Thursday, December 23, 2010

عرس عوني: رفاق بلا حزب

منتصف الليل، مع اختمار النبيذ وسط المحتفلين، تبدو الصورة أكثر وضوحاً (الأخبار)
غسان سعود
صار اجتماع مؤسسي التيار الوطني الحر في مطعم أو منزل للبحث في همومهم المشتركة أمراً نادراً، منذ اقتنع العماد ميشال عون بأن لقاءات كهذه تهدّد الأمن القومي العوني، لكنّ المدعوين إلى عرس أنطوان نصر الله كانوا يعلمون أنهم مدعوّون إلى لمّ شمل حالت أسباب كثيرة دون حصوله في السنتين الماضيتين، وإسهاماً منه في إكمال اللوحة النوستالجية، اختار العماد عون ترك أنصاره يحتفلون بعريسهم وحدهم، فغاب عن القدّاس ثم عن السهرة رغم اختيار نصر الله الكنيسة والفندق الأقرب إلى منزل الجنرال.
في الكنيسة الأرثوذكسية، حيث ألقى كاهن ماروني العظة، طغت الرسمية على الحاضرين. أما في السهرة اللاحقة، فتكفّل رولان خوري بتذكير الضيوف بأنهم ارتدوا الثياب الرسمية لضرورات بروتوكولية فقط وليس عليهم «قبض ربطات أعناقهم بجدية». لاقاه زياد أسود في منتصف الطريق: يرقص النائب الجزيني بكأس زوجته، يذكّرها أكثر من مرة بأنها حبيبته، ويلوّح لإبراهيم كنعان وآلان عون، مشجعاً زميليه على هز خصرَيهما؛ تبتسم سارة سعيد، زوجة عون، لدعوة أسود. قرب الأخير يقف جورج عطا الله مهلّلاً للعريسين الداخلين بفرح خلف الزفة. اختار نصر الله زفّة تشبهه: ثمانية شبان، يحمل كل منهم آلة موسيقية يُحدثون صخباً استثنائياًَ. يتدخل الأصدقاء، يحلون محل الزفة: يستعير سامر بشعلاني الطبل وبشير حداد «الزمور» ويحمل وليد أشقر العريس. يفد معظم المدعوين ليزفوا العروسين. وحدهما بيار رفول وجبران باسيل يثبتان في كرسيّيهما، يتفرجان من بعيد على الهمروجة العونية.
تنتهي الاحتفالية الأولى، يتنقّل عطا الله بين الطاولات، جامعاً المعلومات في بئره العميقة: يأخذ ولا يعطي، يقول زملاء عطا الله عنه، مستثنين الأمور المادية، حيث يعطي عطا الله ولا يأخذ. بالقرب من طاولة كنعان وعون، يجلس نعيم عون. بالنسبة إلى الجيل المجتمع، كان منزل أبو نعيم (شقيق الجنرال) عنوان التخطيط لمعظم الاعتصامات. يأسف أحد الشباب لأن المرض حال دون مشاركة أبو نعيم في هذه التظاهرة. يروي آخر أنّ شقيق العماد عون يذهب بنفسه رغم المرض إلى مركز الضمان الاجتماعي لينجز أوراق المستشفى ويقصد مركز توزيع أدوية الأمراض المستعصية في منطقة الكارنتينا للحصول على دوائه. هكذا، هو أبو نعيم، وهكذا نعيم: حتى في العرس يستطلع ويحلّل ويبني نظريات. لن تيأس زوجته من محاولة إرقاصه، وستنجح في النهاية. أمّا لواء شكور، الذي استقال منذ أشهر من هذا الجيل وابتعد عن التيّار، فتذكّر مرحلة تأسيس الهيئات الطالبية، تاركاً لرولان خوري تذكّر المبادرات الفرديّة للناشطين في تلك المرحلة، ثم ينتهي الفيلم مع شادي أبو جودة، ليقوم نصر الله إلى الرقص