Friday, March 25, 2011

بعدما فشل الحريري للمرة الثانية في تمرير مخالفة «المراسيم الاستثنائية»استثمار خلاف «الاتصالات ـ أوجيرو» سياسياً يفشل.. والحل «عقد التراضي»
ايلي الفرزلي
أن يدق نائب ينتمي إلى أكبر كتلة نيابية ناقوس الخطر، معلناً أن البلد، بمرافقه كافة، مهدد بالشلل، من جراء «تعنت وزير الاتصالات»، أمر يستدعي التوقف عنده، لا
بل يحتاج إلى استنفار عام. وأن لا يرد وزير الاتصالات على ما يثار، معتبراً أنه ليس أكثر من كلام سياسي يراد منه التهويل على الناس، فهذا كلام يكشف، لو كان
صحيحاً، فداحة ما وصل إليه الخطاب السياسي، الذي أباح لنفسه، في سبيل غاياته، تعريض مصالح الناس ومستقبلهم للخطر، عبر التهويل عليهم والإيحاء بأن البلد مهدد
«بكارثة تكنولوجية».
أصل المشكلة التي استدعت استنفار كتلة «المستقبل» وقبلها النائب غازي يوسف، ليس جديداً، وإن كان آخر فصولها برز مع نهاية الشهر المنصرم، حيث نفدت سلفة الخزينة
(100 مليار ليرة) التي كانت وزارة الاتصالات تغطي من خلالها نفقات هيئة أوجيرو. وهو ما استوجب إيجاد حل بديل للدفع، ما دامت الحكومة لا تزال في مرحلة تصريف
الاعمال حيث يستحيل معها طلب الوزير لسلفة خزينة.
قبل الخوض في تفاصيل الاقتراحات التي قدمها وزير الاتصالات شربل نحاس، علمت «السفير» بأنه في موازاة حملة «المستقبل» على نحاس، وجه رئيس هيئة أوجيرو عبد المنعم
يوسف كتاباً إلى كل من الرؤساء الثلاثة ورئيس لجنة الاتصالات النيابية حسن فضل الله، يحذر فيها من «مخاطر توقف المرفق العام للاتصالات وتوابعها نتيجة العجز
المالي الذي وصلت إليه هيئة أوجيرو جراء قرارات الوزارة إنهاء العقود مع الهيئة من طرف واحد». وتضمنت الرسالة عبارات غير مناسبة يتطاول فيها يوسف على نحاس،
وزير الوصاية على الهيئة التي يرأسها.
وبدلاً من اكتفائه بعرض المشكلة وطلب حلها من المعنيين، اقترح يوسف في المذكرة المؤرخة بتاريخ 15 الشهر الحالي، اللجوء إلى مرسوم استثنائي تُعطى وزارة الاتصالات
بموجبه سلفة جديدة، تسدد من خلالها أموال الهيئة.
مروحة الاتصالات لم تتوقف منذ استلم الاطراف المعنيون رسالة يوسف. اتصالات مكثفة شملت الرؤساء الثلاثة ووزير الاتصالات ورئيس لجنة الاتصالات النيابية، وديوان
المحاسبة، الذي قام بالتنسيق بين الوزارة والهيئة للوصول إلى صيغة قانونية تنهي المشكلة. وبالفعل توصل بالاتفاق مع الأطراف المعنية إلى حل يفضي إلى إجراء «عقد
مصالحة». لكن، كون عقود كهذه يتم اللجوء إليها عادة لتشريع مخالفة ما، فقد اتفق على تبني اقتراح نحاس «انطلاقاً من مبدأ تحقيق الأولويّات»، بأن تدفع الهيئة
رواتب الموظفين (7 مليارات ليرة) من المبالغ التي تحتفظ بها بوصفها مؤونات لفروقات تعويضات نهاية الخدمة التي تقدر بـ 28 مليار ليرة (أوجيرو هي الهيئة الوحيدة
بين المؤسّسات الرسميّة والخاصّة، التي تحتفظ بمثل هذه المؤونة!)، متعهداً بدفع المبلغ بمجرد إبرامه قانوناً من قبل ديوان المحاسبة.
وبعدما كان من المفترض أن يطوى الملف عند هذا الحد، حل ما لم يكن بالحسبان: اتصل الرئيس سعد الحريري برئيس ديوان المحاسبة رافضاً للاتفاق، فأعاد المشكلة إلى
الدائرة الاولى. الحريري كان مصراً على أن الحل يكون بإصدار مرسوم استثنائي يوقعه مع رئيس الجمهورية لإعطاء سلفة 100 مليار ليرة للوزارة، بحيث تتابع الدفع للهيئة
بحسب الصيغة الموقتة المعمول بها منذ آب الماضي.
وهذه الخطوة الحريرية لم تكن الاولى من نوعها، فقد سبق وحاول القيام بالامر نفسه عندما طرحت مسألة تخفيض سعر المحروقات. وفي الحالتين، تشكل هذه الخطوة سابقة
خطيرة، تذكر بالمراسيم الجوالة التي كانت تصدرها الحكومة في عهد الرئيس أمين الجميل. وتعني هذه الآلية، لو تحققت، أن أي اتفاق بين رئيس الجمهورية والحكومة يمكنه
أن يطيح بكل الضوابط، لا سيما ان معارضي هذا الاقتراح ومنهم رئيس لجنة الاتصالات حسن فضل الله، يؤكدون أن اقتراحا كهذا لا يمكن دستورياً تنفيذه حتى في ظل حكومة
شرعية كاملة الصلاحية، لا سيما أن اتافق الطائف أكد أن مجلس الوزراء مجتمعاً هو صاحب الصلاحية في إقرار مراسيم السلف، فكيف إذا كانت الحكومة في ظل تصريف الاعمال؟

