Tuesday, August 24, 2010

هل تكتفي إسرائيل بانتظار اتهام حزب اللّه؟
يحيى دبوق
التقدير السائد في تل أبيب، بما يرتبط بإصدار المدعي العام للمحكمة الدولية، دانيال بلمار، قراراً اتهامياً وشيكاً ضد حزب الله، أنه قد دفع الحزب إلى ضائقة وحالة من التأزم النسبي، من شأنها أن تشوش على توجهاته ضد الدولة العبرية. إلا أن التقدير لا يرجّح في هذه المرحلة، إمكانيات معتبَرة لإيجاد مسارات متطرفة مأمولة ضد حزب الله، ربطاً بالقرار، كما بدت في مرحلة سابقة.
وممّا يظهر من المواقف والتحليلات الإسرائيلية، فإن التداعيات السلبية لقرار بلمار على حزب الله، ذات منبعين متصلين: ردة فعل مباشرة ضد الحزب فور صدور القرار، ولاحقاً، مسارات يسلكها العمل ضده، استناداً إلى القرار وإلى ردة الفعل. أما النتيجة النهائية المأمولة، فاحتواء حزب الله. وكما يبدو مما يصدر عن تل أبيب، فإن النظرة الابتدائية إلى كلا المنبعين، وقدرتهما على التأثير السلبي المأمول حيال حزب الله، كانت مفرطة جداً.
فإعلان حزب الله حرباً استباقية على القرار الاتهامي، وردة فعل حلفائه وثباتهم على مواقفهم، وإفهام الطرف الآخر أن الحزب سيقاتل ضد الاتهام كما يقاتل إسرائيل، أفرغت المطلب الأول من مفاعيله المأمولة. فلا صدمة ولا تفرّق لحلفاء ولا استسلام، وبقي لإسرائيل أن تراهن على مسارات يمكن أن تعقب القرار الاتهامي، والتي لا تبدو، في ظل مواقف القوى والموازين القائمة في لبنان والمنطقة، بقادرة على إيصال المسائل إلى مستوى الاحتواء المطلوب لحزب الله.
في أعقاب تصريحات رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غابي أشكنازي، عن قرب صدور القرار في أيلول المقبل، على أن يتبعه تدهور للوضع الأمني في الساحة الداخلية اللبنانية، ومن ثم قرار حزب الله بالتصدي المسبق للاتهام، أبرزت وسائل الإعلام الإسرائيلية العناوين الآتية: «انفجار قريب في لبنان»؛ «كل شيء يغلي في بيروت»؛ «حزب الله على المهداف»؛ «حلفاء حزب الله سينقلبون عليه»؛ «الإيرانيون ملّوا من سوريا»؛ «لبنان في الطريق إلى 7 أيار جديدة»، وغيرها. أما في الفترة الأخيرة، فقد شهدت المقاربة الإسرائيلية انزياحاً عن المقاربة الابتدائية، وبدت «تلتفت» أكثر إلى أن مواقف الأطراف وموازين القوى قد لا تسمح بالوصول إلى النتيجة المأمولة والكاملة.
يشير رئيس مركز موشيه دايان للدراسات، ايال زيسر، الذي يعدّ من أبرز خبراء الدولة العبرية في الشؤون اللبنانية والسورية، أن «أولوية البقاء السياسي لدى (رئيس الحكومة سعد) الحريري، قد تتقدم على لائحة اتهام المحكمة الدولية». وفي تأصيل ذلك، يؤكد زيسر أن «ليس لدى الحريري خيار، فهو بعيد جداً عن إمكان الخروج لمواجهة ضد حزب الله، بعدما خسر دعم واشنطن الغارقة في قضاياها، والتي لا تبدي حماسة لبذل جهود للدفاع عن أصدقائها في لبنان، كما أن العالم العربي لن يقف من ناحية فعلية إلى جانبه (الحريري) إن قرر المواجهة، أما حلفاؤه السعوديون فتنازلوا منذ وقت طويل عن فكرة ترسيخ محور الاعتدال في لبنان، وقدرته على حشر كل من سوريا وحزب الله في الزاوية». وتوقع زيسر أن «يجري العمل على إيجاد مخرج ما، وبالتالي لا حرب أهلية جديدة في لبنان».
على غرار زيسر وغيره من الخبراء الإسرائيليين، لن يصعب على صانع القرار في تل أبيب، أن يدرك أن الإمكانات وميزان القدرة لدى الأطراف المعنية، بما يشمل المحكمة والاتهام نفسه، لا تقوى على تحقيق النتائج الكاملة ضد حزب الله، في ظل ما تبدّى من مواقف وقدرات واتجاهات عمل. وبالتالي بات على تل أبيب أن تختار بين مسلكين: قيام استخباراتها بتأمين بيئة تأزم داخلية في لبنان، تتلاءم وتسبق القرار وتلاقيه، وصولاً إلى الفتنة المطلوبة ضد حزب الله، أو أن تكتفي بمستويات إزعاج للحزب دون حراك منها، مع الأمل بأن تحمل مرحلة ما بعد صدور القرار تطورات، غير مقدرة وغير منظورة، من شأنها أن تحرك المسائل باتجاه مستويات إزعاج أعلى لحزب الله، أو حالة من التأزم الحقيقي.
لكن، هل تكتفي إسرائيل بما أنجزته وحلفاؤها إلى الآن، وتنتظر نتائج مسارات المحكمة الدولية، التي تبدو أنها لن تكون قادرة على إشباع الآمال والأهداف الإسرائيلية الكاملة ضد حزب الله، أم تعمد إلى حراك فعلي ميداني لإعطاء جرعة، قد تراها ضرورية، باتجاه رفع درجة الاحتقان الداخلي إلى حدود مرغوبة إسرائيلياً لملاقاة القرار وتحسين قدرته ضد حزب الله؟ الرغبة والمنطق الإسرائيليان، وأيضاً تاريخ تعاطي تل أبيب مع أمور مشابهة، يشير إلى ذلك، كما أنها تملك القدرة الفعلية على الحركة في الساحة الداخلية اللبنانية، رغم كل ما أصاب استخباراتها من نكسات في الآونة الأخيرة.
إن لم يعمد القيّمون على القرار الاتهامي الى تأجيله لتعذر توظيفه كاملاً ضد حزب الله في هذه المرحلة، فإن توخي الحذر حيال الفعل الإسرائيلي ضرورة.

عدد الاثنين ٢٣ آب ٢٠١٠
الاخبار

No comments:

Post a Comment