بينما ينزوي وليد الأشقر مع رمزي كنج محاولاً إقناعه بتركيبة ليقنع بدوره نعيم عون بها. على طاولة كنج، يجلس النائب السابق سليم عون، يشير الشباب إلى تعلم النائب الزحلاوي السابق من تجربة السقوط النيابي. وسط الشباب العونيين، يبدو الزميلان حسين أيوب وجهاد بزي من أهل البيت؛ الأخير صديق قديم للعونيين، غادر كل الراقصين ابتهاجاً وبقيت ذراعه تلوّح لأحلام علمانية سبق أن شارك العونيين تفاصيلها.
يلتفت ميشال أبو نجم حول نفسه، يشعره الشمل بالنشوة. أما جورج طاشجيان، فيسأل كعادته عمّا كان هؤلاء الشباب سيفعلونه لو أُعطوا فرصة جدية في إدارة شؤون التيّار. بقربه، يتبارى الشباب في تعداد أسماء المعيّنين حديثاً في اللجنة التنفيذية، قبل أن يصارح أحد الحاضرين زملاءه بأنه سمع بأسماء بعضهم لكنه لا يعرف أحداً منهم. فقد معظم الحاضرين الأمل: لن يكون للعونيين حزب ولا مؤسسات. قبل بضعة أشهر، وافق البعض على وضع أحلامهم بالمؤسسة الحزبيّة القوية جانباً والدخول في اللعبة لتحسين أوضاع التيّار ـــــ الحالة الشعبية. يبدو هذا البعض قليل الكلام اليوم، فهم أن دخول اللعبة يعني الوقوف في الصف والابتسام للأوامر دون نقاش. يرفض نعيم عون وزياد عبس والآخرون الإحباط. يصرّون على تشجيع رفاقهم على البقاء في التيار، بغضّ النظر عن حالته ودوره. يستعيد طاشجيان الحديث، يؤكد تعامل العماد عون بندية مع الناشطين الذين يثبتون أنفسهم في مناطقهم والأدلة كثيرة. الجالسون على الطاولة المجاورة حول طانيوس حبيقة ومنصور فاضل لا يوافقون.
يحاول الشباب عدم تخريب السهرة، يعودون عبر الرقص إلى أجواء المرح، ينتبهون إلى أن عدداً منهم باتوا نواباً، يلتفتون إلى أمين سر كلية الإعلام ـــــ الفرع الثاني أنطوان حرب، مشيرين إلى أن انهيار الأعصاب القواتي يؤكد وضع القوات اللبنانية يدها على كل حصة المسيحيين من الوظائف الرسمية. يعاتب أحد الشباب حرب لقبوله موقع أمين السر بدل الأمين العام. يضحكون، قبل أن يشير أحدهم إلى وجود مشكلة تواجه العونيين في التوظيف، ففي ظل تهافت معظمهم للجلوس في الصف الأول، لا أحد منهم يسعى وراء وظائف أخرى في الدولة، تفوق النيابة والوزارة بأهميتها. تثير الفكرة الأخيرة نقاشاً، يحسمه أحد الشباب بتأكيده أن قيادة التيار لم تشجّع الشباب.
قرب منتصف الليل، مع اختمار النبيذ وسط المحتفلين تبدو الصورة أكثر وضوحاً: هناك وسط العونيين من جيّر الظروف لمصلحته ونجح حتى الآن. هناك من يترنح بين السقوط والصمود أملاً بتحسن الظروف مستقبلاً. هناك من استسلم وأعلن خروجه من اللعبة الحزبية للاهتمام بأموره الاجتماعية والمادية. الجميع يعلن أن فكرة وجود حزب كانت مجرد أحلام لمراهقين بلغوا سن الزواج.
بإمكان بيار رفول وجبران باسيل أن يطمئنّا؛ اجتمع مئة عوني ولم يحصل انقلاب

No comments:

Post a Comment