Tuesday, April 26, 2011

تحليل إخباريعندما تنقلب قطر فجأة على «صورتها المقاومة» في لبنان وفلسطين:
رأس حربة ضد النظام السوري... وفي التعتيم على مجزرة البحرين
خلال تدشين أمير قطر لسوق بنت جبيل (علي الصغير)
داود رمال
من إمارة صغيرة ومثيرة للضجر إلى إمارة منتفخة ومنتشية ومثيرة للجدل وطامحة للعب دور أشبه بأدوار الدول الكبرى. إنها قطر التي لطالما حصدت أثمان تطبيعها المبكر
مع اسرائيل، قبل أن تحصد، ومن دون سابق استعداد، أثمان انحيازها الاعلامي، الى المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، من دون أن تغادر دورها الأول.
ازدواجية غريبة عجيبة ميّزت السياسة القطرية حيال القضايا العربية، فهي من جهة مناصرة لحركات المقاومة بمواقفها وإعلامها ولا سيما فضائية «الجزيرة»، ومن جهة
ثانية ترتبط بعلاقات وطيدة مع إسرائيل، الى حد أنها أول من افتتح ممثلية لها في الدوحة.
ومع استمرار رسم علامات استفهام كبرى حول خلفية وأبعاد دور هذه الدولة الصغيرة، الا ان ما فاجأ الجميع مؤخرا هو الانقلاب المفاجئ في الادوار والانتقال من موقع
التوازن في صياغة الموقف والعلاقات مع الدول العربية ومع اسرائيل في آن معا، مع لحظ حيز من الخصومة إن لم نقل العداء للمملكة العربية السعودية، الى موقع الطرف
الكامل الاوصاف والادوار في لعبة «الثورات» و«الانتفاضات» و«التحركات» في عدد من الدول العربية، وخاصة في ليبيا ومصر وتونس واليمن.
ولعل أبرز ما استوقف المراقبين هو الانقلاب القطري على الصديق والحليف والاخ السوري، ففي حين كانت القيادة القطرية تنتقد الانظمة التي كانت ولاّدة للاصوليات
والرافضة لكل انواع الحريات لا سيما دور المرأة في المجتمع وتثني على القيادة السورية ذات التوجه العلماني مع حماية المعتقدات الدينية، اختارت قطر دورا معاكسا
لم يلعبه خصوم سوريا من العرب والغرب وشنّت حملة شعواء على النظام في سوريا ضاربة عرض الحائط كل المعايير السياسية والمهنية التي ميّزت أداء فضائيتها الأبرز
عربيا.
ويقول خبراء وسياسيون إن «التحول القطري بدأ في التعاطي مع المسألة الليبية حيت تحولت الدوحة الى رأس حربة تتولى التسويق للتدخل العسكري الدولي في ليبيا وهي
اول من اعترف بالمجلس الانتقالي هناك واعلنت مشاركتها في الضربات الجوية ضد مواقع كتائب القذافي. وهي وراء اجتماع مجلس التعاون الخليجي الذي اتخذ موقفا شكّل
غطاء للتدخل الغربي في ليبيا وتقدم بشكوى ضد ايران على قاعدة مزاعم تدخلها في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون لا سيما البحرين».
ويرى المراقبون «ان النظام القطري كان صلة الوصل بين اميركا والعرب، واستفاد من علاقاته مع اميركا لافتعال دور اكبر من حجمه بكثير على صعيد قضايا المنطقة واحتضن
على ربوعه اكبر قاعدة عسكرية اميركية في المنطقة وذلك في موازاة التنطح لما أسمي «لعب دور قومي» تحت عنوان «حماية الحقوق العربية»، غير ان التناقض في الادوار
القطرية واضح وجلي بدءا من الممثلية الاسرائيلية في الدوحة يقابله دعم الفلسطينيين واللبنانيين في مواجهة العدوان الاسرائيلي،
واللافت للانتباه أن امير قطر هو آخر رئيس عربي زار الولايات المتحدة الاميركية وعقد قمة مع رئيسها باراك أوباما، أعقبها تطور كبير في الاداء القطري، فقناة
«الجزيرة» التي تعبر عن السياسة الرسمية القطرية تحولت الى منبر للمعارضة السورية وقاعدة لضخ أوسع دعاية معادية للنظام السوري. وما الاستقالات التي شهدتها «الجزيرة»
بدءا من الاعلامي الزميل غسان بن جدو وصولا الى المذيعة لونا الشبل الا نتيجة للانحراف عن القضايا القومية».
