "نحن لا نستطيع ان ننتظر الى ما لا نهاية للتحقق من فاعلية الديبلوماسية والعقوبات". واضاف الكاتبان ان على ادارة الرئيس اوباما ان توضح لايران انه اذا لم تنجح الاساليب الديبلوماسية والاقتصادية، فان للولايات المتحدة" القدرة، وهي مستعدة لشن هجمات فعالة ضد المنشآت النووية والعسكرية الايرانية".
وجاء في تحليل مشترك لمستشار الامن القومي السابق (في عهد بوش الابن) ستيفن هادلي والجنرال الاسرائيلي مايكل هيرتزوغ انه في الفصل الاول من السنة المقبلة سيتبين ما اذا ستكون العقوبات فعالة ام لا، ولذلك " يجب على الحكومة ان تبدأ بالتخطيط من الان لاجراءات بديلة... والخيار العسكري يجب ان يبقى على الطاولة كوسيلة لتعزيز الديبلوماسية، وايضا لاستخدامه خلال أسوأ سيناريو". ويعتبر جون بولتون المسؤول السابق في ادارة بوش الابن، واكثرهم تشددا، من ابرز دعاة استخدام القوة ضد البرنامج النووي الايراني. بعض المحافظين الجدد الذين دفعوا الى الخيار العسكري ضد العراق قبل 2003 مثل وليم كريستال هم في طليعة من يقرع طبول الحرب ضد ايران اليوم. وكما كتب كريستال اخيرا "من الواضح اكثر الآن ان التهديد الجدي بتوجيه ضربة عسكرية ضد البرنامج النووي الايراني هو الاجراء الوحيد الذي يمكن ان يقنع النظام بضبط طموحه".
وكان لافتاً ان المعلق النافذ في مجلة "تايم" جون كلاين، المعروف بمصادره الجيدة ومواقفه المعتدلة حيال قضايا الشرق الاوسط، نشر مقالا قبل اسبوعين بعنوان "الهجوم على ايران أعيد وضعه على الطاولة" تحدث فيه عن خطط عسكرية جديدة وضعتها القيادة المركزية لاهداف ايرانية لقصفها في حال اتخذ قرار في هذا الشأن، كما اشار الى ان بعض جيران ايران، مثل السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة، يحضون واشنطن على اعتماد الخيار العسكري لوقف البرنامج النووي الايراني.
لكن المحلل سادجادبور يشكك في اعتماد اوباما الخيار العسكري حتى لو تبين في السنة المقبلة ان العقوبات لم توقف البرنامج النووي الايراني، ويرى ان اوباما سيعمل اذذاك على تشديد سياسة الاحتواء وربما عرقلة البرنامج النووي من خلال محاولات التخريب. واشار في هذا السياق الى مقال نشرته اخيرا "الفايننشال تايمس" وتطرقت فيه الى المشاكل التقنية التي يواجهها البرنامج الايراني والتي ربما تعود الى محاولات تخريبية. ويرى سادجادبور ان اوباما الذي وسع نطاق الحرب في افغانستان يدرك ان أي ضربة لايران ستدفعها الى الرد على اميركا في افغانستان وفي العراق، الى جبهات اخرى تشمل الجبهة اللبنانية - الاسرائيلية وغيرها. ولكن ماذا عن ضربة اسرائيلية تقلب المعادلة بكاملها اذا ادركت اسرائيل ان اميركا لن تضرب ايران؟ يقول سادجادبور انها " في اطار الممكن".
ومن المتوقع ان ترتفع الاصوات الداعية الى الحرب وان تتحول جوقة قوية في النصف الاول من السنة المقبلة، بعد ان يتبين ان العقوبات لم توقف البرنامج النووي الايراني. وسيستخدم هؤلاء لتعزيز طروحاتهم تعهد الرئيس اوباما في 2009 "استخدام جميع عناصر القوة الاميركية لمنع ايران من تطوير الاسلحة النووية".
ويرجح ان يتحول الخيار العسكري ضد ايران في السنة الثالثة من ولاية اوباما، أي السنة التي سيبدأ فيها بالتحضير لمعركة اعادة انتخابه في 2012، الى قضية انتخابية سيستخدمها الجمهوريون للضغط على اوباما لتنفيذ تعهده واستخدام القوة ضد ايران، وخصوصا اذا نجح الحزب الجمهوري في استعادة السيطرة على مجلس النواب في الانتخابات النصفية في تشرين الثاني المقبل.
واشنطن - من هشام ملحم
النهار

No comments:

Post a Comment