Friday, December 24, 2010

نجوم «فيديو» لاهاي يردّون على من يشكّك فــي المحكمة

بلمار، كاسيزي، فون هابيل وفرنسين
حوّلت المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري عملية تجميل صورتها إلى هجوم على كلّ من ينتقد إجراءاتها، ما يدعو إلى مزيد من التشكيك في صدقيتها ويكرس تسييسها
عمر نشابة
أطلقت المحكمة الدوليّة الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أول من أمس، حملة إعلانية ـــــ إعلامية عبر موقعها الإلكتروني www.stl-tsl.com. وكانت «وحدة التواصل الخارجي» في المحكمة قد وزّعت بياناً ترويجياً للحملة المرئية، معلنةً تحديث التواصل ومرحّبة بملاحظات الإعلاميين.
وقد تعدّ هذه الحملة، التي تديرها رئيسة الوحدة الصربية أولغا كافران، من أبرز إنجازات المحكمة الدولية حتى اليوم، إذ إنها، خلافاً لأي محكمة دولية أخرى، تأخرت عن جميع المحاكم الدولية في إصدار قراراتها الاتهامية التي تمهّد للمحاكمات، رغم أنها تتميّز عن تلك المحاكم بضيق اختصاصها وانحصاره بجريمة إرهابية واحدة وعدد محدود من الجرائم الأخرى فقط إذا ثبت ارتباطها بها.
وبدل أن يركّز المدعي العام دانيال بلمار، الذي يتقاضى آلاف الدولارات من أموال اللبنانيين شهرياً، على إنجاز عمله، يتلهّى بالظهور على الشاشة ليحسم بأن كلّ من يتّهم المحكمة بالتسييس إنما يخشى نتائج التحقيق.
بلمار نفسه كان قد قال في آب الفائت إن عليه أن يكون «منفتح العقل وينظر في كلّ الاحتمالات». لكن يبدو أنه غيّر رأيه وبات يحكم على كلّ من ينتقد عمل المحكمة ويعبّر عن شكوك في تسييسها بأنه يخشى انكشاف الحقيقة. يبدو أن التوتّر جعل الرجل، الذي يتولّى للمرة الأولى وظيفة في محكمة دولية، يناقض نفسه (وسنعرض في الأعداد المقبلة من «الأخبار» انقلاب بلمار على المبادئ والإجراءات التي كان قد أصرّ على احترامها في كندا قبل انتقاله إلى بيروت ولاهاي).
المتحدثون باسم المحكمة يعانون كذلك، على ما يبدو، انفصاماً في الرؤية وتناقضاً في مقاربة خصوصيات المحكمة، إذ إنهم يصفونها بأنها مثل غيرها من المحاكم الدولية، حيث تتعرّض للانتقادات وتشهد الساحة السياسية في البلد المعني بها تجاذبات حادّة لدى تقويم عملها، وهي مختلفة لأن «هذه الجريمة الإرهابية معقّدة جداً»، وكأن جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية التي ارتكبتها أنظمة أمنية وعسكرية واستخبارية ومجموعات عشائرية في جبال البلقان ووديان أفريقيا ومستنقعات كامبوديا أقلّ تعقيداً من جريمة اغتيال فردية وقعت في وسط مدينة تحت نظر الاستخبارات الدولية وسمعها.
أسئلة نجوم فيديو لاهاي وأجوبتهم لم تتناول ازدواجية المعايير التي تميّز عمل مكتب المدّعي العام الدولي دانيال بلمار، بل وفّرت الغطاء الإعلامي الذي يتيح لفريق ضابط الاستخبارات البريطاني مايكل تايلور، الذي يشغل منصب رئيس دائرة التحقيق، أن يستمرّ في عمله بعيداً عن المقاربات النقدية لهذا العمل والمشكّكة في صدقيته. ولم ير بلمار حاجة إلى تصحيح ما ورد على لسانه خلال مقابلة أجراها معه الزميل آرثر بلوك (موقع «لبنان الآن» الإلكتروني) في 31 آب الفائت، إذ أقرّ باستماعه إلى مسؤولين في حزب الله بصفتهم شهوداً، بينما رفض الإجابة عن سؤالين عن مجرّد احتمال استماعه إلى إسرائيليين أو إلى أشخاص في إسرائيل، بحجّة أن ذلك سرّ من أسرار التحقيق. ألا يفترض كذلك أن يكون الاستماع إلى حزب الله سرّاً من أسرار التحقيق أم الكشف عن ذلك مناسب لصعود نجومية بلمار لدى الأميركيين وغيرهم من المناهضين لما يهدّد أمن إسرائيل؟
قبل عرض أبرز ما ورد على لسان نجوم لاهاي، ومنهم رئيس المحكمة القاضي أنطونيو كاسيزي والمدعي العام دانيال بلمار وقاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين ورئيس مكتب الدفاع فرانسوا رو ورئيس القلم هيرمان فون هابيل والمسؤول القضائي جيروم دي هامبتين، لا بدّ من التوقف عند بعض الملاحظات بشأن توقيت حملة الـ«فيديو» والمنهجية التي اعتُمدت في ما يشبه عرضاً إعلانياً لبيع سلعة القضاء الدولي.
