Friday, March 25, 2011

ما بعد «الثرثار الكبير» «ويكيليكس»... ليس كما قبله
ملاك عقيل
صدقت توقعات مرافق النائب. على مدى أشهر تابع باهتمام تسريبات موقع «ويكيليكس». يومياته مع ممثل الامة النشيط كانت تفرض عليه «فلفشة» صفحات الجرائد في ساعات
الانتظار الطويلة ريثما ينهي «سعادته» زيارة هنا وواجب عزاء هناك وطبعا جلسات «قطع النفس» في مجلس النواب.
صاحب العضلات المفتولة مولع بالكلمات المتقاطعة، وعادة ما يفتش عن خبر فني مثير في «كومة قش» الاخبار السياسية المضجرة، ومن المسلّمات ان يسقط من اهتمامه متابعة
نشاطات «معلّمه». مؤخرا فقط، تربّعت فضائح «ويكيليكس» على عرش اولوياته، بات من القراء المخلصين لوثائق جوليان اسانج. بحكم المهنة والخبرة، مرافقو النواب يعرفون
اسرار اسيادهم المسائية والصباحية، السرية وغير السرية، السياسية وغير السياسية... لم يتفاجأ اذاً بما قرأه وسمعه عن زملاء ومعارف «معلّمه»، ما دام انه الجزء
الخفي من اللعبة، وساعات الملل المشتركة مع رفقاء الدرب في «الشوفرة» لنواب الامة تحوّلت الى صندوق اسرار وسجل حافل بخبريات مثيرة عن يوميات سرية... ليست كاليوميات
المعلنة.
ما فاجأ مرافق «سعادته» فعليا هو عدم ورود اسم وليّ النعمة على لائحة فضائح «ويكيليكس». منذ اشهر والمرافق يطلق الرهانات بأن الكارثة ستقع في اي لحظة. وهكذا
كان.
منذ ايام «فرقع» اسم النائب النشيط في سماء المغضوب عليهم «ويكيليكسيا». لم يكن الامر مجرد توقعات في الهواء. فكاتم اسرار نائب الامة كان يتولى شخصيا، بمفرده،
ايصال «سعادته» قبل خمس سنوات الى مقر السفارة الاميركية في عوكر، مع اوامر صارمة بالتكتم «لا يجب ان يعرف احد بالموضوع... حتى المعلّم الكبير!».
وللتوضيح، فان النائب المذكور هو نفسه من دأب في سنوات الفرز والانقسام بالايحاء بانه لا يعرف ممثلي «العم سام» الا بالصورة، ومن بعيد لبعيد في المناسبات الاجتماعية
الصرف. مصيبته لا تنحصر فقط في انكشاف جلوسه وجها لوجه مع جيفري فيلتمان واسداء النصح له بما يتعارض مع توجهات قيادته السياسية، انما في عجزه عن الدفاع عن نفسه.
فقبل ان تصل الموسى الى الذقن، كان يتبنّى قلبا وقالبا كل اتهامات «ويكيليكس» ضد خصومه السياسيين، ويبني عليها استراتيجية الهجوم والتحجيم. انما وقد اصبح عضوا
في النادي، فان بيان التــوضيح الذي اصدره زاد في طين ازمته بلّة. وبدلا من ان يكحّلها عماها...
وصُدف ان اسانج لا يعرف كبيرا ولا صغيرا في موقعه المثير للجدل. هو غير معني اطلاقا بسقوط ورقة التوت عن قامات تنتشي بحب النميمة و«التبييض» في الغرف المغلقة.
هكذا كان على نواب ووزراء ومسؤولي البلد الصغير ان «يقلّعوا شوك» انفصام شخصياتهم بأيديهم، ويتعاطوا مع «الثرثار الكبير» بكثير من الواقعية: ما بعد «ويكيليكس»
ليس كما قبله... ودخول مقر اي سفارة، ان كانت سفارة الدولة العظمى في العالم او سفارة «بلاد الماو ماو»، بات يحسب له حساب. من الآن وصاعدا سيخضع سياسيو الصف
الاول والثاني والثالث... انفسهم لدورات تدريبية قاسية في الانسجام مع الذات وضبط اللسان والالتزام بالمبادئ والتقليل من نزعة تقديم اوراق الاعتماد طمعا بكسب
ثواب اهل السفارات، وهو امتحان صعب بمعايير السياسة والسياسيين اللبنانيين المدمنين للثرثرة السياسية..
في بدايات المسلسل الفضائحي نامت قيادات قوى الثامن من آذار على وساداتها مرتاحة البال. مسار العاصفة كان بعيدا عن مدارها. كأن «الأخ الأكبر» يوجّه «عن بعد»
حمم بركانه باتجاه «المتآمرين» على المقاومة وسلاحها فقط. استساغت اللعبة الى حد انها «عاشت الحالة» بكل افرازاتها. «ويكيليكس» واحد منا، مناصر لقضيتنا، وقلمه
لن يسجّل محاضر دردشات الكواليس العابرة وان كانت صادقة الى ابعد الحدود... لكن لاحقا تبيّن ان مالك الموقع «ليس له صاحب»، لا يفرّق بين 8 و14 آذار، ولا يبدي
