Saturday, April 30, 2011

قائد الجيش انضمّ إلى سعاة تذليل عقدة الداخليّة
30 نيسان 2011 نقولا ناصيف - "الأخبار"




ما إن تُطرح أفكار لإنهاء تعثّر تأليف الحكومة حتى تخفق للتوّ، تحت وطأة الشروط الحامية، غير القابلة للمساومة والتوسّط والتسوية. باتت حقيبة الداخلية باباً على التأليف، والرئيسان ميشال سليمان وميشال عون يملكان، وحدهما، المفتاح.
ثلاثة تطورات تلاحقت في الساعات الثماني والأربعين الأخيرة، بدت متلازمة في اتجاهاتها. أحدثت خرقاً مثيراً للاهتمام من أكثر من اتجاه، غير متوقّع أحياناً، في الجمود الذي لا يزال يضرب تأليف الحكومة. إلا أن أياً من التطورات الثلاثة تلك لم يُفضِ إلى نتيجة إيجابية أو ملموسة:
أولها، كلام سمعه من رئيس الجمهورية ميشال سليمان بعض زوّاره، كشف فيه أن الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، في زياراته المتكررة له منذ تكليفه قبل أكثر من ثلاثة أشهر، في السرّ وفي العلن، لم يعرض عليه شفوياً ولا خطياً في أيّ منها مسودة تشكيلة حكومية، ولا اقتراحاً بتوزيع الحقائب، بما في ذلك حقيبتا الدفاع والداخلية، اللتان يطالب بهما الرئيس. قال سليمان إن كل ما يُشاع في وسائل الإعلام عن عروض حملها ميقاتي إليه، أو أعدّ مسودة أو اثنتين لتشكيلة حكومية لا صحة له، وإن رئيس الجمهورية ينتظر أن تقع المسودة بين يديه كي يضطلع بصلاحياته الدستورية، ويبدي موقفه في ما يُعرض عليه تمهيداً لتأليف الحكومة.
أضاف لزوّاره إنّ الرئيس المكلف كان يحضر إليه كي يطلعه على نتائج اتصالاته واجتماعاته مع الأفرقاء المعنيين، عن قرب أو عن بعد، بالتأليف، ويقصر اللقاءات تلك على هذا الجانب، من غير أن يقدّم إلى سليمان صيغة يحدّد فيها ميقاتي مقاربته لتأليف الحكومة. إلا أن سليمان لفت زوّاره هؤلاء إلى ضرورة الأخذ في الاعتبار مقاربته هو أيضاً للتأليف، الذي يقتضي أن يتّبع معايير يتمسّك رئيس الجمهورية بها. لا يبدأ دوره إلا عند انتهاء دور الرئيس المكلف، لكن التأليف مسؤوليتهما المشتركة.
ثانيها، حصول أول اجتماع بين رئيس الجمهورية والمعاون السياسي لرئيس المجلس نبيه برّي النائب علي حسن خليل والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله الحاج حسين الخليل. وكانا قد حصرا إدارة مشاركتهما في التفاوض على تأليف الحكومة بالرئيس المكلف وزيارات كانا يقومان بها معاً، أو أحدهما، لدمشق، إلا أنها المرة الأولى التي يقصدان فيها رئيس الجمهورية للبحث معه في مأزق التأليف، رغم تيّقنهما من أن الدور ينحصر حالياً في ميقاتي إلى أن يصوغ تشكيلة حكومية قابلة للبحث مع رئيس الجمهورية. وفتحت زيارة البارحة باباً على التساؤل عن توقيتها ومغزاها، وهل يعدّ المفاوضان رئيس الجمهورية شريكاً رئيسياً في تأخير التأليف، وتالياً مسؤولاً عن استمرار المأزق، أم توخّيا مناقشته في تعثّر الرئيس المكلف للاستنجاد به بغية حلّ المشكلة. ومع أن الزيارة لم تؤدِّ إلى نتيجة تذكر سوى إلى ما سمعه الرجلان من سليمان عن مراقبته جهود التأليف، وجد متابعون لتلك الجهود أنها أوجدت عنواناً إضافياً لتحريك التفاوض على ختم هذه المشكلة.
