Friday, March 25, 2011

عبد المنعم وحلم البقاء فـي وزارة الاتصـالات!
حسن الحاف
ليست وزارة الاتصالات استثناء بين المؤسسات اللبنانية العامة. وزير بصلاحيات مسلوبة قسراً، ومدير عام بصلاحيات استثنائية لا يحدّها سقف ولا ينظّم عملها قانون
جليّ. وهو، أي المدير، ينازع الوزير في الوقت عينه على حقه في ممارسة سلطاته المتبقية.. سهواً.
ذلك كله يحدث، بحسب العارفين، لا بقوة القانون طبعاً، إنما بقوة التسيب المتجذر منذ عقود في بنى الدولة وقد بلغ مبلغاً لا يُدانى إلا في قلة قليلة من «جمهوريات
الموز» الموزعة على أربع جهات الأرض.
حالة عبد المنعم آسرة، في هذا المجال، بوصفها تكاد ترقى إلى مصاف الظاهرة. ظاهرة عامة في بنية مؤسسية شديدة الانشطار. بنية تكاد تعاني من شلل تام وعجز متراكم.
فقد منحته الدولة اللبنانية صفتين. صفتان فعليتان لا فخريتان، ومرتبطتان عضوياً. الأولى مدير الاستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات المكلفة بتوقيع العقود والإشراف
على تنفيذها مع الأطراف والجهات المعنية، لا سيما منها مع هيئة «أوجيرو» ذات الشخصية المالية والمعنوية المستقلة. والثانية، تربّعه على كرسي مدير عام هيئة «أوجيرو»
بالوكالة منذ العام 1995.
بذلك يكون عبد المنعم قد أناط بنفسه (أو بالأحرى أنيطت به، لا فرق!) مهمتين كبريين. مهمتان تحتاجان إلى لا أقل من «عصا موسى» السحرية بغية النجاح فيهما كل واحدة
على حدة طبعاً، فكيف بالاثنتين معاً. بعبارة أخرى، لقد انتدب عبد المنعم ذاته، من فرط ثقته بها، لمراقبة ذاتها كي لا يغرّد أحد بعيداً منه بطبيعة الحال.
بيد أن عبد المنعم لم يكتف بذلك فحسب. فطموحه، بحسب من يعرفونه عن كثب، لا يعرف حدوداً. فإذا تعذر الإتيان به وزيراً، جعل نفسه بنفسه في منزلة الوزير، ولو كره
الكارهون.
لقد عمل طوال فترة توليه مناصبه - بحرفية فذة ودهاء لا يضاهيان - على مدّ شباك هيمنته على كل مؤسسة من مؤسسات وزارة الاتصالات، وعلى كل هيئة من هيئاتها. أحكم
قبضته على مفاصل الوزارة بشكل يصعب معه إدارة القطاع من دونه. ربط كل شيء به وبتوقيعه حتى في أصغر التفاصيل وأقلها شأناً. نصّب نفسه إلهاً معبوداً لا تردّ أحكامه،
ويحلف الجميع بحياته.
لم يكن سلوك عبد المنعم إزاء تعيين وزير الاتصالات شربل نحاس مديراً لمديرية الصيانة (غسان ناصر) بعدما ظل المركز شاغراً لفترة طويلة، إلا ترجمة حرفية لما تقدّم
أعلاه. فقد رفض عبد المنعم التعيين بذريعة عدم التزام نحاس بالقوانين الناظمة للعلاقة بين المدير العام للمديرية والوزير. فأخفى مفتاح المكتب عن ناصر، مانعاً
إياه من تسلم مهام منصبه الجديد، ما اضطر ناصر إلى خلع القفل وتركيب قفل بديلاً منه غصباً عن عبد المنعم(!).
أما «اوجيرو»، فينصّ التعريف الوارد على الموقع الالكتروني الخاص بها على أنها «أنشئت في العام 1972، بهدف إدارة شركة «راديو أوريون» (أُنشئت في أوائل القرن
العشرين)، واتّصالاتها عبر التلغراف والاتّصالات التحت بحريّة وبهدف تشغيلها. وتملك الحكومةُ هيئة أوجيرو بنسبة مئة في المئة وتعمل تحت إشراف وزير الاتّصالات».