«عندما يقع الخلاف بين الايراني والعربي، فقطر مع العرب، واذا تم الخلاف مع السوري والخليجي فهي مع الخليجي، والثمن المطلوب من سوريا لوقف الحملة عليها هو فك
التحالف مع ايران ووقف دعم حركات المقاومة لا سيما «حماس» و«حزب الله»، والقيادة القطرية هي من يتولى التسويق لهذا الطرح وعلنا، والمستغرب ان تكون قطر هي من
تحرّك دول مجلس التعاون الخليجي في وقتنا الحاضر» يقول أحد الدبلوماسيين العرب في بيروت.
ويتوقف الدبلوماسي نفسه عند دعوة امير قطر للرئيس اوباما الى حضور كأس العالم في العام 2022 في الدوحة، «وهذا يدل على اطمئنان ما بعده اطمئنان بان التوازنات
ستبقى كما هي الآن وحتى ذاك التاريخ»، علما ان احتمال ان يكون مصير امير قطر كمصير والده الذي انقلب عليه «ليس مستبعدا على الاطلاق».
ويوضح «ان ما تقوم به القيادة القطرية يتماهى كليا مع التوجه الاميركي الذي عبّرت عنه مراكز الدراسات الأميركية المرموقة والتي اجمعت على اعتبار ان «الرئيس
السوري الشاب بشار الاسد برهن عن حنكة في التعامل مع الضغوطات الخارجية على سوريا مستفيدا من الدروس التي حفظها من السياسة الخارجية لوالده، اما اليوم ومن اجل
تفادي وقوع مزيد من الدماء يتعين عليه التحرك بعيدا عن التفكير بآليات توفر له الحماية فحسب (...)».
وهذه الخلاصة تعني «ان على الاسد التخلي عن الخيارات الاستراتيجية التي انتهجها كاستمرار للنهج السوري منذ أيام الرئيس الراحل حافظ الاسد وابرزها فك التحالف
مع ايران و«حزب الله» و«حماس»، ويقود ذلك الى الارتماء في احضان اميركا والغرب كخيار وحيد للحفاظ على النظام مع ما يعنيه ذلك من جلوس الى طاولة مفاوضات مباشرة
مع اسرائيل بعدما أصبح اعزل من كل عناصر القوة».
ويؤكد المراقبون ان «قيادة قطر عبر اعلامها تعاطت بازدواجية فاقعة ففي حين انساقت في حملة تحريض مكشوفة ضد بعض الدول على غرار ما يجري في سوريا تجاهلت في المقابل
ما يجري في دول اخرى، فالاعلام القطري لعب دورا مشبوها في احداث سوريا واختلق احداثا لم تكن موجودة مطلقا واتى أحيانا بشهود عيان لا وجود لهم وفي الوقت الذي
تعاطى فيه بالتضخيم مع احداث سوريا قرر التعتيم على احداث اخرى وتحديدا ما يجري في البحرين التي تسيل فيها دماء المدنيين العزّل وتدمر دور العبادة و تنتهك الخصوصيات
ويستباح كل شيء فيها».
