Thursday, August 26, 2010

لحظة دخول «الأحباش» دوامة «التحقيق الدولي»، خرجوا من دائرة الضوء، وانكفأت «الجمعية الصفراء» عن العمل الاجتماعي والسياسي. الصورة الأكثر التصاقاً بأذهان اللبنانيين
عنهم، تلك التي حمل فيها هؤلاء، «البلطات» خلال تظاهرة شهيرة لهم أمام مسجد الجمعية في منطقة برج أبي حيدر، ليعودوا بالأمس من أزقة بيروت، وتحديداً من تلك المنطقة،
حيث نفوذهم، بالسلاح الأبيض، بعد الاشتباك مع «حزب الله»، الذي يفترض وبحسب «قاموس» الجمعية» أنه من «الحلفاء».

عودتهم السياسية الأخيرة، كانت خلال الانتخابات الاختيارية في بيروت (انسحبوا من البلدية)، التي «لوّنوها» بالأصفر، في خطوة أحيت نشاط «جمعية المشاريع الخيرية
الاجتماعية» في العاصمة. لطالما أخذ عليهم أخصامهم أنهم «صنيعة» المخابرات السورية و«يدها اليمنى»، وإن أكد المسؤولون فيها دائماً أنهم ظلموا لأنهم لم يستفيدوا
من الوجود السوري لا سياسياً ولا وظائفياً وأن سياستهم كانت قائمة على دعم الدولة ومؤسساتها ومن ضمنها الجيش اللبناني، وقد اشتهرت الجمعية بالاحتفال السنوي
الذي كانت تقيمه لمناسبة عيد الجيشين اللبناني والسوري في الأول من آب.

على أثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005، تموضعت الجمعية سياسياً، بعدما أتى تقرير المحقق الدولي ديتليف ميليس على ذكرها، وقال إن «الشيخ أحمد عبد
العال هو وجه معروف في جمعية الأحباش... ثبت أنه شخصية ذات دلالة في ضوء علاقاتها بأوجه عدة من هذا التحقيق، خصوصاً عبر هاتفه النقال الذي تبين أنه اجرى عبره
اتصالات عدة بجميع الشخصيات المهمة في هذا التحقيق».

وتابع النص أن «أحمد عبد العال كان على اتصال دائم بشقيقه محمود عبد العال الناشط أيضاً في جمعية الاحباش». وأشار إلى أن محمود عبد العال «أجرى اتصالا بالهاتف
النقال لرئيس الجمهورية اميل لحود قبل دقائق من الانفجار وتحديداً في الساعة 12,47، وبعد دقيقتين اجرى اتصالاً بالهاتف النقال لريمون عازار (مدير المخابرات
في قيادة الجيش)».

«مشروع الإتهام الدولي»، حدّ من نفوذ الجمعية بين جمهورها بعدما انطوت على ذاتها، وقد سارعت المديرية العامة للاوقاف الاسلامية اللبنانية حينها للإعلان أنها
ستباشر اجراءات قانونية ونظامية لاستعادة عدد من المساجد في بيروت كانت جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية «وضعت يدها عليها بالقوة» خلال فترة النفوذ السوري
في لبنان. ونتيجة لذلك، خرج «الأحباش» من صفوف المعارضة، وانسحب ممثّلوهم في لقاء الأحزاب اللبنانيّة والمنظمات الشبابيّة والطالبيّة، ولم يشاركوا لا في اعتصام
المعارضة في وسط بيروت ولا في أي نشاط معارض آخر... وكل ذلك تحت عنوان التهيب من الاحتقان في الشارع السني ضدهم وضد حلفائهم وخاصة «حزب الله» والسوري، لا بل
استوجب ذلك في مرحلة معنية، تخفيف ايقاع العلاقة مع دمشق ورفض الالتزام بأشياء سياسية كانت تطلب من الجمعية.

