Tuesday, April 26, 2011

حصة رئيس الجمهورية في الحكومات نماذج بارود والسيد حسين.. ورزق
احمد زين
لم يكن رئيس الجمهورية قبل التعديلات الدستورية المنشورة في 21/9/1990 بحاجة لحصة في الحكومة، لكونه كان «يملك الـ24 قيراطاً» في التشكيلة الحكومية استناداً
لتطويب دستوري ينصّ على انه هو من «يعين الوزراء ويسمّي منهم رئيساً ويقيلهم» وبالتالي فإن ما كان خارج حصته في الحكومة كان بمثابة هبة أو تبرع منه للغير.
ولكن بموجب تعديلات 1990 الدستورية، أصبح تشكيل الحكومة يتمّ بالتوافق بينه وبين الرئيس المكلف التشكيل. وإذا كان النص الجديد قد جعل رئيس الجمهورية شريكاً
في هذا الاستحقاق إلا أنه لم يضع حدوداً وشروطاً للتوافق، الأمر الذي أبقاه خاضعاً لإرادة الفريقين.
من هذه الزاوية يمكن القول إن رئيس الجمهورية هو من يحدّد حجم حصته إذا كان يريد حصة وهذا ما ينطبق على الرئيس المكلف أيضاً. ولم يكن المشترع عندما أخضع تشكيل
الحكومة لمثل هذا «الفيتو» المتبادل يريد وضع عقدة إضافية أمام التشكيل إنما محاولة بلورة صورة عامة للحكومة على ضوء مقتضيات المرحلة واختيار الوزراء على ضوء
هذه الصورة الدستورية الجديدة.
لذلك فإن حصة رئيس الجمهورية لم تثبت عملياً على قاعدة. فقد ظهرت في ثلاثة نماذج حتى الآن، كانت مختلفة في عددها وفي فهم الوزير لما يعنيه ان يكون رئيس الجمهورية
قد سمّاه ضمن حصته. ويظهر النموذج الأول في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي تشكلت في 19 تموز 2005. فعند تشكيل هذه الحكومة أصرّ رئيس الجمهورية العماد اميل
لحود على ان تكون «حصته» أكثر من الثلث أي ان يضمن ما يعرف بالثلث المعطل فتشكلت الحكومة على أساس هذه الحصة. ولكن عندما انقسم مجلس الوزراء وأصبح هذا الانقسام
مهدداً للوحدة الوطنية استقال ستة وزراء ورفض الوزير شارل رزق الذي كان ضمن حصة رئيس الجمهورية الاستقالة.
أما النموذج الثاني، فجاء في الحكومة السنيورية الثانية التي تشكلت في 11 تموز سنة 2008 فسُمّي فيها وزير الداخلية والبلديات زياد بارود من ضمن حصة رئيس الجمهورية.
وعندما اصطدم بارود بقيادة أمنية تجاوزت صلاحياتها و«اعتدت» على صلاحيات الوزير أوضح الوزير ذلك على رؤوس الاشهاد واعداً باتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة
ولكن ما حصل، كما أشيع في الأوساط السياسية والاعلامية، ان الوزير بارود لم يكمل الإجراءات المطلوبة أو التي كانت منتظرة منه.
ويظهر النموذج الثالث في الحكومة التي تصرّف الأعمال حتى اليوم برئاسة سعد الحريري والتي سمي فيها الدكتور عدنان السيد حسين وزيراً ضمن حصة رئيس الجمهورية.
فعندما استقال ثلث (1/3) عدد وزراء هذه الحكومة الذين يشكلون المعارضة السابقة انضم إليهم الوزير حسين ليصبح عددهم ثلثاً زائداً واحداً، الأمر الذي أدى إلى
اعتبار الحكومة مستقيلة. وحتى اليوم لم يكشف عما إذا كانت هذه الاستقالة للوزير حسين قد جاءت بطلب ما من رئيس الجمهورية أم لا إلا ان الشائع أنها كانت بإرادة
فردية رغم ان سلوك الوزير في الحكومة كان منسجماً إلى أقصى الحدود مع المواقف التي يعلنها رئيس الجمهورية.
يتبين من هذه النماذج ان فعالية حصة رئيس الجمهورية في الحكومة كانت متفاوتة وتأثرت بطبيعة الأشخاص، فمن وزير لم يستجب لمن سمّاه وزيراً، فرفض الاستقالة إلى
وزير استجاب على حساب قناعاته وصولاً إلى وزير استقال متجاهلاً إرادة من سماه او لم يستشره على الأقل وفق ما هو مرجح فكيف يمكن قراءة هذه النماذج من وجهة نظر
دستورية؟
من حيث المبدأ يمكن القول إن التعديلات الدستورية سنة 1990 قد اعتبرت استقالة الوزراء من الحقوق الشخصية التي كفلها الدستور وبالتالي فهي ليست خاضعة لأي شرط
مسبق ويظهر ذلك من أسباب عدة تكفي الإشارة منها إلى نص الدستور على أحكام تتعلق بالإقالة من دون الإشارة إلى توافر أي شرط للاستقالة وكذلك النص على اعتبار الحكومة
مستقيلة إذا ما فقدت أكثر من ثلث أعضائها من دون التطرق إلى كيف يكون هذا «الفقدان».
واستناداً إلى هذا تصبح حصة رئيس الجمهورية في تشكيل الحكومة غير مقيِّدة لإرادة الوزير إذا ما أراد الاستقالة وإن كان عليه، أدبياً على الأقل توجيهها إلى «صاحب
الحصة» وإلى رئاسة مجلس الوزراء كما هو معمول به قانوناً.
لهذا لا يمكن القول دستورياً بأن تجاوز شارل رزق رغبة الرئيس العماد اميل لحود واستطراداً الوزير عدنان حسين كذلك يحتمل أي اتهام. أما موقف الوزير بارود فيثير
تساؤلات وهو المعروف بمناقبيته وشفافيته واحترامه للقوانين ومن هذه التساؤلات الإشكالية التالية: هل اصطدام الرؤيا القانونية مع الحرص على «حفظ الجميل» يمكن
ان يغلِّب الثانية على الأولى أم ان العكس صحيح؟
مما لا شك فيه ان اختيار زياد بارود في حصة رئيس الجمهورية لم يكن مستنداً إلى ماضيه الناصع والتجارب التي كشفت مدى مناقبيته وشفافيته فقط إنما أيضاً لأن كل
هذا كان منطلقاً من مفاهيم قانونية وديموقراطية ووطنية فهل كان من حق الوزير بارود أن يفصل بين الماضي والتجارب، وما تطلبه القانون منه في مرحلة من المراحل؟
الإجابة على هذا التساؤل تحدّد مفهوم النموذج الثالث الذي أفرزته حصة رئيس الجمهورية في تشكيل الحكومات.

No comments:

Post a Comment