إنها المرة الأولى التي تطلق فيها محكمة دولية حملة من هذا النوع. فالمحاكم الدولية الخاصة بسيراليون وكمبوديا ورواندا ويوغوسلافيا السابقة لم تنشر على مواقعها الإلكترونية مقابلات مع قضاتها وغيرهم من المسؤولين يدافعون عن عدالتها ويشدّدون على عدم تسييسها.
تنطلق الحملة الإعلانية ـــــ الإعلامية لمكتب التواصل الخارجي في المحكمة الدولية بعد أيام من إعلان مرشد الثورة الإسلامية في إيران علي الخامنئي أن هذه المحكمة «صوَرية والأحكام التي ستصدر عنها باطلة». وتتزامن الحملة الإعلانية ـــــ الإعلامية للمحكمة كذلك مع المؤتمر الصحافي الذي عقده أمس النائبان في قوى 14 آذار سمير الجسر وهادي حبيش ردّاً على المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد في 7 كانون الأول الفائت، والذي عرض خلاله مع القاضي سليم جريصاتي مكامن الخلل العدلي في عملية إنشاء المحكمة ونظامها وإجراءاتها.
بعض الأسئلة الموجّهة إلى المسؤولين في المحكمة هي من النوع الموجّه (leading questions) وليس العام (open ended questions)، ما قد يدلّ على أن أحد أهداف الحملة هو الردّ على جهات طرحت شكوكاً في صدقية المحكمة عبر مراجعة إجراءاتها ونظامها وقواعدها والتدقيق في هوية موظفيها وكفاءتهم المهنية. ويمكن وصف بعض الأسئلة بالبديهية، مثل «هل يعتمد القرار الاتهامي على شهادات شهود زور؟»، فالجواب لا بد من أن يكون سلبياً، لكن الهدف من طرح السؤال هو منح بلمار الفرصة للردّ على المشككين في صدقية عمله، إذ أجاب بلمار عن هذا السؤال بالقول إنه لم يستعمل عبارة «شهود زور»، لأن ذلك يدلّ على أن «الشهود كذبوا فعلاً، وأفضّل أن أستخدم عبارة شهود لا يمكن اعتمادهم». وشدّد بلمار على أن القرار الاتهامي سيبنى على أدلّة موثوقة، وأضاف: «ظهرت بعض الشائعات التي تشير إلى أن القرار الاتهامي سيعتمد شهادات زور، لكن القضية الأساسية هي صدقية الدليل، وفي قضية إطلاق الضباط الأربعة كنت قد رأيت أن الشهود لم يتمتعوا بالصدقية الكافية». لكن بلمار تجاهل أمرين أساسيين في جوابه: أوّلاً، إن قاضي الإجراءات التمهيدية كان قد ذكر في حكمه الصادر في 29 نيسان 2009 أن «بعض الشهود غيّروا إفاداتهم، وشاهداً رئيسياً سحب صراحة أقواله ضد الأشخاص الموقوفين»، ما يعني أنهم شهود زور بغضّ النظر عن المصطلح المستخدم لوصفهم. ثانياً، تجاهل بلمار الردّ على احتمال اعتماد القرار الاتهامي أدلّة من شبكة الاتصالات الهاتفية، ما يثير شكوكاً إضافية في هذا الأمر، وخصوصاً بعدما كشف وزير الاتصالات شربل نحّاس والاتحاد الدولي للاتصالات أن هذه الشبكة مخترقة من الاستخبارات الإسرائيلية.
