Saturday, August 21, 2010

يعطي المجلس دوراً رقابياً على الأجهزة ويسمح باستدعاء رؤسائها
اقتراح "تكتل التغيير" استحداث لجنة للأمن مجمّد منذ 2005

صورة عن نص الاقتراح الموقّع من العماد عون في 17 تشرين الاول 2005.
قبل خمسة اعوام، استشعر نواب "تكتل التغيير والاصلاح" خطورة الانفلاش الامني. ارادوا التصدي "لهذه الكارثة" التي سرعان ما توسّعت، ونادوا بجعل الامن تحت رقابة مجلس النواب، منعا لهروبه من قبضة المحاسبة، بعدما "فلتت" لعبة الامن. في ذلك الحين، كانت موجة الاغتيالات تدور دورتها وتحصد اللبناني تلو الاخر، رئيسا كان ام نائبا ام اعلاميا، حتى بات الامن في مهب الفوضى والحرب المفتوحة بين الاجهزة.
بإزاء هذا الواقع المتردي، جاء اقتراح نواب التكتل في 17 تشرين الاول 2005، مقدما من النائب ابرهيم كنعان باسم النائب العماد ميشال عون. وفيه مادة وحيدة تطالب بـ"تعديل المادة 20 من النظام الداخلي لمجلس النواب، فتضاف الى تعداد اللجان النيابية الـ16، لجنة أخرى لشؤون الامن".
منذ ذلك الحين، وضع الاقتراح في جدول لجنة الادارة والعدل، ونوقش في جلسات عدة، قبل أن يجمد كبقية الاقتراحات نتيجة اقفال مجلس النواب بعيد الازمة الحادة التي غرقت البلاد فيها عقب موجة الاغتيالات، فتعطلت لغة المناقشات والاقتراحات والمحاسبة، ولكن لا يزال "التجميد" ساري المفعول لاسباب لا يعرفها أصحاب الاقتراح أنفسهم.
من يحاسب؟
من هنا، جاءت مطالبة عون الاخيرة عبر التذكير بالاقتراح، وانتقاد أسباب المماطلة والتأجيل.
في 2005، وقف عون منبئا بخطورة اللعبة الامنية، في ساحة "تشرّع" ابوابها لكل انواع الاجهزة ومن مختلف البلدان، فقرر وتكتله تقديم الاقتراح. وفي 2010، اختلف نوع المعركة. اخترقت "حرب الجواسيس" التحصين اللبناني، بأحزابه وطوائفه، فأعاد عون التذكير بالاقتراح، بعدما لم يسلم "التيار الوطني الحر" من الخروق الامنية لبيته الداخلي، في مشهد ساهم فيه الاعلام بطريقة مسيئة الى مهنيته أولا، وطرحت علامات استفهام عديدة حول القضية في شقها الشكلي وطريقة الاستدعاء ونشر الخبر والتسريبات. وفي النهاية، غابت القضية الجوهرية، فلم يعد اللبناني يدرك حقيقة الامور، رغم خطورتها وتهديدها الامن القومي، ولم يقس مدى صحة الاخبار المنشورة، بل الاصح المسرّبة، وبات يجهل الجهة المستفيدة من التسريب. والاخطر ان المسألة لا تتابع الا من باب تسجيل نقاط من بعض الاجهزة على بعضها الآخر، فيضيع المواطن وسط الكميات الهائلة من المعلومات أو الشائعات، ولا من يحاسب.
وهنا يقفز السؤال: هل من عامل ضبط يعيد الامور الى نصابها، ويخضع عمل الاجهزة الى رقابة فعلية؟
إن تشكيل لجنة لشؤون الامن وفق اقتراح التكتل، يعطي مجلس النواب الدور الرقابي على الاجهزة الامنية والخطط والمعلومات المتكونة لديها.
في تفاصيل الاقتراح، أن "تكون لجنة الامن مؤلفة من سبعة أعضاء، ولا يحق لسوى أعضائها المنتخبين حضور اجتماعاتها، وتعنى اللجنة بكل ما يختص بالمعلومات والتدابير لحماية الامن الداخلي والخارجي، وتستمع دوريا الى رؤساء الاجهزة الامنية ومؤسساتها، في حضور الوزير المختص".
لا يزال الاقتراح نائما في الادراج منذ خمسة أعوام، والنائب كنعان الذي حضر اجتماعات لجنة الادارة، شارك في بعض النقاشات، قبل أن يصبح رئيسا للجنة المال والموازنة، وهو يسأل لماذا الاقتراح مجمد منذ 2005؟
يكشف كنعان أن "النقاشات التي دارت خلال الجلسات، شهدت ملاحظات من نواب المستقبل على الاقتراح، فطلبوا جدول مقارنة مع الدول التي تعتمد هذه اللجنة ضمن لجانها البرلمانية، وانتقدوا تشكيل لجنة لشؤون الامن لكونها تتعارض مع لجنة الدفاع والبلديات الموجودة أصلا ضمن عداد اللجان النيابية، وبالتالي اعتبروا ان لا مبرر لها. ثم توقفت النقاشات وأقفل المجلس".
الا ان نواب التكتل يرون ان "صلاحيات لجنة الدفاع أوسع وأشمل، ولا يتعارض تأسيس لجنة الامن معها، لكون مهمات لجنة الامن محصورة بالاستراتيجية الامنية للسلطة".
أسباب موجبة واستدعاء