ثالثها، وهو الأبرز، دخول قائد الجيش العماد جان قهوجي، للمرة الأولى، على خط التفاوض على التأليف عندما دُعي، الخميس الماضي، إلى الانضمام إلى المساعي المبذولة لتذليل العراقيل من طريق إبصار الحكومة النور. كان الرئيس المكلف أول مَن حضّ قهوجي على المساعدة، في ضوء اقتراح قال بحلّ وسط لحقيبة الداخلية ـــــ التي لا تزال في الظاهر على الأقل العقبة الكأداء ـــــ يُخرجها من التصلّبين المستحيلَي التذليل: إصرار رئيس الجمهورية على الاحتفاظ بها من خلال الوزير زياد بارود، وإصرار الرئيس ميشال عون على انتزاعها من سليمان ووضعها في التيّار الوطني الحرّ.
في ظلّ هذين العنادين، طُرح اقتراح بتوزير ضابط حالي في الحقيبة يُنهي المأزق، وسُمّي لها العميد بول مطر، كاسم متداول في أوساط مغلقة، وغير نهائي. عندئذ دُعي قائد الجيش إلى الاضطلاع بدوره، مشاركاً في المساعي، لكون المرشح للمنصب ضابطاً في المؤسسة العسكرية.
قيل لقهوجي أيضاً بوضع لائحة من أربعة إلى خمسة ضبّاط يمكن إحلال أحدهم في حقيبة الداخلية، ويصار إلى الاتفاق مع سليمان وعون على بتّ نزاعهما حولها عبر توافقهما على الضابط الذي سيحلّ فيها. عزّز سعيه لدى قائد الجيش اعتقاد الرئيس المكلف، في ضوء اقتراحات عدة أثيرت في الأيام العشرة الأخيرة عن تبديل في توزيع الحقائب السيادية تارةً، وعن إبدال في مذاهب بعضها طوراً، أن رئيس الجمهورية ربما يكون صار أكثر قابلية واستعداداً من ذي قبل للتخلي عن بارود والقبول بمرشح سواه للحقيبة، من غير أن يتخذ رئيس الجمهورية فعلياً هذا الموقف، ولا قال في السرّ والعلن إنه يميل إلى إبعاد وزيره عن حقيبة الداخلية أو لديه مرشح سواه لها.
قصد قائد الجيش رئيس الجمهورية في إطار طلب مساعدته، وحدّثه في اقتراح تسمية ضابط للمنصب ما دام الاقتراح يدور على أطراف التفاوض، وفوتح به قهوجي. لم يجب سليمان بنعم أو لا، ولم يُحدّد موقفاً من اقتراح يشجعه الرئيس المكلف في سبيل إخراج تأليف الحكومة. لم يستخلص أحد مرة من رئيس الجمهورية ما يُنبىء بتخليه عن حقيبة الداخلية أولاً وتقبّله سواها. أرسل قهوجي الاقتراح أيضاً إلى محيطين برئيس تكتّل التغيير والإصلاح للحصول على موافقته: لائحة من ضبّاط محتملين للتوزير يوافق عليهم سليمان وعون، ثم يتفقان على آلية اختيار الأوفر حظاً. وكرئيس الجمهورية، كان ردّ فعل عون سلبياً: لا أحد سواه يسمّي وزير الداخلية، ويريد الحقيبة في تكتله.
من غير أن يُكتب لوساطة قائد الجيش اكتمالها، لم تصمد أكثر من بضع ساعات ما بين صباح الخميس المنصرم والخامسة بعد الظهر.
هكذا، دُعي الجميع عندئذ، كما في كل مرة، إلى البحث عن حلول أخرى لوقت أطول، لتأليف مؤجّل إلى أمد غير معلوم.

No comments:

Post a Comment