ومع تعطيل الحريري للحل القانوني الذي كان متفقاً عليه، نقل الموضوع برمته إلى النزاع السياسي الذي يحكم البلد. على الأثر أطلق غازي يوسف حملته المركزة على
وزير الاتصالات، مهولاً على اللبنانيين بأن البلد سيصاب بالشلل إذا لم يتراجع نحاس عن مواقفه. وهو ما فسره متابعون للملف، بأنه جزء من محاولات الحريري للتمسك
بالسلطة التي سحبت منه، وكذلك ضمن معركته الشخصية مع الوزير نحاس، التي توجها في إحدى الجلسات الأخيرة لمجلس الوزراء، عندما قال له «بفرجيك». كما حذر هؤلاء
من أن اعتماد الكيدية في مسألة تقنية سيقود حكماً إلى تخريب قطاع الاتصالات.
الوزير نحاس، الذي رفض خلال الأيام الماضية الرد على الحملات التي تستهدفه، «قبل التوصل إلى اتفاق ينهي هذه الأزمة المفتعلة»، أكد لـ«السفير» أن الحل يراعي
الضوابط القانونية، متوقعاً أن يعلن عنه رسمياً غداً السبت. واعتبر أن هذا الحل سيضع حداً للتهويل والتهديد المفتعل، مشيراً إلى أن موظفاً واحداً لن يستطيع
عرقلة مصالح موظفي أوجيرو أو أخذهم رهائن.
وفيما تعذر التواصل مع عبد المنعم يوسف أو غازي يوسف، أكد رئيس لجنة الاتصالات والاعلام النيابية حسن فضل الله أن الجهد كان منصباً على إيجاد معالجة قانونية
لهذا الموضوع التقني، لما فيه مصلحة القطاع والعاملين فيه. وانتقد تسييسه ومحاولة استغلاله سياسياً وإعلامياً، في الوقت الذي كانت المعالجات ممكنة من خلال المؤسسات،
عبر الاتفاق الذي كان مبرماً. كما رفض محاولة تسجيل سوابق في موضوع مالي (السلف) من صلاحية مجلس الوزراء مجتمعاً، في مخالفة لكل الأصول القانونية. ومن خلال
العمل الجاري، «توصلنا إلى معالجة الموضوع قانوناً، للوصول الى حل يؤمن استمرارية القطاع وخدماته للمواطنين».
وفي المعلومات المتوفرة أن الاتجاه سيكون نحو تبني ديوان المحاسبة للاقتراح الذي تقدم به نحاس ويقضي باعتبار التكليف الصادر عن الوزارة لهيئة أوجيرو بتنفيذ
مهام الصيانة والإدارة في القطاع منذ 31 تمّوز 2010، بمثابة عقد رضائي، على أن تتولى الوزارة نفسها تسديد الكلفة الفعلية الكاملة التي تتكبدها الهيئة بنتيجة
تنفيذ الأعمال الموكلة إليها من جانب الوزارة، وذلك بناءً على كشوف شهرية مفصّلة تتضمّن الأجور والرواتب والملحقات والمشتريات، إضافة إلى النفقات والأكلاف الأخرى.