في الاسباب الموجبة للاقتراح، تشديد على أن الأمن اصبح "من الحاجات الاساسية والهموم الكبيرة التي تقض مضاجع اللبنانيين، وخصوصا مع تكاثر جرائم التفجيرات والاغتيالات الارهابية، مما يفترض أن يكون تفعيل دور الاجهزة بتطوير قدراتها، الشغل الشاغل للحكومة ووزاراتها المختلفة، وكذلك وضع الخطط والبرامج الفعالة لحماية الامن، التي غالبا ما يتسم بعضها بالسرية".
وفيما يشير الاقتراح الى "إمكان اختصار عدد اعضاء اللجنة بسبعة يمثلون مختلف الكتل النيابية"، يحدّد مهمة اللجنة بـ"الاجتماع الدائم والدوري والعمل على متابعة عمل الاجهزة ونشاطاتها"، والاهم ان " تشكيل لجنة مماثلة سيرسل الى المواطنين اشارة قوية عن مدى اهتمام الدولة ومجلس النواب بالهمّ الامني". إذ ان نواب التكتل يقرون أن "مجلس النواب غائب كليا عن الهمّ الامني، ليس بسبب تقصير منه وانما عبر جعل الشق الامني احيانا كثيرة متفلتاً من المعرفة والرقابة فالمحاسبة"، وهم يعتمدون أيضاً على تجارب عدة في أكثر من دولة، لكون "شبيهات اللجنة المقترحة باتت من الممارسات البرلمانية المتعارف عليها في الانظمة الديموقراطية، وهي تتخذ عادة تسمية intelligence committee ، ويمكن مراجعة دليل الاتحاد البرلماني الدولي في موضوع الرقابة البرلمانية على الامن".
يعلّق كنعان: "الاهم أن تحاط لجنة الامن بالسرية، حتى لا ينتفي مبرر وجودها، فهي ليست لشؤون بحت إدارية، وانما لكل ما يتصل بالسياسة الامنية والارهابية ولكل ما يهدد الامن القومي للبلاد".
هناك واقع لا أحد يجهله، هو أن ثمة حربا بين بعض الاجهزة "وشدّ حبال" واضحاً بينها، وثمة ازدواجية في عملها، اذ احيانا كثيرة وفي بعض المفاصل الاساسية، تبدو الاجهزة مستقلة عن السلطة السياسية، فهي تتلطى بغطاء سياسي، الا انها عند الممارسة والتنفيذ، قد لا تضطر الى العودة الى هذه السلطة، مما يسبب اضطرابا امنيا وتفلتا من الرقابة.
في اختصار، يرى كنعان أن "هذا الاقتراح يسمح باستدعاء رؤساء الاجهزة الامنية الى قبة البرلمان، للاستماع الى ما لديهم من معطيات، وفي حضور الوزير المختص، حتى لا يبقى المجلس مغيبا وسط هذه المعمعة الامنية، وهذا ليس بالامر البسيط، بل يشكل مسألة جوهرية".
بعد محاولة اغتيال مي شدياق في أيلول 2005، استعد نواب التكتل لتقديم الاقتراح الذي بات رسميا في أدراج المجلس بعد اقل من شهر.
ومنذ فترة وجيزة، ضربت سرية التحقيق، خلافا للقانون، في مسائل وطنية مصيرية، فكان تذكير من الجنرال بـ"أهمية الاقتراح". الجنرال الذي اختبر جيدا "اللعب الامنية"، سبق ان طالب في أول كلمة له من تحت قبة البرلمان "بخريطة شاملة أمنية تحدد البؤر الامنية، كي تتحمل السلطة مسؤولياتها"، وهو لطالما أدرك أن "الامن قنبلة قد تنفجر في أي لحظة"، واليوم يطرح نوابه السؤال المركزي: "لماذا يسحب هذا الاقتراح من المناقشة، فأي اقتراح قانون قد يخضع للتصويت، فإما يرفض وإما يقرّ. الا ان اقتراحنا لم يناقش الى النهاية، ثم جمدّ".
خطوة نواب التكتل اللاحقة هي الضغط والاستمرار في المطالبة "لتحرير اقتراحهم"، ويشير كنعان الى أهمية ثلاثية للاقتراح. "اولا إيجاد ضابط للشق الامني وجعل السلطة النيابية مسؤولة، وثانيا مشاركة كل الكتل النيابية في الهاجس الامني، وثالثا صوغ سياسة استباقية أمنية، عبر بعض اقتراحات القوانين والتشريعات لتصحيح المسارات".
كل هذه العناوين تختصر بمعادلة "الفلسفة الامنية". وفق كنعان، "ليس بالضرورة أن يرأس اللجنة خبير في الشق الامني، إذ إن من مواصفات رئيس لجنة برلمانية التحلّي بالثقافة الحقوقية - التشريعية المطلوبة، وبالقدرة على الاستماع الى كل الآراء". وباجتهاد شخصي يقترح كنعان اسم الجنرال لترؤسها.
وبلا اجتهاد، يدرك اللبنانيون أن التجارب المرّة، دلت على أن الامن في بلدهم بيد دول عدة أو أطراف محليين وخارجيين، وان اي محاولة لضبطه، قد تساعد بنسبة 70 في المئة على الاقل، على الحدّ من سيطرة هؤلاء على المفاصل الامنية. هذا في ذاته، لا يشكل عاملا مريحا لاكثر من طرف محلي وخارجي، وربما قد يكون السبب في ابقاء الوضع على حاله وتجميد الاقتراحات الواحد تلو الآخر، فيما النتيجة حتمية: ابقاء لبنان مفتوحا على كل الساحات.
منال شعيا
النهار

No comments:

Post a Comment