Tuesday, August 24, 2010

البيئات الحاضنة للعملاء... فعل سابق ولاحق أيضاً
ابراهيم الأمين
الحملة المتواصلة على شبكات التجسس العاملة مع إسرائيل تقترب من لحظات نوعيّة. والعمل على مواجهة الاختراقات يتكثّف من أجل أكبر عملية تنظيف تشمل مؤسسات متنوعة في البلاد، في القطاعين العام والخاص. وإذا كان العمل يقتصر الآن على التعامل الأمني بمعناه التجسّسي، فإن ذلك لا يلغي العمل على كبح جماح كل المندفعين الى خلق بيئات مسهلة لأشكال من التواصل الذي يُعدّ مفتاحاً رئيسياً في بناء أي علاقات ذات طابع أمني.ل، يبدو أن النقاش مقبل على سخونة لأنّ بعض القيادات الرئيسية في البلاد لم تتّعظ من تجاربها في الماضي ولا من تجارب غيرها، وهي تعتقد أنها محصّنة بما فيه الكفاية من أجل القيام بأعمال تقع في خانة الشبهة.
ما يستدعي هذا الكلام، هو العمل الذي يقوده النائب وليد جنبلاط ومجموعة من مساعديه، بغية خلق آلية من التطبيع ـــــ تحت عنوان التواصل الديني ـــــ بين مجموعات تنتمي الى الطائفة الدرزية في لبنان وسوريا وفلسطين، أو المنتشرين في بلاد الاغتراب. ويتصرّف جنبلاط بسذاجة عندما يحاول تعميم فكرة أنّ الدروز في هذه المنطقة يمثّلون طائفة لها خصوصيتها، وهي الخصوصية التي يريد لها جنبلاط عناوين موحدة سياسياً واجتماعياً وخلافه. وهو يحاول هنا، إعطاء بعد خاص يتجاوز الخصوصيات التي تفرض أولويات واهتمامات مختلفة لدى كل جماعة بحسب أماكن عيشها وما تواجهه من استحقاقات.
وما يوجب لفت الانتباه قبل التحذير، هو أن الوفد الذي زار لبنان أخيراً، عابراً الأردن وسوريا ومشاركاً في مؤتمر عالمي للدروز عقد في بيروت، برعاية جنبلاط ومشاركة النائب طلال أرسلان، كان قد قدم من الأراضي المحتلة، وقال القائمون عليه إنهم واجهوا قرار الاحتلال بمنعهم من المغادرة، وإنهم سوف يواجهون أي إجراء بحقهم عندما يعودون الى قراهم، علماً بأن الذي حصل اقتصر على مصادرة جوازات سفرهم الصادرة عن سلطة الاحتلال الإسرائيلي، وتحقيقات عامة انتهت الى لا شيء. لكن الذي لحق، هو مبادرة مجموعات أخرى، بينها خائن ناخبيه، عضو الكنيست سعيد نفاع، للحصول على قرار دائم من سلطة الاحتلال، بالسماح لمن يرغب من هؤلاء في زيارة سوريا ولبنان وأي دولة أخرى، مهما كان تصنيفها الأمني لدى العدو، بحجة قيامهم بمناسك وطقوس دينية، وهو الإذن المعطى لوفد يفترض أن يقوم في الرابع والعشرين من الشهر المقبل بزيارة مقام النبي هابيل في سوريا، حيث يحتشد عدد كبير من المشايخ والمؤمنين الدروز كل عام.
وفي السياق نفسه، يفترض الإشارة الى الآتي:
أولاً: إن محاولة جنبلاط خلق موطئ قدم بين دروز فلسطين المحتلة، لا تساعده على تعظيم قوته، ولا هي مصدر إضافي لكي ينعش قيادته المتراجعة بفعل سياساته المتقلبة يوماً بعد يوم، وهي مغامرة كبيرة قد تقود الى ما هو أسوأ من الوضع الذي كان عليه قبل أن تنجلي الغشاوة عن عينيه إثر أحداث أيار عام 2008.
ثانياً: إن التفاهم السياسي الذي نجح جنبلاط في صياغته مع قيادة حزب الله ومع القيادة السورية، لا يوفر له أي نوع من الحصانة الوطنية لكي يستغلّها في بناء وضعية تقوم على تجاوز أولوية مقاومة الاحتلال وبكل الأشكال. وبالتالي، ليس على جنبلاط
يحاول جنبلاط بناء زعامة تتجاوز لبنان ولو كانت على حساب الهويّة العربيّة للدروز
أن يعيش وهم أنه حصل على براءة ذمة من الرئيس السوري بشار الأسد أو من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، بما يتيح له القيام بلعبة خطيرة جداً، تستهدف عملياً إسقاط الهوية العربية عن مجموعات درزية في كل البلاد العربية، ودفعها نحو مرجعية تقوم على مبدأ طائفي وعلى عقل أقلّوي يقود بسهولة نحو تبرير أي علاقة بالقوى النافذة من أجل حماية المصالح. وإذا كانت سوريا والمقاومة هما اليوم المرجعية التي يحاول جنبلاط التلطي بها، فلا أحد يضمن الرجل في التوجه الى مواقع أخرى، وهو الذي فعل ذلك مراراً وتكراراً.
ثالثاً: إن إصرار جنبلاط على اللعب داخل الساحة الفلسطينية، من خلال تجنيد سعيد نفاع، ومحاولة تحويله الى رمز كبير، هو تعبير عن عدم فهمه حقيقة الوقائع الصلبة القائمة هناك. فلا سعيد نفاع يمكنه أن يكون زعيماً، وهو يحتاج إلى المدد من المختارة ومن مشايخ انتخبوا نواباً في كتلة «إسرائيل بيتنا» بقيادة الإرهابي أفيغدور ليبرمان، ولا الوضع العام للعرب داخل فلسطين، يتيح تكوين جماعات ذات بعد طائفي من شأنها تحقيق أي خدمات للمشروع الوطني الفلسطيني.
رابعاً: إن سعي جنبلاط الى إقحام نفسه في اللعبة الحزبية داخل أراضي فلسطين، إنما يعكس حقده على حزب التجمع الوطني بقيادة المناضل عزمي بشارة، وموقف جنبلاط يمثّل استمراراً لسياسة العقاب المفروضة على بشارة الذي دفع الأثمان باهظة جراء تمسكه بالهوية العربية وإصراره على حفظها رفضاً للاحتلال واحتضاناً لمقاومته في لبنان وسوريا وفلسطين، والمتجاوزة الاعتبارات الطائفية.
مسعى جنبلاط هذا، لن يفيده في كسب تأييد إلا المرذولين من أبناء فلسطين، الذين يسرقون أصوات الناخبين، ويتصرفون بأخلاق تشبه أخلاق من يتقدّمون إليه بأوراق اعتماد. وفي زمن القبض على الجواسيس المنتشرين كالفطر، لا يمكن السكوت عن محاولة أكثر سوءاً من كل الذي سبق... فوجب لفت الانتباه والتحذير!

عدد الاثنين ٢٣ آب ٢٠١٠
الاخبار

No comments:

Post a Comment