وحول إمكان رفض يوسف للحل، أكد متابع للملف أن قرار الديوان هو قرار قضائي ملزم وفي حال رفضه سيكون يوسف مضطراً للحصول على إجازة إدارية، فيما الحل الآخر المتوفر
أمامه هو التنفيذ ثم الاعتراض وفق الأطر القانونية.
المشكلة برمتها كانت قد نشأت في النصف الاول من العام الماضي. فأثناء إعداد موازنة العام 2010 اتفق نحاس مع وزيرة المال ريا الحسن على تعديل طرق تغطية نفقات
أوجيرو من قبل وزارة الاتصالات. وبعدما كانت هذه النفقات تقسم إلى بندين: الأول متعلق بمساهمات تغطي أجور الموظفين، والثاني يغطي عقود الصيانة والتوصيل، اتفق
الطرفان على أن تلغي وزارة الاتصالات بند المساهمات، في مقابل مادة تكلف وزارة الاتصالات بموجبها الهيئة بمهام في مقابل عقود تبين الكلفة الفعلية لأداء هذه
المهام، بما يسمح للوزارة بالتدقيق اللاحق.
وبالرغم من موافقة وزيرة المال على هذا الاقتراح قدمت الموازنة العامة غير متضمنة لهذه المادة، من دون أن تأخذ بعين الاعتبار أن نحاس ألغى بند المساهمات بحسب
اتفاقهما. فكانت النتيجة أن لا بند يغطي الرواتب، والبند الآخر يشمل فقط عقود الصيانة والتوصيل، ولا يكفي لتغطية كل الاكلاف.
في نهاية تموز الماضي، مع اتخاذ الحكومة قراراً بالإنفاق على أساس موازنة العام 2010، قدم نحاس صيغة عقود جديدة مع الهيئة رفضها يوسف. الحل البديل الذي أرساه
نحاس قضى بأن تقدم الهيئة بيانات شهرية تبيّن فيها أكلافها الفعليّة، وعلى أساسها تُسدّد الوزارة، بعد التدقيق، المبالغ اللازمة من سلفة الخزينة التي وافق مجلس
الوزراء على تقديمها وتبلغ قيمها 100 مليار ليرة. هذا الأمر أزعج المدير العام للهيئة والفريق الذي يدعمه، الى درجة أنّ كل الحلول المقترحة، خارج حلقة «المرسوم
الاستثنائي»، رفضت بالكامل.
مرت الأشــهر والصــرف يتــم وفق الآلية نفسها إلى أن نفــدت السلفة، كما تبين سابقاً، آخر الشـهر الماضـي، ولا تزال الحكــومة مستقيلة. فبرزت الأزمة إلى السـطح،
وأوحـي ان كل القــطاعات في البــلد ستصاب بالشلل لو لم يرضخ وزيـر الاتصـالات.
السفير

No comments:

Post a Comment