Sunday, November 21, 2010

المصدر: جريدة الأخبار (http://www.al-akhbar.com)
انتفاضة لغة كرديّة في تركيا
عصيان مدنيّ في المحكمة والبرلمان والشوارع... والمدارس
أزمة اللغة الكردية في تركيا ومنع التداول فيها على جميع المستويات ليسا جديدين. هي أزمة تختصر القضية الكردية برمتها، بما أن أي خرق يحصل في جدار منعها قانونياً وإعلامياً وسياسياً وثقافياً يُعدّ نافذة أمل للتوصل لفكفكة عقد القضية الكبرى. الجديد هذه الأيام هو أنّ تركيا تشهد «انتفاضة» لغة كردية تحت عنوان «عصيان مدني لغوي». عصيان يتزامن مع تفعيل الحوار التركي ــ الكردي، ما أشاع في الفترة الأخيرة أجواء تفاؤل كبيرة ضربها حكم قضائي نال من رموز الحزب الشرعي للأكراد، «السلام والديموقراطية». وردّاً على ذلك، قرّر الأكراد عدم التكلم إلا بلغتهم الأم، في البرلمان والمحاكم والمدارس. سيناريو قديم ــ جديد لفيلم قديم ــ جديد أيضاً
أنقرة ــ عائشة كربات
قصص ثورات اللغة الكردية لا تُحصى في تركيا، الدولة التي اشتدّ عودها القومي على «التتريك»؛ تتريك اللغة أولاً، أساس التواصل الاجتماعي والسياسي المفروض أن يكون باللغة التركية حصراً. لكنّ التشدد القومي التركي يقابله آخر قد يكون أشد منه عند الأكراد. طرد تلامذة لأنهم سُمعوا يتحدثون بالكردية في مدرستهم. سجن نائب لأنه استعمل حقه الطبيعي في الكلام بلغته. تغيير أسماء الشوارع والمعالم الجغرافية الكردية. الاعتداء على فقراء أكراد في شوارع إسطنبول لأنهم لا يتقنون سوى لغتهم الأصلية... جميعها قصص ليست غريبة عن التاريخ التركي الحديث. آخر الانتفاضات اللغوية الكردية بدأت الشهر الماضي، ولا تزال تركيا تعيشها هذه الأيام لتكون اللغة الكردية عنوان العصيان المدني الكردي الجديد.
بدأت القصة في ديار بكر، حيث يحاكَم 151 متهماً، بينهم رؤساء بلديات وسياسيون بتهمة التعاون مع حزب العمال الكردستاني «الإرهابي»، بحسب الأدبيات التركية الرسمية. في الجلسة، قرّر المتهمون تقديم مرافعاتهم بلغتهم الكردية، الأمر المسموح به عادة في المحاكم التركية. فالقانون يسمح للمتهمين بالدفاع عن أنفسهم بلغة أجنبية، شرط وجود مترجمين محلَّفين. وبالنسبة إلى الأكراد، درجت العادة على اعتبار باعة الشاي
ترافع المتهمون بالكردية فرأت القاضية أنها لغة «غير مفهومة»، وهنا تطورت المشكلة
الأكراد بمثابة مترجمين إذا كان القضاة أتراكاً لا يفهمون الكردية. لكن في تلك الجلسة في ديار بكر، رفض القضاة الاستماع إلى المتهمين الذين ترافعوا بالكردية، بحجة أن المتهمين يتقنون اللغة التركية. لكنّ المتهمين أصروا على التحدث بلغتهم الأم، لكونهم يستطيعون التعبير عن أنفسهم بطريقة أفضل من التركية. حجة رفضَتها رئيسة القضاة بطريقة «مهينة»، إذ إنها حين واصل المتهمون الحديث بلغتهم، بادرت إلى اعتبار أن المتهمين دافعوا عن أنفسهم بلغة «غير مفهومة، أعتقد أنها كردية». وهنا وقعت الواقعة ـــــ الإهانة. ولما تجاهل الموقوفون كلام القاضية، سارعت إلى قطع الميكروفون عنهم وأمرتهم بالكلام فقط باللغة التركية. ولمّا وصلت أنباء إهانة «اللغة غير المفهومة» إلى الأوساط الكردية، قرر حزب «السلام والديموقراطية» فتح حرب لغوية عنوانها أولوية إلغاء الحظر المفروض على لغتهم في القانون والدستور والممارسة.
ويشرح رئيس جمعية رجال أعمال جنوب شرق الأناضول، شاه إسماعيل بدرهان أوغلو، لـ«الأخبار»، الوضع قائلاً إن «المجتمع الكردي مؤلف من طبقات وليبراليين ويساريين وإسلاميين ومثقفين وأميين... لكن جميعهم يتوحّدون حول موضوع واحد لا مساومة عليه: اللغة الكردية والحق في استخدامها في جميع نواحي الحياة، من المحاكم إلى المدارس إلى الإعلام والسياسة».
حقيقة يدركها ساسة الأكراد جيداً، لذلك قرروا إطلاق حملة اللغة الكردية من البرلمان مباشرة، وذلك خلال اجتماع كتلتهم النيابية (20 نائباً) التي يبثّها التلفزيون التركي الحكومي إلزامياً، شأنهم شأن جميع الكتل النيابية. وعندما بدأ رئيس كتلة «السلام والديموقراطية» بنغي يلديز كلامه بالكردية، سارع القيّمون على التلفزيون إلى قطع البث المباشر. غير أن يلديز تعهد بأنه «إلى أن تصبح اللغة الكردية لغة معروفة، فسنواصل استخدامها حصراً». كذلك كانت حال نائبة رئيس الكتلة النيابية غولتن كيشاناك التي انتقدت الرئيس عبد الله غول على قوله إن «من حق المتهمين الأكراد التحدث باللغة الكردية فقط إن كانوا لا يجيدون التركية». ورأت كيشاناك أنه «إذا كان العائق أمام التحدث بالكردية هو إتقاننا اللغة التركية، فسيتوقف الأكراد عن تعلّم التركية». ولمّا سُئل رئيس البرلمان محمد علي شاهين عن الواقعة، زاد الأمور سوءاً عندما هدّد نواب هذا الحزب «بالعقاب» إذا ما كرروا «فعلتهم»، بما أن القانون
أول كلمة تركية يتعلمها الأطفال الأكراد في المدرسة هي «اصمتوا»
التركي «يمنع أي نائب من التحدث بأي لغة إلا التركية في البرلمان».
استمر السجال حتى 11 تشرين الثاني الماضي، تاريخ آخر جلسة شهدتها محاكمة ديار بكر. حينها طلبت القاضية نفسها من المتهمين مواصلة تقديم مرافعاتهم لكن بالتركية، فلم يبادر أي من الموقوفين الـ151 إلى الكلام، ما دفع القاضية إلى تأجيل الجلسة إلى 13 كانون الثاني المقبل، الموعد الذي يتوقع كثيرون أن تسبقه مساع للحؤول دون انفجار الأوضاع على نحو يضرب المساعي الحكومية المتعثرة لفكفكة عقد القضية الكردية.
أمام هذا الحائط المسدود، يتوقع كثيرون أن تصل «انتفاضة اللغة الكردية» إلى المدارس. ففي تركيا، هناك مدارس تعلم اللغات الألمانية والفرنسية والإنكليزية التي تبقى لغات ثانوية لـ«عدم خلخلة وحدة المجتمع التركي». وقبل فترة وجيزة، صدرت نتيجة دراسة جرت مع طلاب أكراد في المدارس التركية، تبيّن أن أول كلمة تركية يتعلمها الأطفال الأكراد في المرحلة التمهيدية هي «اصمتوا». وتبيّن من الدراسة أن جميع الأطفال الأكراد صُدموا لما علموا أنه ممنوع عليهم التحدث بلغتهم الأصلية، حتى خلال الفرصة بين الحصص الدراسية، وهو ما ولّد لديهم رغبة شديدة في العودة إلى منازلهم وقراهم بأسرع وقت ممكن. وقد شهد مطلع العام الدراسي الجاري محاولة انتفاضة في المناطق الكردية عبّر عنها قرار ذوي الطلاب عدم إرسال أولادهم إلى المدارس ريثما تتحقق مطالبهم الثقافية. وقد تكون أجواء العصيان المدني الكردي الحالي فرصة مؤاتية لتعود أجواء تلك الانتفاضة بزخم أكبر تحت شعار «إما أن نتحدث بلغتنا أو لا نتعلم لغتكم».
________________________________________

