Sunday, December 26, 2010

أسئلة إلى المدّعي العام للمحكمة... على أبواب «عام اتهامي جديد»

كلّمـا يحشـر بيلمار في القانـون... يـردّ بالسـياسـة ليخطئ في المرّتيـن

علي الموسوي

يبدو من كثرة إطلالاته الإعلامية المختارة توقيتاً ومضموناً، أنّ المدعي العام الدولي القاضي دانيال بيلمار، يحبّ السياسة بفنونها العظيمة وتردداتها المجنونة،

تماماً كما يعشق القانون، ولو طال به السهر والسفر في إنجاز التحقيق في جريمة 14 شباط 2005.

يغيب في جبّ التحقيق أسابيع وشهوراً، لما يمليه عليه تحرّكه وعمله من سرّية تامة تفترض الصمت المطبق، ثمّ يطلّ فجأة متحدّثاً في عناوين تشغل بال الكثيرين من

المنتظرين لنتائج إنجازاته في سبر غور الجريمة ومعرفة القتلة الفعليين غير المموّهين، لا ليتحدّث عمّا توصّل إليه من معطيات ومعلومات، فهي ملك قرار الاتهام

وحذار من المساس بها والتفوّه بفحواها قبل الصدور المرتقب، وإنّما ليبدي رأيه القانوني المغلّف بالسياسة، في عدد من الشجون التي تتخبّط في رؤوس لبنانيين مهتمّين

بوطنهم وسلامته واستقراره، وهما أهمّ من العدالة، خصوصاً إذا ما كان مجلس الأمن الدولي يرفع هذه العدالة شعاراً للتخفيف من غزوات المسيطرين عليه واستباحة دول

وشعوب لا تتأقلم مع الديمقراطية الجديدة وتسمياتها المختلفة.

وهكذا لا تسمع صوت بيلمار عندما يندفع أحد المتحمّسين للعدالة الدولية للاستفاضة في مغازلتها وإنزال أشدّ قصائد المديح فيها. لا حاجة لإسماع رأي مكرّر ولو بعبارات

أخرى، لئلا يصاب المتلقي بالملل الشديد.

إنّها طريقة ذكية في التعبير ولكنّها غير محترفة. بينما يهبّ بيلمار دفعة واحدة وبكلّ أعضاء جسمه، للردّ إذا ما كانت في الأفق اللبناني، تصريحات مناوئة لتسييس

التحقيق، أو معارضة لاقتحام عيادة طبيبة نسائية حتّى ولو لم تكن العيادة الأولى التي تنتهك ملفّاتها. التعرّض لسرّيّة التحقيق حرام، بينما نبش أسرار ملفّات

نسائية جائز في معرض الوصول إلى معلومات لا تفيد التحقيق، بل تنمّي ملفّات أخرى مودعة لدى آخرين. نظرية قانونية غير مألوفة سطّرها بيلمار كاجتهاد، علماً أنّه

لا يجوز الاجتهاد والنصّ واضح ولا يعوز تأويلاً.

ومن يراقب سيرة بيلمار الإعلامية يجدها ضئيلة، ولا تتماشى مع المدّة الزمنية الطويلة كثيراً، لتحقيقاته. فخلال فترة ترؤسه لجنة التحقيق الدولية كان متقشّفاً

وزاهداً بالإعلام ويعوز للناطقة باسمه التونسية راضية عاشوري للحلول مكانه، بينما تغيّرت معادلته بعدما صار مدعياً عاماً في محكمة لبنان الخاصة.

وكلّما سئل عن التحقيق قدّم الجواب الجاهز «التحقيق يحرز تقدّماً»، ومنذ أن وضع قبضته على «زلعوم» التحقيق، والجواب نفسه يتكرّر، واللبنانيون، بدورهم، يضعون

أيديهم على قلوبهم التي يصل خفقانها إلى مسامع لاهاي حيث لا من يجيب. صدق المثل القائل: «اللي ايدو بالنار مش متل اللي عم يتفرّج».

ومنذ أن أشيع بأنّ «عناصر غير منضبطة» في حزب الله متورّطة باغتيال الحريري، وبيلمار يحبك إطلالاته الإعلامية إلى حدّ التجانس مع التسريبات، وإذا ما فقد الذريعة

المقنعة، أسعفه مسؤولون آخرون في المحكمة من طراز رئيسها القاضي أنطونيو كاسيزي، ورئيس قلمها الهولندي هيرمان فون هيبل، أو جاءته الإمدادات الدولية على لسان

مسؤول أميركي، أو إسرائيلي، أو فرنسي، أو بريطاني.

