Monday, December 27, 2010

افتتاح المتحف الجوفي لكاتدرائية مار جاورجيوس للروم الأرثوذكس: يضم آثار ست كنائس مطمور أسفلها.. من «الهلنستية» إلى «العثمانية»

أسفلها، تاريخ يليه آخر، يحفظ في متحف (فادي أبو غليوم)

جهينة خالدية

هي واحدة من أقدم الكاتدرائيات في بيروت. وحضنت مناسبات أليمة وسعيدة، عاشتها شخصيات لبنانية على مدى السنوات، ولكن اتضح أمس أن «كاتدرائية مار جاورجيوس للروم

الأرثوذكس» في وسط بيروت، تحتضن المزيد من العناصر التاريخية، إذ تحتضن الكثير من المكتشفات الأثرية تكشفت عنها التنقيبات منذ أكثر من 15 سنة.

أظهرت التنقيبات الهامة أن الكاتدرائية الحالية تقوم على أنقاض ست كنائس مختلفة، من الحقبات الهلنستية والرومانية والبيزنطية والقرون الوسطى والعثمانية. واعتباراً

من أمس، باتت المكتشفات الأثرية المنقولة وغير المنقولة من الحقبات المذكورة، محمية في متحف جوفي افتتح في الكاتدرائية، برعاية متروبوليت بيروت وتوابعها للروم

الأرثوذكس المطران إلياس عودة، وهو «الأول من نوعه في لبنان والشرق»، حسبما تشرح رئيسة لجنة إنشاء المتحف ورئيسة فريق الأثريين الدكتورة ليلى بدر لـ«السفير».

ما يُعرض في المتحف اليوم أتى نتيجة تنقيبات قام بها فريق من الأثريين، برئاسة بدر وبإشراف المديرية العامة للآثار، بين عامي 1994 و1995، على مساحة 316 متراً

مربعاً، تمثل نحو ربع الكاتدرائية الحالية، أنجز بتمويل من مطرانية بيروت للروم الأرثوذكس، وأعلن عنه في مؤتمر صحافي أمس.

وتشير بدر إلى أنه «قبل ترميم الكاتدرائية، أتاحت هذه التنقيبات الفرصة للبحث عن التسلسل التاريخي وتواصل الكنائس الواحدة تلو الأخرى، وتحديد موقع كنيسة القيامة

البيزنطية المعروفة باسم «أُناستاسيس» بالقرب من مدرسة الحقوق الشهيرة، التي دمرها زلزال العام 551، وفوقها كنيسة من العصور الوسطى (القرنين 12-13) تصدعت بفعل

الهزة الأرضية في العام 1759 ودمرت وأعيد بناؤها في العام 1764، وكنيسة رابعة موسعة بُنيت على شكل صليب في العام 1772. وتعتبر هذه الكنيسة النواة التي أُدخلت

عليها التغييرات والإضافات الهندسية، فكانت الكنيسة الخامسة في العام 1783، وتلتها الكاتدرائية السادسة والأخيرة في العام 1910، وهي التي نعرفها اليوم وأعيد

تأهيلها بعد الحرب الأهلية وتشكل الكاتدرائية في حالتها السابعة».

هنا، يتوقف كاهن الكاتدرائية الأب رومانوس جبران عند ما تعرضت له الكاتدرائية من إصابات مباشرة خلال الحرب، إذ سرقت وأحرقت معظم أيقوناتها، وبدأت أعمال الترميم

بعد الحرب بقرار من المتروبوليت إلياس القيام. ويشير جبران إلى أن «الآثار ليست مجرد أحجار باردة، صامتة، بل هي جزء من تاريخ هذه الكنيسة العريق، والأموات الراقدون

تحتها هم أعضاء في رعيتها الذين انتقلوا قبلنا. والأعمدة والأرضيات المكتشفة ما زالت أعمدة الكنيسة وأرضيتها، دلالة على أن الكنيسة واحدة عبر العصور، وفي كل

عصر يحاول المؤمنون إعداد المكان الأفضل والأجمل للقياهم مع الرب».

ويعتمد المتحف الجوفي الذي مولته «مؤسسة جاك ونايلة سعاده»، نظام الأقبية العالمي «Cryptes». وقد عملت لإنشائه لجنة خاصة برئاسة بدر وعضوية المهندسين ياسمين

معكرون بو عساف ونبيل عازار والفنانة كاتيا نعمان صالحة، شكلها رئيس لجنة ترميم الكاتدرائية ناشر الزميلة «النهار» غسان تويني.

عند مدخله، يظهر مقطع ستراتيغرافي يبين الحقبات التاريخية المتتالية التي مرت فيها الكنيسة (منذ الهلنستية إلى العثمانية)، بالإضافة إلى واجهات زجاجية تضم القطع

الأثرية المكتشفة في الموقع، من خزفيات وقناديل زيت وتماثيل صغيرة وبرونزيات، بما فيها صلبان وميداليات وخوذة منقوشة وجدت على رأس هيكل عظمي داخل مدفن، وقد

عُرضت القطع وفق تسلسلها التاريخي.

تتوالى بعدها المحطات الإثنتي عشرة، التي ترتبط كل منها بحقبة تاريخية معينة، ولكل منها لوحة تحتوي المعلومات باللغتين العربية والإنكليزية وخريطة وصور. وبينها،

المعالم الأثرية من بقايا هلنستية ورومانية، مثل قاعدة عمود هي جزء من طريق «الكاردو» الثانوي وقاعدة حمام، بالإضافة إلى أرضية فسيفساء بيزنطية يُرجح أن تكون

جزءا من أرضية كنيسة القيامة التي تعود إلى القرن الخامس.

وتنير المحطة التالية مقابر عدة مغطاة من القرون الوسطى تعلوها أرضية مبلطة لكنيسة من القرن 12-13. ومن معالم هذه الكنيسة، حنيتان نصف دائريتين، وجداراها الشرقي

والغربي، وأعمدة ظهرت عليها بقايا رسومات جدرانية تدل على أن الكنيسة كانت كلها مطلية بالرسومات، ومنها واحدة تدل على امرأة (ربما قديسة) واقفة بين عمودين.

وهنا، في المحطة التالية، تظهر مدافن الحقبة المملوكية، حيث أبقي على قبر واحد يظهر تحت قوس أساس الكاتدرائية الحالية، لتكون المحطة النهائية مع الحقبة العثمانية،

حيث مدفن عائلي وجد عند بابه شاهد من حجر نقش عليه: «جدد هذا القبر يوسف ابن الله البرباري سنة 1761».

السفير 28 كانون الاول 2010

No comments:

Post a Comment