تعاطفا مع من اسودّت وجوههم امام هول سقوط الاقنعة المزيفة.
ومن يرصد عن قرب سطور الوثائق المنشورة وبيانات التوضيح والردّ، يسهل امامه فصل الخيط الابيض عن الاسود. قلّة قليلة تفاخر بأنها من اصحاب الخطاب الواحد في العلن
وفي السر.
رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع واحد من هؤلاء الذين يروّجون لمناعتهم ضد السياسة الحربائية، وان كانت المحاضر المسرّبة فضحت ما قاله
للسفيرة الاميركية السابقة ميشيل سيــسون بأن «ميقاتي افضل من الحريري».
النائب وليد جنبلاط يضطر للمرة المئة الى التذكير بتلك «العلامة السوداء» في حياته السياسية. يحرّك «ويكيليكس» الجرح الجنبلاطي مجددا، ويؤكد المؤكّد في شخصية
زعيم المختارة. «البيك» لا يناقش في صحة المكتوب، لكن لا بأس من استغلال الفرصة للتذكير بنضالات الحزب التقدمي الاشتراكي في مقاومة مشاريع التقسيم والاحلاف
الغربية ودعم المقاومة.
الرئيس فؤاد السنيورة يصف تسريبات «ويكيليكس» على غزارتها وقربها من العقل الباطني لـ«دولته»، بالتلفيقات، لكن مكتبه الاعلامي وجد صعوبة حقيقية في الرد على
رأي رئيس جهاز الموساد الاسرائيلي مائير داغان به «هناك ضرورة لان نجد الطريقة المناسبة لدعم حكومة السنيورة، فهو رجل شجاع فيما سوريا وايران تعملان ضده».
وكان على النائبة نايلة معوض التي رأت ان «نجم» الرئيس سعد الحريري قد «افل» والعماد ميشال عون «محتال» والسنيورة «قائد وطني حقيقي»، ان تنقم على عبقرية اسانج
الذي كشف للشعب اللبناني «فوبيا» الوزيرة السابقة من اختلاط «الطوائف غير المعتادة على العيش مع طوائف اخرى» (خلال حرب تموز).
«الست نايلة» تساوت في ذلك تماما مع البطريرك نصر الله صفير الذي عبّر أكثر من مرة امام السفير الاميركي عن قلقه من «الشيعة المهجّرين الذين يبحثون عن مأوى
في بيروت وجبل لبنان، وضرورة عودتهم الى مناطقهم».
واذا كانت دردشات قيادات 14 آذار مع ممثلي الدبلوماسية الاميركية في عوكر انتظرت فقط وثائق ممهورة بختم السفارة لتبصم على صدقيتها، على اعتبار ان المكتوب في
خطابات صقور «ثورة الارز» معروف العنوان و«الجينات»، فإن «ثرثرات» المحسوبين على خط المقاومة في غرف السفارة احدثت صدمة في بيت الأكثرية الجديدة.
هو نفسه جبران باسيل في الرابية كما في عوكر. لم يضطر الى الدفاع عن النفس ما دام نقل حرفيا إلى الأميركيين موقف العماد ميشال عون من المقاومة وحرب تموز. «غلطة»
ابراهيم كنعان وفريد الخازن بألف. لم يجمّلها لا التوضيح الصادر عنهما ولا التدخل السريع لـ «الجنرال» للتخفيف من ثقل المفاجأة غير السارة، فعون لم ينف ما تفوّه
به نائبا «تكتل التغيير والاصلاح»، مذكّرا بتحمّله مسؤولية «ورقة التفاهم»، ومتراجعا في دفاعاته إلى الخط الأحمر بقوله «على الأقل لم يشترك احد منا بالتحريض
على «حزب الله...».
حتى في محيط الرئيس نبيه بري وجد من يعكس الرأي الآخر في عين التينة. الاقوال المنسوبة الى علي حمدان مستشار بري للشؤون الخارجية، لم تقابل برد مضاد على مستوى
التصريحات الفاقعة... ولا حتى برفع دعوى. الأمر نفسه يسري على وثيقة محمد جواد خليفة التي حاول كثيرون قراءتها أكثر من مرة للتأكيد ما اذا كانوا يقرأون نصا
حقيقا أم «شكسبيريا»؟
كثر «الويكيليكسيون» والنتيجة واحدة. سياسيونا «بوجهين» وأكثر. للمنابر خطاباتها، وللسفارات تعابيرها ومفرداتها، وللأحاديث الجانبية «مفاتيحها»، وللغرف المغلقة
شيفرتها الخاصة... خليط من التناقضات يرسم شخصية من أوكلوا إدارة دفة البلد. فوج اول وثان وثالث، والبقية تضع يدها على قلبها خوفا من ان «يشمسها» كاشف الاسرار
والخفايا. تبدو الصورة مشابهة لما علق في الذاكرة من «عشرة عبيد صغار». كل آت دوره. ولا خيمة فوق رأس احد الا اولئك الذين اما ينتمون الى معسكر مقاطعة السفارات،
او الذين لا يتقنون سوى لغة واحدة مع ممثلي «العم سام».
السفير

No comments:

Post a Comment