Friday, November 26, 2010

الحريري فاتح دوله على حسا به: «أوجيرو» تصادر أصولاًً للدولة

قرر رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري أن يذهب في المواجهة مع وزير الاتصالات شربل نحّاس إلى حدود إطاحة الدستور لتغطية مخالفات جسيمة يرتكبها رئيس هيئة «أوجيرو» ومديرها العام عبد المنعم يوسف، وآخرها «قرصنة» أصول للدولة وموجودات ممثّلة في وزارة الاتصالات، وتسجيلها باسم «أوجيرو»، تمهيداً لبيعها بأبخس الأثمان عند تأسيس شركة «ليبان تيليكوم» وخصخصتها
محمد زبيب
عندما هدّد رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري وزير الاتصالات شربل نحّاس في الجلسة الأخيرة للحكومة، جلسة استقالتها من واجباتها، كان يعي ما يفعل. كان ذلك، على ما يبدو، جزءاً من خطّة تقضي باستخدام أسلوب «البلطجة» في كل ما يتصل بقطاع الاتصالات الحيوي، والتعامل مع الوزير نحّاس كما لو أنه غير موجود على رأس الوزارة. بكلام آخر، كان القرار قد اتُّخذ سلفاً بفرض «دستور» القراصنة بدلاً من الدستور المكتوب، الذي يفرض في المادة 49 على رئيس الجمهورية السهر على احترامه.
الإمعان في خرق الدستور
سُجّلت حصّة وزارة الاتصالات من مشروع الكابل البحري باسم شركة وهمية تدعى «شركة أوجيرو للاتصالات»
لم يكتفِ الحريري بإغراق إعلامه ونوّابه بكمّ من الأخبار الكاذبة في محاولة يائسة منه للنيل من سمعة الوزير نحّاس، بل ذهب أبعد من ذلك. فقد استدعى ما بقي من مجلس إدارة الهيئة المنظّمة للاتصالات، من دون علم الوزير المختص، وعقد معهم اجتماعاً بغيابه، وطلب إليهم إعداد تقارير عن عمل وزارة الاتصالات، وحرّضهم على أن تكون هذه التقارير سلبية، وهو ما يمثّل انتهاكاً فاضحاً للمادة 64 (المعدلة بالقانون الدستوري الصادر في 21/9/1990) التي تمنع رئيس مجلس الوزراء من «عقد جلسات عمل مع الجهات المعنية في الدولة إلا بحضور الوزير المختص». وهذا ينطبق على اجتماعات دورية يعقدها الحريري مع عبد المنعم يوسف، الذي يشغل خلافاً للقانون منصب رئيس هيئة «أوجيرو» ومديرها العام والمدير العام للاستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات. إذ إنّ هذه الاجتماعات، التي تشارك فيها أحياناً عضوة الهيئة المنظمة للاتصالات محاسن عجم وآخرون من فريق الحريري اللصيق، تتركّز منذ فترة طويلة على وضع الخطط لإعاقة عمل وزارة الاتصالات في مجالات الكشف عن الاختراقات الإسرائيلية لشبكات الاتصالات وقاعدة معلوماتها ومنعها من تنفيذ الإجراءات والتدابير التي تهدف الى الحدّ من الأضرار الحاصلة على الأمن الوطني والحياة الشخصية للّبنانيين... كما تتركّز على تعطيل المشاريع التي وضعها نحّاس على رأس الأولويات لتطوير القطاع وخفض أكلافه على المستهلكين، ولا سيما مشروع تمديد الألياف الضوئية في كل المناطق، وإطلاق خدمات الجيل الثالث على الهاتف الخلوي، والانتقال من مرحلة «الندرة» المفتعلة لتوفير مصالح «المافيات» المتحكّمة في تقديم الخدمات إلى المستهلكين وفي أكلافها، الى مرحلة «الوفرة» الكفيلة بتأهيل قطاع الاتصالات لكي يؤدّي دوراً محورياً في التنمية وخلق الوظائف وتشجيع قيام قطاع خاص حقيقي منتج للخدمات النوعية، لا قطاع طفيليّ يقوم على نهب الدولة والناس لحساب النافذين.