طبعاً الإمدادات اللبنانية للقاضي بيلمار متوافرة في أسواق التصريحات والخطابات وبكثرة، ولكنّه لا يعيرها الاهتمام اللازم للاستناد إليها.

وكلّما حشر بيلمار في القانون ردّ بالسياسة، ليخطئ مرّتين، الأولى، أنّه يقدّم حجّة ضعيفة تتلبّسها الشكوك، على غرار مسألة شهود الزور الذين لا يراهم إلاّ «غير

موثوقين»، أو لا «يتمتّعون بالمصداقية»، أو «يفتقرون إلى المصداقية»، وكلّها عبارات تنمّ عن تلطيف للدور الذي لعبوه بإرشادات باتت مفهومة، كما أنّها كلمات مهذّبة

ومخفّفة، ولكنّ التفسير القانوني لكلّ هذه العبارات، هو أنّهم شهود زور ومفترون جنائياً، وكيفما قُلّبت العبارات تستوي على معنى واحد وواضح.

أمّا المرّة الثانية، فتتمثّل في أنّ بيلمار يستفيض في السياسة من حيث يدري أو لا يدري، فيحاول إبعاد هذه الكأس المرّة عن صيته وتاريخه القضائي لئلا تلوّثهما،

فيقول إنّ تحقيقه غير مسيّس، ولكنّ التسريبات والغاية المرجوة منها تشي بأنّه غارق في السياسة حتّى أذنيه.

ولكنّ السؤال لماذا عندما يتحدّث بيلمار في السياسة يشبّه نفسه بكثيرين من السياسيين اللبنانيين من طينة فريد مكاري، وفريد حبيب وأنطوان زهرا، عندما يتخلّون

عن تطلعاتهم السياسية العميقة، للحديث في القانون، تفسيراً وتحقيقاً ونطقاً بالأحكام الجاهزة مسبقاً؟.

منذ أربعة أشهر وبيلمار لا يجد متسعاً من الوقت ليجيب على أسئلة وصلته من «السفير» ومن مؤسسات اعلامية أخرى، في لبنان، بسبب انشغالاته المتعلّقة بمسيرة التحقيق

المظفّرة.

وبما أنّه صار «قريباً جدّاً جدّاً» من التخفّف من قرار الاتهام، وما يسبّبه له من أرق وقلق، فنأمل منه أن يجيب على هذه الأسئلة في سبيل إنارة التحقيق، على

أمل ألاّ تعكّر عطلتَه السنوية على أبواب انتهاء عام اتهامي، واستقبال عام اتهامي جديد.

والأسئلة هي:

1- لماذا لم تقم خلال فترة وجودك على رأس لجنة التحقيق الدولية بالتحقيق في الفرضية القائلة باتهام إسرائيل على غرار الفرضية القائلة باتهام سوريا، وانتظرت

المعطيات والقرائن التي وفّرها السيّد حسن نصر الله للقضاء اللبناني ووصلتك عبر الأخير؟.

2- كيف يعقل أن تكون قد انتهيت من التحقيق في الأدلّة المقدّمة من حزب الله خلال مهلة خمسة أشهر لكي تصدر قرارك الاتهامي في كانون الثاني 2011، وهي مهلة قصيرة

إذا ما قيست بالفترة الطويلة التي استغرقها التحقيق منذ بدء التحقيق باغتيال الرئيس رفيق الحريري قبل خمس سنوات وأحد عشر شهراً؟.

3 - هل صحيح أنّ المستندات والوثائق والملفّات التي كانت بحوزتك في لبنان نقلت إلى لاهاي عبر إسرائيل كما شاع في وسائل الإعلام؟.

4- لماذا تحتفظ بملفّات شهود الزور أو الشهود الذين يفتقرون إلى المصداقية، أو غير الموثوق بهم، على حدّ تعبيرك الدبلوماسي في توصيفهم، وترفض تسليمها للواء

الركن جميل السيّد من أجل ملاحقتهم أمام القضاء الوطني بعدما زجّوا به في السجن نحو أربع سنوات كنت خلال حقبة منها رئيساً للجنة التحقيق ولم تفعل شيئاً في قضيّة

اعتقال الضبّاط الأربعة سوى موافقتك الضمنية على استمرار الاعتقال التعسفي وهو ما يتعارض وشرعة حقوق الإنسان العالمية؟.