ويضيف التعريف «يتضمّن الدور الذي تلعبه هيئة «أوجيرو» اليوم عمليّات تشغيل شبكة الاتّصالات الثابتة في لبنان وصيانتها وإدارتها وبيع خطوطها وتسويقها وإعداد
الفواتير الخاصة بها».
ليس لعبد المنعم أيّة مشكلة مع هذا التعريف سوى في نقطتين اثنتين. تلك التي لا «ترسمه» وزيراً بالفعل، لا بالقوة فحسب، والنقطة الثانية ما يتصل بوضع الهيئة
تحت إشراف الوزير.
فرّق تسُد!
قبل مدة دخل عبد المنعم على خط «الثورات العربية»، فأراد خلق «ميدان تحرير» جديد في الوزارة، عبر تحريض نقابة موظفي ومستخدمي «اوجيرو» ضد «الدكتاتور» و«الطاغية»
شربل نحاس بتهمة تجفيف الموارد المالية للهيئة، ما يضعها على حافة الإفلاس... الأمر الذي يهدّد بدوره، ديمومة المؤسسة بما تمثله من مرفق حيوي متنوع الخدمات،
فضلاً عن تهديد الموظفين في استمرارية وظائفهم ورواتبهم.
رفض موظفون ممارسات عبد المنعم الفئوية في الوزارة، واعتماده سياسة «فرق تسد» بينهم. علاوة على محاولاته الدؤوبة لجر النقابة من خلال بعض أزلامه إلى مواجهة
مع الوزير ذات طابع سياسي لا دخل لهم بها، لا سيما ما يتصل بطبيعة الشروط التعاقدية بين الوزارة و«أوجيرو».
تحولت قضية الرواتب الى تمرد منظم من قبل عبد المنعم ضد قرار الوزير إلغاء بند مساهمة رواتب موظفي القطاع العام العاملين في «أوجيرو» من موازنة الوزارة، وإدراجه
في العقود الموقعة مع الهيئة بدلاً من ذلك. وهو ما يضع حدوداً ونواظم دقيقة لإدارة مالية «أوجيرو»، وبما يسحب أعناق الموظفين من تحت رحمة وسياط «الحاكم بأمر
الله».
أما بداية القصة فاتصال أجراه عبد المنعم قبل أيام بنقيب موظفي ومستخدمي «أوجيرو» عاطف مكرزل حاضاً إياه على تحريض العمال على التحرك والاعتصام ضد الوزير و«قراراته
الجائرة بحق الموظفين». و«النقيب»، المحسوب على عبد المنعم، لا يرضى، كما يقول بعض عارفيه، بأقلّ من امتيازات ملكية (سيارة، تلفون، مركز الخ...).
طلب عبد المنعم من مكرزل تحريض الموظفين على رفض المسّ بتعويضات نهاية الخدمة التي يطالب نحاس باستخدامها لدفع رواتب الموظفين، درءاً لاحتمال اللجوء إلى استصدار
مرسوم جوال مرفوض من قبل نحاس. وقد لجأ عبد المنعم إلى ديوان المحاسبة طلباً للمشورة في ما إذا كان جائزاً استخدام أموال تعويضات نهاية الخدمة لتأمين بعض المصاريف
التشغيلية من دون الإتيان على ذكر مسألة رواتب الموظفين. وجاءه الردّ من الديوان على غير الصورة التي كان يشتهيها وأن لا مجال لاستخدام الأموال لسبب كهذا.
في ضوء ما تقدّم يبقى السؤال عن الأدوات التي يسيطر عبد المنعم عبرها على الهيئة؟
قد يبدو الجواب عن السؤال سهلاً للوهلة الأولى. لكن ما أن تبدأ عملية النبش حتى تتكشّف حقائق تأبى المخيلة، مهما كانت خصوبتها، أن تتقبّلها. لكأن شبكة سيطرة
عبد المنعم عصية على التفكيك. تنتشر على كل المداخل (الحرس!) وفي كل الأروقة (كاميرات مراقبة). ومن يعلم ربما في سمّاعات بعض الهواتف، كما يردّد بعض العالمين
بخفايا الأمور... وبالطبع لن يعدم عبد المنعم من يرفع له السماعة كي يسترق السمع (و. ب. مثالاً).
أما المنافع التي يشتري بها عبد المنعم الولاء فلا أقل من تزويدهم بجداول دوامات، فضلاً عن سيارات وتليفونات وساعات عمل إضافية. والبعض، يتقاضى «بدل عمل إضافي
مقطوع» يتراوح بين 800 ومليون و800 ألف ليرة، تتفاوت بحسب رتبة المستفيد!
يردّد بعض الظرفاء أن عبد المنعم داوم في الآونة الأخيرة على زيارة أكثر من عرّاف ذائع الصيت. يحاول جاهداً استطلاع هوية الوزير الجديد. بيد أن الجواب على تساؤلات
عبد المنعم جاء واحداً في كل الحالات. فأعتمت الدنيا في وجهه. ما اضطره في كل مرة لزيارة عرّاف جديد مشككاً في كفاءة وجواب العراف القديم.
قيل له إنه إذا ما تشكلت الحكومة الجديدة فسيكون أمام خيار وحيد لا ثاني له. عليه أن يحمل مفتاح مكتبه بيده اليمنى ويبدأ بالركض من دون أن ينظر خلفه!
السفير

No comments:

Post a Comment