قرصنة أملاك الدولة
شهد اللبنانيون فصولاً من هذه الخطّة «التدميرية» السريّة. فإعلام الحريري ونوّابه لم يكتفوا بتسويق «الخصخصة» وبيع قطاع الاتصالات إلى «أوجيه تيليكوم» ومثيلاتها، بل عمدوا أيضاً الى المجاهرة بنوايا التعطيل، وذهبوا الى حدود تحصين إسرائيل من آثار الإدانة التي حصل عليها لبنان ضدّها من الاتحاد الدولي للاتصالات، وجهدوا في تبخيس أهمية المعلومات التي أصبحت في متناول الجميع عن مدى الاجتياح الإسرائيلي للقطاع والأمن الوطني.
يعقد الحريري اجتماعات مخالفة للدستور لإعاقة الكشف عن الاختراقات الإسرائيلية لشبكات الاتصالات
ولكن ما كان خافياً من هذه الخطّة، أنّ سعد الحريري عمل في الخفاء على تشجيع عبد المنعم يوسف على قرصنة أصول الدولة وموجوداتها عبر تسجيل حصّة وزارة الاتصالات من مشروع الكابل البحري «I-ME-WE» باسم شركة وهمية تدعى «شركة أوجيرو للاتصالات». فالمعروف أن «أوجيرو» هي هيئة مكلّفة بأعمال المتعهّد لحساب وزارة الاتصالات، وهي بالتالي ليست شركة، فضلاً عن أنها مطروحة للبيع بموجب القانون 431، ويطمح آل الحريري الى الفوز بها لزيادة ثرواتهم على حساب أملاك الدولة ومالها العام، وطمعاً بريوع ضريبية أرهقت اللبنانيين منذ زمن طويل.
اكتُشفت هذه العملية «الاحتيالية» عندما تلقّت بعض الشركات العالمية والجهات المحلية وسفراء دول عدّة دعوة من «أوجيرو» الى حضور حفل تدشين الكابل البحري «I-ME-WE»، تحت رعاية رئيس مجلس الوزراء، سعد الحريري، في 13 كانون الأوّل 2010، عند الساعة الخامسة بعد الظهر، في مجمّع «بيال». وقد ذيّلت بطاقة الدعوة بعبارة «الرجاء تأكيد الحضور قبل 30 تشرين الثاني 2010، بواسطة شركة studiovision التي تمتلك تلفزيون mtv».
هذه الدعوة تجسّد بذاتها خرقاً موصوفاً للدستور (برسم رئيس الجمهورية أيضاً)، إذ إنّ المادة 66 (المعدلة بالقانون الدستوري الصادر في 17/10/1927، وبالقانون الدستوري الصادر في 21/9/1990) تنص بوضوح على «تولّي الوزراء إدارة مصالح الدولة، ويناط بهم تطبيق الأنظمة والقوانين، كلٌّ بما يتعلق بالأمور العائدة إلى إدارته وما خُص به. ويتحمل الوزراء إجمالياً تجاه مجلس النواب تبعة سياسة الحكومة العامة، ويتحملون إفرادياً تبعة أفعالهم الشخصية».
هذه الدعوة الى حفل تدشين «I-ME-WE»، لم يتولّها الوزير المختص، ولم يجر أيّ تنسيق معه في شأنها، كما لم تصدر عن الوزارة بصفتها المالكة لحصة الدولة في الكونسورتيوم الذي يضم دولاً عدّة، بل صدرت عن منتحل صفة «المالك»، وهو ما قد يعرّض عبد المنعم يوسف لملاحقات قضائية عدّة، ولا سيما أنه صرّح في كتيّب خاص عن هذا المشروع بأنّ «أوجيرو»، تمثّل قاعدة «ليبان تيليكوم»، وهي المشغّل الوطني لجميع الخدمات في لبنان، وتهدف مشاركتها في «I-ME-WE»، إلى فتح السوق للقطاع الخاص المحلّي.
«أوجيرو» لم تعد تمثّل الوزارة
سارع الوزير شربل نحّاس الى فتح تحقيق في الأمر، وبادر الى نزع صفة «تمثيل الوزارة» عن «أوجيرو» في هذا الكونسورتيوم، وأرسل الى رئيس وأعضاء مجلس إدارة هيئة أوجيرو في 19 تشرين الثاني 2010، كتاباً بذلك، هذا نصّه:
