Tuesday, March 29, 2011

ماذا دار في كواليس الصومعة بين مي مر والحبيس يوحنا خوند؟
21 آذار 2011 هلا المرّ - "خاص النشرة"




في الذكرى الثالثة لرحيل مي مر، أود أن أكشف لكم وقائع إجتماعها بالأب الناسك يوحنا خوند، الراهب اللبناني وأحد أهم شرّاح الكتاب المقدس في الشرق من أمثال الأب بولس فغالي وكليهما مع آخرين نذروا النفس لترجمة وشرح الكلمة الحية من اليونانية والآرامية الى العربية. أنشر هذه الوقائع على طريقة موقع ويكيليكس تاركة للقراء حرية الحكم عليها.
أرادت مي مر إستكمال دراستها عن زيارات السيد المسيح للبنان والأماكن التي قصدها والأوقات التي بقي فيها.
زارت مي الحبيس برفقة زوجها الراحل الفرد، في صومعته في طاميش - عوكر بالقرب من دير سيدة طاميش، مركز الإكليريكية الصغرى للرهبانية اللبنانية البلدية المارونية.
كانت الزيارة يوم أحد بعد الظهر، في يوم حار من أيام الصيف. قرعت باب القلاية بهدوء، وظنّت أنه لم يسمعها إلا أنها سرعان ما إرتفع صوت مرنّم من الداخل فتح الباب لتدخل مي وفريدي الى كنيسة صغيرة بعدما أعطاهما أبونا يوحنا كتابا لمتابعة ترنيمة التمجيد للرب معه. وبعد صلاة صغيرة دخلا الى غرفة صغيرة فيها طاولة متواضعة وأربعة كراسي، كان الطقس حارا في ذلك اليوم وشباك الغرفة مقفلا، ربما لأن الحبيس آثر تحملَ الحر في فصل الصيف والقر في فصل الشتاء، وكانت زوادته والتي يتناولها مرة في اليوم الى جانب الحائط ولم يكن قد لمسها بعد، لأن جوعه الى خبز الحياة كان أقوى. في هذا الجو من التصوف بدأ الحوار بين مي والحبيس.
بادرت مي: أبونا كما تعرف أنا في صدد الإعداد لكتاب عن زيارات المسيح الى لبنان وبحسب دراساتي فهو أمضى نحو ألف يوم في لبنان، طبعا على مراحل وفي أكثر من زيارة له الى بلدنا، فقاطعها الحبيس كيف إحتسبتي الأيام لتصلي الى هذه النتيجة وأجابته هي بإندفاع العاشق ليسوع وللبنان: كما تعرف إن المناطق التي زارها المسيح في تلك الأيام لم تكن متقاربة، من قانا الجليل الى صور فصيدا وجوارها، وبما أن المواصلات وقتها كانت تقتصر على المشي أو التنقل على حمار أو حصان فإن إجتياز المسافات كان يحتاج الى وقت، والمسيح في تجواله كان يلتقي الناس ويبشَر ومن المتوقع أنه كان هناك أكثر من شخص يدعوه ليزوره في بيته لتناول الغداء أو العشاء وآخرون لشفاء المرضى وللإستماع الى البشرى السارة. ويبدو أن ابونا يوحنا كان يقارع علم الدكتورة وعشقها ليسوع ولبنان على حد سواء بخارطة طريق تلك الأيام وبتفاسير نهلها من كبار شراح الكتاب المقدس على ضوء الشمعة في الكثير من الأحيان عندما كان يُدرَس مادة الكتاب المقدس في جامعة الروح القدس الكسليك. بعد جدل دام نحو نصف ساعة شكرته مي بأدب وخرجت من عنده بزوادة روحية كبيرة، بعدما دخلت قلايته بحثا عن زوادة صغيرة في التاريخ والجغرافيا تضيفها الى منجمها الذي يحتوي ستة آلاف سنة من تاريخ وحضارة "فينيقيا - لبنان أرض إيل" عنوان كتابها الذي جمعت فيه مئة مقال بالعربية وأودعته وصية عند إبنها "أرز"، قبل أيام من إنتقالها الى دنيا الحق، لينشره عبر موقعه الإلكتروني: النشرة، وهو قد نفذ أحكام هذه الوصية بكل حذافيرها.
عندما يستمع المرء الى لاهوتي أو فيلسوف ينبهر وعندما يستمع الى مؤرخ يندهش بسعة أفكاره وعندما يستمع الى شاعر يُطرب، فما بالك وإنت تستمع الى مي مر وقد جمعت كل هذه المواهب، تحدثك على عظمة الخالق وعلاقته بلبنان بأسلوب يطوّع كلمة العلم بجمرة الإيمان فتشعر وأنت أمامها وكأنك في حضرة أهم فرقة موسيقية في العالم تعزف سيمفونية الحب الأزلي الذي يربط الله بلبنان.
في الذكرى الثالثة لرحيل مي مر يتنازعني شعوران، شعور الشوق الى خالة كانت بمثابة أم وأكثر، وشعور الفخر بأن أمثال مي مر لا يموتون، فمي المؤمنة قد إنتقلت كحبة القمح الى سنبلة تنمو في حضرة الخالق الأزلي بشركة القديسين ومنهم شربل ورفقا ونعمة الله والاخ اسطفان والاب يعقوب... ومي خالدة في أرض تورالجبيلي و قدموس وعشتروت وادونيس وموخوَس وجبران خليل جبران وشارل مالك... أراها أرزة في الغابة المقدسة، وأحيانا أراها أرزة في علم بلادي.

No comments:

Post a Comment