5- ما هو ردّك على مطالبة جميل السيّد لك بالاستقالة من منصبك لاعتباره أنّك لم تحترم معايير العدالة الدولية كما قال في مؤتمره الصحافي الأخير في 12 أيلول

2010؟!.

6- كيف يمكنك أن توفّق بين استلامك مستندات ووثائق من إسرائيل وبين أن تطمئن اللبنانيين إلى أنّ هذه الوثائق الواصلة إليك من عدوّهم، وهي لا تخلو من التسييس

والغايات السياسية، لن تمرّ عبر غربالك بسلام؟.

7- دائماً تقول إنّ إفادة الشاهد زهير محمد الصدّيق تفتقر إلى المصداقية، فماذا تعني بهذه العبارة؟ وما دام أنّ الصدّيق يدعي أنّه لا يزال شاهداً، فهل هو كذلك،

وهل هو يخضع لبرنامج حماية الشهود؟.

8- إذا اتهمت حزب الله بجريمة 14 شباط 2005، والحزب يرفض هذا الاتهام ويعتبره مسيّساً، فكيف يمكنك أن تتعامل معه؟.

9- يُتهم مكتبك بالوقوف وراء تسريب المقال المنشور في مجلّة «دير شبيغل»، فهل هذا صحيح، خصوصاً وأنّ التكتّم يسيء إلى سمعتك القضائية، ولم يصدر أيّ نفي أو تكذيب

لهذا القول الشائع بكثرة في لبنان؟.

10- هل صحيح، أنّ مخابرات دولة عربية تربطها صلات وثيقة بالموساد الإسرائيلي تمكّنت من التغرير بموظّفة (صارت سابقة) لديك، فوصلت إلى تقارير دبّجت على أساسها

اتهامات «دير شبيغل»؟.

11- أنت متهم في بيروت بأنّ إرسالك فريقاً من المحقّقين في مكتبك إلى العيادات النسائية في لبنان، هو للاستفسار عن أشخاص يقومون بالتنسيق بين حزب الله والمقاومة

الفلسطينية، وذلك بالاستناد إلى معلومات وصلتك من إسرائيل، فهل هذا صحيح؟.

12- كيف يقول أحد المحقّقين ممن زاروا العيادتين المخصّصتين للطبّ النسائي، إنّه يعرف الأسماء التي يبحث عنها، ولما قيل له هناك أسماء متشابهة للنسوة، أطلق

ابتسامة ماكرة، وقال إنّه يعرف عمن يفتّش، وما دام إنّه يعرف، فلماذا يفتّش؟ سئل فذهل وأزال ابتسامته الماكرة.

13- ألا تعتقد أنّ اجتماعك بمسؤولين أميركيين يؤذي سمعتك وحياديتك في التحقيق؟ وماذا تفيد هذه الاجتماعات المتكرّرة في سياق التحقيق وكشف الجناة الفعليين؟.

14- كيف يمكن لاجتماعك بالسفيرة الأميركية السابقة في لبنان ميشيل سيسون أن يضيء طريق التحقيق وما هو ردك على ما أظهرته وثائق «ويكيليكس» حول طلباتك من سيسون

بخصوص التحقيقات في سوريا وطلب «العونة» من الاستخبارات الأميركية؟.

15- ما هو رأيك بما قام به رئيس فريق المحقّقين في لجنة التحقيق الدولية في عهد القاضي الألماني ديتليف ميليس الشرطي غيرهارد ليمان ببيع مستندات التحقيق مقابل

مبلغ مالي زهيد؟ وكيف تضمن ألاّ يكون أحد من أعوانك الشرطيين ممن استقالوا قد سار على خطى ليمان، أو قدّم وثائق لغير جهاز استخباراتي دولي لقاء مال، أو منصب،

أو عربون ولاء؟.

16- ما هو رأيك بالتسريبات الإعلامية؟ وهل توافق على مضمونها، علماً أنّك عندما كنت رئيساً للجنة التحقيق، كنت تبدي انزعاجك من التشويش على عملك ممن كانوا «يزيحون»

اللبنانيين بالحديث عن زلزال عملك؟ ولماذا لم تتصدّ لهذه التسريبات مع تذكيرك بأنّك فعلت ذلك عندما كنت في اللجنة وعبر الناطقة السابقة باسمك راضية عاشوري؟.

17ـ ما هو تفسيرك لظاهرة الاستقالات من المحكمة ولجنة التحقيق؟

السفير 27 كانون الاول 2010

No comments:

Post a Comment