«كان مجلس الوزراء قد وافق في قراره رقم 62 تاريخ 9/10/2007 (رقم المحضر 9) على مشاركة وزارة الاتصالات في مشروع الكابل الدولي، وكلف هيئة أوجيرو فقط بتمثيل الوزارة في المشروع والقيام لحساب مديريّتي الإنشاء والتجهيز والاستثمار والصيانة بالأعمال المرتبطة بالمشروع.
ففي إطار ما تقوم به الهيئة لحساب وزارة الاتصالات، وليس من موقعنا كوزير وصاية على الهيئة، أبلغناكم في 24/3/2010 وجوب إجراء المقتضى لتحضير افتتاح الكابل الدولي، الذي كان مزمعاً حصوله خلال النصف الأول من سنة 2010. غير أنكم، واعتباراً من 24/3/2010، تخلّفتم عن إعلام الوزارة عن تقدم العمل في الكابل الدولي. كذلك تعمّدتم إخفاء تحديد تاريخ الاحتفال، وتماديتم في إخفاء أعمال الاستعدادات له.
اكتُشفت العملية «الاحتيالية» عندما تلقّت بعض الشركات العالمية دعوة من «أوجيرو» الى حضور حفل تدشين الكابل البحري «I-ME-WE»
وقد جاء كتابكم الموجّه إلى «وزير الوصاية» للاطّلاع وأخذ العلم متمّماً لما كنتم قد أقدمتم عليه في هذا الموضوع من مخالفات متكررة، إنْ للنصوص المرعية الإجراء، أو للمهمة المحددة التي أوكلها إلى الهيئة مجلس الوزراء في قراره رقم 62 تاريخ 9/10/2007. ومن أبرز الإشارات إلى ذلك المنشورات العديدة التي انتحلتم فيها صفة مزعومة لما سمّيتموه «شركة أوجيرو للاتصالات»، التي تظهر أن هذه المؤسسة الوهمية هي المشغّل والمستثمر في المشروع. وتماديتم في التزوير والإيهام حتى عرّفتم هيئة أوجيرو، وهي مؤسسة عامة منشأة بقانون، بأنها «شركة أوجيرو»، وذلك على موقع الهيئة الرسمي على شبكة الإنترنت.
بالتالي، ومن موقع الوزارة كمساهم ومالك ومشغّل في مشروع الكابل الدولي IMEWE، ومن موقعنا الدستوري في إدارة مصالح الدولة، نرغب إليكم إيداعنا قبل الساعة الثانية عشرة ظهراً من يوم السبت الواقع فيه 20/11/2010 كامل ملف التحضيرات للاحتفال المزمع إقامته في 13/12/2010 وذلك كي يصار إلى متابعة الموضوع من جانب الوزارة مباشرة.
وإننا نبلغكم حجبنا عن الهيئة مهمة متابعة أعمال التحضير لهذا الاحتفال، بحيث إن أي تقاعس عن تسليمنا الملف في الموعد المذكور، وكل إجراء قد تتخذه الهيئة خلاف ذلك، وكل إمعان في متابعة الهيئة التحضير لهذا الاحتفال، يقع في موقع التعدي على صلاحيات الدولة وعلى ممتلكاتها».
مسؤوليّة الشركات الأجنبيّة
لا شك أن هذه الوقائع تضع الجهات المحلية والأجنبية أمام استحقاق قانوني يرتّب عليها مسؤوليات جمّة. فقد جرى إبلاغ هذه الجهات بأن هيئة «أوجيرو» لا تمتلك أيّ صفة للدعوة الى الاحتفال، وهي ليست المالكة لحصّة الدولة، وأنه ليس هناك في لبنان شركة تدعى «أوجيرو تيليكوم»، وبالتالي فإن تلبية هذه الدعوة ستمثّل إساءة مقصودة إلى الدولة اللبنانية ومصالحها، وستعرّض علاقاتها بقطاع الاتصالات المحلي للخطر الجدّي، فالملك العام مقدّس، ولا يحق لأي كان أن يفتح «دولة» على حسابه، فقط لانه ابن رفيق الحريري.

عدد السبت ٢٧ تشرين الثاني ٢٠١٠
الاخبار

No comments:

Post a Comment