وبعد ثلاث سنوات من «القطيعة»، وفي خطوة لافتة للانتباه، حلّ «تيار المستقبل» في خريف العام 2008، ضيفاً على إفطار أقامته «الجمعية»، في مركزها في برج أبي حيدر
من ضمن سلسلة إفطارات أقامتها لكلّ من حركة «أمل» و«حزب الله». وأتت تلبية «المستقبل» بعد مرحلة انقطاع العلاقات بين الطرفين كما مع أطراف أخرى في قوى 8 آذار،
انكفأ خلالها «المشاريعيون» عن النشاط السياسي والاجتماعي والتربوي على الساحة السنية بعد أن كانوا خاضوا الانتخابات النيابية في العام 2005 وحيدين.

«الأحباش» هم الاختصار لجمعية إسلامية تحوّلت الى حزب سياسي في لبنان، أسسها الشيخ عبد الله الهرري المعروف بالحبشي (أتى من الحبشة في إثيوبيا الى لبنان) وبدأ
دعوته في العام 1969. وتنتسب هذه الجماعة إلى الصوفية الرفاعية. ويعتبر «الأحباش» الخصم التقليدي للمجموعات السلفية وخاصة لتنظيم «الجماعة الاسلامية».

ولد الهرري في العام 1910 في مدينة هرر بالحبشة (مدينة هرر هي في الأصل صومالية احتلتها أثيوبيا)، تعلم أصول الدين وحفظ القرآن وهو ابن 7 سنوات وأجازه مشايخه
بالإفتاء في سن 18 سنة، ثم تنقل بين البلاد العربية في طلب العلم وتعليمه ويتحدث أتباعه عن مواقفه الإسلامية التاريخية مثل «تصديه للمد الشيوعي» في بلاده ومحاربة
من ينعتهم الأحباش بـ«الفرق الضالة»، وأقام في مكة المكرمة حيناً من الزمن والتقى كبار علمائها، ودرس في المسجد الأموي في دمشق.

انتقل في أوائل خمسينيات القرن الماضي إلى لبنان وأعاد فيه إحياء «جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية»، التي كانت تمر بفترة ركود طويلة بعد أن قامت في الماضي
ببعض الأعمال الخيرية، وتولى رئاستها على مدار الأعوام الشيخ مصطفى غلاييني والحاج حسين العويني (أحد رؤساء وزراء لبنان السابقين) والشيخ أحمد العجوز الذي تم
التواصل معه لكونه رئيساً للجمعية آنذاك، فأعجبته الفكرة، وقام بتسليم إدارتها إلى طلاب ومريدي الشيخ عبد الله الهرري فصارت إطاراً جامعاً لنشاطهم في المجالات
الدينية والتربوية والاجتماعية وغيرها، وتولى رئاستها الشيخ نزار الحلبي الذي اغتيل في 31 آب 1995.

تولى الشيخ حسام قراقيرة رئاسة الجمعية، بعد الحلبي، وهو ولد في بيروت في العام 1960 في كنف أسرة بيروتية، وتعرّف إلى الهرري سنة 1976 منذ صغره وتربّى على يديه،
وتلقى منه الدروس والمعارف والعلوم، وبعد وفاة مرشد الجمعية العلامة الشيخ عبد الله الهرري في 2 أيلول 2008، بايعه طلابه ومريدوه خليفةً له.

وتمكن «الأحباش» سنة 1992 من الفوز بمقعد في مجلس النواب (عدنان طرابلسي)، في ظل المقاطعة المسيحية الواسعة للانتخابات النيابية، كما أن للجمعية مشاركة في المجالس
البلدية والاختيارية في عدد من مناطق التواجد السنّي، وخاصة في مدينة طرابلس. وللأحباش مؤسسات تربوية وإعلامية وصحيّة وشبابية عدة في لبنان والأردن ومناطق انتشار
الجاليات الإسلامية في أوروبا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا.

ينتسبون إلى «مذهب الإمام الشافعي في الفقه وأشعرية الاعتقاد أي على مذهب جمهور الأمة المحمدية»، ويحرصون على إحياء المناسبات الإسلامية كافة وقد أسسوا لهذا
الغرض «فريق المشاريع للإنشاد الديني» و«الفرقة اللبنانية للتراث» وهما فرقتا مديح نبوي.
السفير

No comments:

Post a Comment