Thursday, August 26, 2010

عنوان الكتاب هو «حرب لبنان 2006 ومستقبل الفكر العسكري: تحديات أمام الجيش والسياسية الدفاعية»، للمؤلفين ستيفن بيدل وجيفري فريدمان وهو صادر عن «معهد الدراسات
الإستراتيجية في الولايات المتحدة الأميركية»، في أيلول 2008.

يركز بيدل وفريدمان على السلوك العسكري لـ«حزب الله» خلال حرب تموز والذي تحول منذ أربع سنوات إلى قضية نقاش مهمة في وزارة الدفاع الأميركية، حيث يتطرق البعض
الى هذه المسألة من خلال نظرته الى مستقبل الحروب ضد خصم غير حكومي يستخدم وسائل وأساليب غير معتادة، ويرى البعض الآخر في هذه الحرب نموذجا للتعامل مع لاعب
غير حكومي دون الدخول في حرب تقليدية مع الدولة.

ويشدد الخبيران على ضرورة استخلاص العبر من «حرب تموز» وتطبيقها على الإستراتيجية العسكرية الأميركية التقليدية للولايات المتحدة «للتعامل مع أعداء من هذا النوع
في المستقبل».

أجرى بيدل وفريدمان 36 مقابلة مع إسرائيليين من مختلف الرتب شاركوا في المعارك وكانوا في وضع يسمح لهم بمراقبة الأداء الميداني لـ«حزب الله» خلال الحرب.

يحتوي الكتاب على معلومات يومية تفصيلية دقيقة حول مجريات الحرب، بالإضافة إلى عرض الأسلوب القتالي لكل من «حزب الله» والجيش الإسرائيلي، وطريقة تعاطي كل منهما
مع الظروف الميدانية.

ستيفن بيدل محاضر أساسي حول السياسة الدفاعية في مجلس العلاقات الخارجية الأميركية، درّس في الكلية العسكرية للجيش الاميركي، إضافة إلى مؤسسة التحاليل العسكرية.
من أبرز مؤلفاته «القوة العسكرية: شرح للانتصار والهزيمة في الحروب الحديثة». قدم عدة شهادات أمام الكونغرس الأميركي عن حرب العراق وأخرى حول مراقبة التسلح
في أوروبا. مثّل الولايات المتحدة في مركز أبحاث يدعى «مجموعة الأبحاث العسكرية في حلف الناتو».

أما جيفري فريدمان فيعمل باحثا في السياسة الدفاعية لدى مجلس العلاقات الخارجية. شغل مناصب عدة في البنك الدولي ومعهد جون اولين للدراسات الإستراتيجية.

يرى بيدل وفريدمان أن هذه الحرب كانت مختلفة جدا عن تلك المرتبطة بحرب العصابات والحرب النظامية التي يعتمدها الجيش النظامي للدولة، واللانظامية التي تلجأ إليها
الجماعات المسلحة. فهي شكلت منعطفا أساسيا للحروب المستقبلية، ونقطة انطلاق لتغيير الكثير من المفاهيم والتكتيكات والأساليب العسكرية المعتمدة في الجبهات القتالية.


كما أنها أثارت جدلا حول الكيفية التي ستخوض فيها الجيوش النظامية مواجهات مسلحة مع تشكيلات عسكرية صغيرة على غرار المقاومة في لبنان، وصولا الى حد القول أن
ليس هناك من خطورة في تحويل الجيش الأميركي باتجاه سلوك حرب العصابات، من أجل حماية الأمن القومي الأميركي.

تنشر «السفير» على أربع حلقات ملخصا لأبرز فصول كتاب يروي «إدارة حزب الله للإستراتيجية ومسرح العمليات في لبنان».

يشرح المؤلفان في الحلقة الأولى، وموضوعها «التنظيم العسكري لمسرح الحرب»، الكيفية التي أدار بها «حزب الله» حرب تموز 2006:

استخدم حزب الله أساليب مختلفة جدا عن تلك الشائعة المرتبطة بحرب العصابات، والإرهاب واللانظامية من عدة جوانب هامة: أولا، بذل كثير من الجهد والاهتمام للإمساك
بالأرض. ثانيا، سعى إلى الإخفاء بواسطة الرسم الدقيق للاماكن بدل ان يتم ذلك من خلال الاختلاط المدني (أي بالسكان). ثالثا، كانت قواته مركزة جدا.

ويضيف الكاتبان يبدو «أن الحزب عبّر عن مسرح علميات مختلف ومميز بهدف استخدام الصواريخ في حملة قصف استراتيجية ضد المراكز الإسرائيلية في الداخل.