حرب أسماء
بدأت حكومة رجب طيب أردوغان مساعيها لتحسين ظروف عيش الأكراد منذ نحو عامين، من خلال ما عُرف بـ«خطة الانفتاح الديموقراطي». لكنّ لم يطبّق شيء من بنود مشروع ـــــ القانون بعدما نام في أدراج البرلمان. حتى خطة تنمية المناطق الكردية بـ12 مليار دولار لا تزال حبراً على ورق. «الإنجاز» الملموس الوحيد الذي تحقق للأكراد كان إنشاء فرع يبث باللغة الكردية 24 ساعة في التلفزيون الحكومي trt. لكن لا تزال الممنوعات تطال إعادة الأسماء الكردية إلى المعالم الجغرافية الكردية التي استبدلت بأسماء تركية، كذلك التحدث بالكردية في البرلمان وتعليم اللغة الكردية في المدارس، إضافة إلى المنع المذكور في بعض المحاكم التركية. وأخيراً، واكبت بلدية ديار بكر حملة النواب والمتهمين والمدارس بقرار أصدرته لإعادة الأسماء الكردية إلى المعالم الجغرافية وإبقاء الأسماء التركية بين هلالين تحت الاسم الكردي الأصلي، إلا أن مجلس شورى الدولة أبطل القرار.

عدد الاثنين ٢٢ تشرين الثاني ٢٠١٠
الاخبار

No comments:

Post a Comment