ويرى الدبلوماسيون العرب «ان الاعلام القطري سقط في الامتحان لأن الأمر الموضوعي هو ان ما يحصل في مصر وليبيا يحصل في البحرين، ومن يطالب بالديموقراطية وبالحرية
في دول عربية معينة فان معظم دول مجلس التعاون الخليجي تفتقد لابسط مقومات الديموقراطية والحرية، باستثناء التجربة الكويتية الخاصة والفريدة في هذا المجال.
وما نشاهده عبر الاعلام القطري وتحديدا قناة «الجزيرة» في ما يخص سوريا، بلغ في كثير من الأحيان حديث احداث قبل حصولها أو أنها لم تحصل نهائيا».
ويقول الدبلوماسيون «إن قطر دولة ضعيفة جدا في حجمها وتشكيلها وبنيانها القائم على حكم اميري مطلق وهكذا نظام لا يمكن تسويقه في الغرب الا اذا تحول الى خادم
للقوى الكبرى. وهو حضّر لهذا الدور من خلال الخلط بين علاقة ممتازة مع اسرائيل واميركا، وفي الوقت ذاته تحولت قطر الى قاعدة اساسية لدعم المقاومات العربية والاسلامية
وفي مقدمها قضية فلسطين، وما حصل مع لبنان إبان عدوان تموز 2006 خير دليل على ذلك، ففي حين كانت قطر محطة للطائرات الاميركية الناقلة للذخيرة والصواريخ الى
اسرائيل بعد نفاد مخزونها الذي افرغته على الشعب اللبناني الاعزل، وبعد عجز اسرائيل عن حسم المعركة لصالحها، وبعد فشل رهان دول الاعتدال على هزيمة «حزب الله»،
تمهيدا لترجمة ذلك سياسيا في لبنان، فان القيادة القطرية قامت بما عجزت عنه دول الاعتدال العربي عبر الدخول من بوابة اعادة اعمار ما دمره العدوان مقدمة لادارة
المرحلة اللاحقة ومنع «حزب الله» وحلفائه من توظيف انتصار تموز سياسيا ثم جاءت محطة الدوحة في أيار 2008، التي حصلت بنتيجتها القوى المتحالفة مع الاعتدال العربي
على مكاسب اساسية في حين تم تفريغ انتصار تموز بشكل تدريجي من مضمونه الأساسي تحت عناوين الحرب على السلاح في الداخل... ليجد «حزب الله» و«امل» أن كل تهليلهما
لقطر ودورها وأميرها ووزير خارجيتها طار فجأة في موسم الثورات العربية»...
وتكشف المصادر الدبلوماسية العربية نفسها «ان دولة قطر رصدت موازنة ضخمة لاسقاط النظام السوري ووزعت جزءا من هذا المبلغ على وسائل اعلامية عربية ولبنانية، اضافة
الى احتضان المعارضة السورية، وخاصة «الأخوان المسلمين» بالتنسيق مع الأتراك، وتزويدها بكل ما تحتاجه من دعم مالي واعلامي وسياسي».
والسؤال الذي يطرح نفسه، ماذا لو استطاع النظام السوري ان يتجاوز القطوع الأمني ـ السياسي؟
إن المؤشرات الأولية، تضيف المصادر الدبلوماسية العربية، تفيد ان القيادة السورية تتجه الى حسم الموقف في مواجهة ما تسمى «الخلايا الارهابية المسلحة»، وذلك
في اطار توجه يهدف الى عدم التراجع عن الخيار الاصلاحي ومن ثم ادارة حوار سياسي وطني واسع، يمهد لترجمة الاصلاحات، بحيث تعود سوريا اقوى واكثر صلابة ومعها قوى
المقاومة في لبنان وفلسطين (...)، فاذا كان النظام السوري هو المانع لتقسيم العراق فان تجاوزه للأزمة سيشكل ضمانة للاستقرار في لبنان ورادعا في مواجهة محاولات
انهاء القضية الفلسطينية وتصفيتها، والمحافظة على وحدة العراق، وحينها تسقط مقولة «عفا الله عما مضى».
السفير

No comments:

Post a Comment