لم يقترب حزب الله من الحد التقليدي، فدفاعه البري كان مرنا جدا، اعتمد وبشكل واسع على إطلاق النار المرهق وعلى حقول ألغام مخفية، شدد كثيرا على القدرة على
الإرغام لدفع إسرائيل لوقف هذه العملية.

دافع حزب الله عن مواقعه لوقت طويل جدا، ومن مسافات قريبة جدا أيضا، قام بهجمات مضادة في الغالب، لم يستغل إمكانية الاختلاط المدني بالسكان بالدرجة التي يتوقعها
المرء من قوة تخوض حرب عصابات تقليدية.

يلفت بيدل وفريدمان الانتباه، إلى أن حزب الله نشر على الارض عددا من المقاتلين المدربين لإدراة مسرح الحرب بشكل اقل مما يفعله عدد من جيوش الدول التقليدية
التاريخية. ويشيران إلى ان «القوة الدقيقة للحزب مجهولة، إلا أن بعض التقديرات تختلف من حد أدنى يبلغ حوالى 2000 مقاتل إلى احد أعلى مؤلف من 7000 آلاف.

يفترضان تصورا وسطيا لعدد المقاتلين يبلغ 4500 مقاتل، وبالمقارنة مع مساحة جنوب الليطاني، فان هذا برأيهما يقتضي وجود كثافة وسطية من حوالى 6 مقاتلين في الكيلومتر
المربع الواحد. بالمقابل نشر «ثوار فيتنام» في العام 1964 حوالى 106000 مقاتل على بلد مساحته 170000 كيلومترمربع أي بكثافة تبلغ واحد على عشرة مقارنة مع ما
نشره حزب الله. وفي العام 1940 اكمل الفرنسيون «خط ماجينو» بنشر 75000 جندي على مساحة 1260 كيلومترا مربعا أي بكثافة تبلغ 10 اضعاف مع تلك التي لحزب الله. ونشر
الجيش الاميركي في السعودية في العام 1990 عددا من الجنود بلغت الكثافة فيه حوالى 5،5 في كل كلم مربع، حيث كانت هذه الكثافة مساوية مع حزب الله.

أما الأهم فهو أن الحزب مارس درجة عالية من القيادة والسيطرة الهرمية والمميزة على شبه وحدات تعمل في مناطق أساسية خلال الحرب. فهو قد اتخذ قرارات واضحة لصالح
بعض القطاعات على حساب أخرى، ممسكا على بعض المواقع ومرنا في أخرى. كما انه تميز بقدرته الفائقة على قيامه بهجمات مضادة في بعض المواقع وانسحابه من ثانية.

اتخذ عمله سلسلة قيادية رسمية أساسية من مراكز قيادة معينة ومجهزة جيدا، استخدمت أنظمة اتصالات ومعالجة فورية شملت: كابلات، خطوط أرضية، أجهزة لاسلكية مشفّرة،
أوامر مصدرة وخطوط متغيرة. كما أن هذه القيادة عمدت أحيانا إلى تحريك وحدات النخبة لمسافات لا بأس بها من مناطق الاحتياط الخلفية لتعزيز المعركة الأساسية لشبكة
الاتصالات في القطاع الأوسط.

تميز الأسلوب الدفاعي للحزب في الحرب بالثبات وعدم التحرك، أما تحركات الاحتياط فكانت على مستوى صغير جدا. كانت المهارة القتالية لحزب الله متباينة وغير متساوية
تبعا لظروف ومحددات ومجريات المعركة على ارض الواقع. فبعض التكتيكات نفذها بشكل متميز، فاختيار وتجهيز المواقع القتالية على سبيل المثال كان فعالا بشكل كبير،
نظاميا بنفس الوقت.

نادرا ما كانت الوحدات الإسرائيلية المهاجمة قادرة على تحديد المواقع العسكرية القتالية «لحزب الله» قبل استدراجها من قبل مقاتلي «الحزب» إلى مسافات قريبة جدا
لتصبح في مرمى النار. في دير سريان مثلا اقتربت وحدات المشاة إلى مسافة ترواحت ما بين 50 و100 متر من مقاتلي الحزب من دون ان يتمكنوا من تحديد مواقعهم. وفي
بلدة عيترون لم تتمكن طواقم دبابات «الميركافا» التي مرت مباشرة من تحت نوافذ الأبنية التي كان مقاتلو الحزب يطلقون النار من خلالها عليها، من رؤية المدافعين
أولا.