إضافة إلى هذا السؤال، وُجّهت سبعة أسئلة إلى بلمار وثمانية إلى كاسيزي، بينما وجّهت ثلاثة أسئلة إلى رو وخمسة إلى فون هابيل واثنان إلى دي هامبتين وسؤال واحد إلى فرانسين.
ويمكن تقسيم الأسئلة إلى ثلاث مجموعات:
1ـــــ أسئلة يراد من الإجابات عنها الردّ على حزب الله وكلّ من ينقض عمل المحكمة أو ينتقده. ووجّهت معظم هذه الأسئلة إلى بلمار ومنها: إلى من يمكن أن يوجّه القرار الاتهامي؟ فأجاب مشيراً إلى عدم اتهام حزب الله بصفته تنظيماً، إذ إن نظام المحكمة يشير إلى وجوب اتهام أفراد فقط، هم «المرتكبون الأساسيون للجريمة والذين ساعدوهم، وأولئك الذين يمكن وصفهم بالمشرفين على تنفيذ الجريمة، وأولئك الذين تقع عليهم مسؤولية تجاه المرتكبين الأساسيين». وسئل بلمار: لماذا تطول التحقيقات؟ فأجاب مبرّراً التأخير بأن القضية «معقّدة جداً، وهناك عدد من التحديات في التحقيق وفي الإجراءات»، لكنه يؤكد في الوقت نفسه أن «المدة التي نستغرقها في هذا التحقيق لا تطول عن المدة التي يستغرقها غيرنا ممن يجرون تحقيقاً مماثلاً».
2ـــــ أسئلة سياسية لتحسين صورة المحكمة، ومنها سؤال وجّه إلى كاسيزي: ما الذي يمكن أن يجنيه شعب لبنان من نجاح المحكمة؟ فجاء في جوابه الذي يتميّز بالأستذة والفوقية بحقّ اللبنانيين، أنهم «سيفهمون ثقافة المحاسبة على الجرائم». أما بلمار، فأجاب عن «ما هي أهمية المحكمة الدولية وكيف يمكن أن يستفيد منها شعب لبنان؟» قائلاً إن العديد من اللبنانيين وضعوا أملهم في المحكمة لاستعادة حكم القانون و«ليشعروا بأنهم أحرار في بلدهم».
3ـــــ أسئلة سطحية تتوافر إجاباتها لدى قراءة نظام المحكمة الأساسي (القرار 1757\2007 وملحقيه). وجّهت بعض تلك الأسئلة إلى كاسيزي وهي: ما هي الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة ومن يحدّد ذلك؟ ما هو القانون الذي تعتمده المحكمة ومن يحدّد قواعد الإجراءات والإثبات؟ ما هي هيكلية المحكمة؟ ما هو دور دوائر القضاة؟ كيف يعيَّن القضاة؟ ووجّه غيرها إلى بلمار: ما هو دور المدّعي العام؟ وإلى رو: ما هو دور مكتب الدفاع؟ وإلى فون هابيل: ما هي المراحل التي تمرّ بها المحكمة؟ وما هي قرينة البراءة وكيف تحمي المحكمة حقوق المتهمين؟
________________________________________
السيّد: بلمار يسخّف اللبنانيّين
تعليقاً على تصريح بلمار بأنّ ادّعاءات تسييس المحكمة يطلقها الخائفون من نتيجة القرار الاتهامي، رأى اللواء السيّد أن بلمار «يبسّط الأمور ويسخّف أكثر من نصف الشعب اللبناني ومعظم الرأي العام العربي والدولي الذي يرى أن العدالة الدولية هي عدالة مسيّسة، ولا سيما في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بعدما أعطت لجنة التحقيق الدولية في لبنان أبشع مثال على تسييس تلك العدالة». أمّا عن قول بلمار إنه يفضّل استخدام عبارة «شهود غير موثوقين» بدلاً من عبارة «شهود زور»، فرأى السيّد أن «هذا التلاعب اللفظي لا يغيّر من الحقيقة والوقائع والنتائج التي يعرفها القاضي بلمار جيداً، وكذلك الرأي العام اللبناني والعربي والدولي، من أن أولئك الشهود الزور كانوا نِتاج مؤامرة لبنانية وخارجية».
العدد ١٢٩٩ الجمعة ٢٤ كانون الأول ٢٠١٠
الاخبار

No comments:

Post a Comment