أما في مدينة بنت جبيل، فان المواقع الدفاعية في المنازل كانت لا تزال غير مرئية ومعلومة لوحدات المشاة الإسرائيلية المتقدمة صعودا مباشرة تجاه الشوارع المجاورة
والملاصقة لهذه الأبنية.

وفي بلدة الطيبة، فتح مقاتلو الحزب النار على الجنود الصهاينة من مسافة 50 مترا من دون أن يتمكنوا من اكتشافهم.

فمواقع حزب الله البديلة والمكمّلة الموجودة ضمن المباني، مكّنت المدافعين المقيمين فيها من البقاء متخفين حتى بعد فترة طويلة من إطلاق النار خصوصا تلك التي
كانت توجد قرب الحدود الإسرائيلية، حيث قام الحزب بحفر الأنفاق ما بين المنازل لتسهيل حركة مقاتليه.

فهذه المواقع تم بناؤها بشكل يراعي الاعتبارات التكتيكية والعسكرية، حيث أن جدران هذه المنازل تميزت بأنها سميكة ومعززة من الجوانب التي كان من المرجح أن يتقدم
منها الإسرائيلي. وبالنسبة للمواقع الأخرى الداخلية (المنازل) قرب الحدود، فكان يوجد فيها أكياس رمل إضافة إلى تعزيزات أخرى مخبأة لتمتين الجدران المطلة على
مناطق الاشتباكات المحتملة.

أما المواقع الخارجية الموجودة في الطبيعة، فقد كانت مجهزة بشكل مدروس جيدا، فهي احتوت على مخابئ من الاسمنت الصلب المحفورة في باطن الأرض، وضمت حجيارات للذخائر
ونقاطا للدخول وللخروج بشكل سري ومخفي، إضافة إلى مرابض ومواقع إطلاق نار مموهة بمهارة وعناية فائقة.

وفيما يتعلق بمواقع الصواريخ المضادة للدبابات خصوصا («كورنيت» و«ساغر») فكان من الصعب جدا تحديد مواقعها، بسبب النطاق الواسع لاشتباكات (ATGM) أي الصورايخ
الموجهة، ونجاح الحزب في إخفاء هذه القاذفات وطواقمها.

وبخصوص الدفاعات النهائية لمناطق إطلاق صواريخ الكاتيوشا من المناطق الزراعية والتي سماها الجيش الإسرائيلي (الاحتياطات الطبيعية)، فكانت خصوصا معقدة ومتشابكة
ومموهة جيدا ومجهزة بعناية. أحيانا تتضمن: أنابيب للقذف ترتفع وتنخفض هيدروليكيا، مستودعات مؤونة معززة بالاسمنت الصلب، أحواض استحمام للحاميات العسكرية، مداخل
ومخارج متعددة، تحصينات خارجية متصلة ببعضها البعض للتحرك السري ضمن المنظومة.

كان عرض حزب الله الناري قويا، متسقا وثابتا. فالاشتباكات كانت تبدأ وبشكل نمطي من قبل حزب الله بإطلاق نار منسق ومركّز من مواقع عدة. فالمدافعون (في المقاومة)
سمحوا وبشكل روتيني للصفوف القيادية العسكرية الإسرائيلية بالمرور، مطلقين النار على العناصر التابعة بمجرد أن تكون التشكيلات الأكبر قد تقدمت إلى مناطق القتال.
فنادرا ما كان يتم التخلي عن مواقع بسبب إطلاق نار من قبل أفراد متوترين قبل الأوان.

نسق حزب الله وبفاعلية، النيران المباشرة دعما لهجماته المضادة من اتجاهات متعددة. اما حواجز مواقع مراقبة الـ (ATGM) أي الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات،كانت
مدمجة بمهارة على امتداد مسافة عدة كيلومترات.

ففي شرق قرية الغندورية تم وضع سلسلة من حقول الألغام في أماكن سيّرت الطوابير الإسرائيلية إلى داخل مناطق اشتباكات مكشوفة للصواريخ («كورنيت») المخفية والموضوعة
شمال نهر الليطاني على بعد 5 كلم، فتلقت الوحدات الإسرائيلية المهاجمة بشكل مشابه ومتزامن النار من صواريخ ATGM وقذائف المورتر (الهاون) التي تميزت بأنها دقيقة
وسريعة الاستجابة بشكل ثابت ومتسق. وخلال التقدم الإسرائيلي في وادي السلوقي كان على العناصر تنظيفه من حقول الألغام في ظل تعرضهم لنيران الصواريخ الموجهة.


(الحلقة الثانية: دفاعات المقاومة كانت ممسوكة جيدا وعناصرها قاتلوا من غرفة إلى غرفة)
السفير

No comments:

Post a Comment