Thursday, April 28, 2011

الحريري والبحرين يحاصران سوريا
جان عزيز
شهيرة مقولة جوزف سماحة عن ضرورة فتح ملف «حقبة الوصاية» كاملة من أجل تحديد عادل للمسؤوليات بين اللبنانيين والسوريين. المعادلة نفسها تبدو قابلة للتطبيق اليوم، على ما يجري في سوريا نفسها. فالمطلوب مقاربة الوضع هناك بنحو شامل، من أجل تحديد دقيق للمسؤوليات، بين ما هو داخلي وما هو خارجي.
فمن السهل جداً الكلام عن لامماشاة النظام للعصر، وعن فشل آلياته، وعن أزمات اقتصادية متراكمة، منذ الانسحاب من لبنان إلى الجفاف، مروراً بالاتفاقات غير المتكافئة مع تركيا... كذلك عن كل متلازمة الموجة الديموقراطية في زمن سيادة «الويب» وعولمة «النت». لكن هذا كان قائماً قبل الآن. لا بل كان ضاغطاً وخانقاً، أكثر بكثير مما صاره في الآونة الأخيرة. مع ذلك، لم تتفجر الثورة في ظل الظروف الأقسى داخلياً، لتظهر فجأة في أزمنة فضلى.
فالأحداث في سوريا لم تندلع بعد مثيلاتها في تونس ومصر، بقدر ما يمكن القول إنها بدأت بعد هذا التزامن غير المقصود، بين خروج سعد الدين الحريري من الحكم في بيروت، واهتزاز نظام الحكم في المنامة. حدثان، قرأتهما الرياض على أنهما نقطتان إيرانيتان مسجلتان في مرماها. لم يقبل الحكام السعوديون أيّ تفسيرات لعوامل سياسية أخرى أكثر داخلية أو ذاتية أكان في لبنان أم في البحرين. ولم يُتعبوا أنفسهم في تحليل أو تدقيق: طهران سدّدت ضربتين موجعتين في حديقتين محروستين للحاكم السعودي، وبالتالي المسألة تقتضي الرد، أولاً من باب العقاب، وثانياً من باب الردع دفاعاً عن «الرياض» الأخرى.
وكان سهلاً على السعوديين تجنيد أنظمة الخليج كاملة. فالبعبع الفارسي الرابض على منتصف مياهها، كاف لإقناع تلك التركيبات النفطية. فضلاً عن كون الرياض قاطرة كبرى لمجموعة الأجرام العائلية الصغرى المحيطة بها، رغم الحساسيات الأخرى والتباينات الممكنة. فالتناقض الأساسي ـــــ باللغة الماركسية ـــــ لا يزال قائماً هناك فعلياً، بين تسميتي الخليج العربي أو الفارسي.
أتقن السعوديون تحديد الهدف، ثم حشد الطاقات اللازمة لحملتهم من أجل تحقيقه. فمنذ اللحظة الأولى، ولأسباب موازينية، أدركوا أن المواجهة مباشرة مع طهران، صعبة أو مكلفة أو حتى مستحيلة. وهو ما حتّم الانتقال إلى الاستهداف غير المباشر: نحاصر دمشق، ونفرض عليها معركة بعنوان واضح: إما السقوط وإما الانفكاك عن الإيراني، فنكون أمام وضعية ربح مزدوج ومضمون. ثم إن الهدف السوري يسهّل المهمة أكثر بكثير من فرضية الهدف الإيراني المباشر. هنا، من السهل جذب تركيا إلى المعركة. فالخليط الهجين من بقايا الإسلاميين ــــ أو من طلائعهم ـــــ المسمّى «العدالة والتنمية»، يهمّه جداً أن يظهر نفسه للغرب على أنه بات قادراً على تصدير ثورته الإسلامية المعتدلة، إذ يتوهم أولاد أربكان أن أوروبا وأميركا المأزومتين بين إسلام أنظمتهما العسكريتارية المتداعية على الطريقة المصرية، وبين إسلام أعدائهما على طريقة «القاعدة»، سيكونان أكثر من مشجعين ومرحّبين بتصدير النموذج الأردوغاني الأوغلوي. واحتسب السعوديون كذلك، أن انضمام أنقرة إلى حملتهم عامل ضغط كبير على الطرفين، أي على سوريا، وعلى تركيا نفسها. فالأولى ستكون أمام سحب آخر غطاء إقليمي سني عن نظامها، والثانية ستكون أمام مستنقع من التفجرات المذهبية الكردية والعلوية، التي ستفرض عليها الدخول في المعركة. وهو ما يسبّب ارتياحاً مزدوجاً للسعوديين، مما لم يكن ليتوافر لو اختير الهدف الإيراني مباشرة.
وفي سوريا، حسب السعوديون أنه سيكون من السهل جذب نيكولا ساركوزي إلى المعركة. أولاً لحساباته الانتخابية الرئاسية المترنحة، وثانياً لتحقيق فوز يعوّض التورّط الليبي المتعدّد الأوجه، وثالثاً لإعادة الربط مع واشنطن على طريقة شيراك ـــــ بوش بعد خلافهما العراقي، ورابعاً لمجرد أن يقنعه بذلك حمد بن جاسم. يبقى أن سوريا أرض خصبة لاجتذاب الثنائي الإسرائيلي ـــــ الأميركي. يكفيهما تلويح بمعادلة من نوع: فلنبتزّ الأسد باستقرار نظامه، في مقابل ورقة أو أوراق عدة من تلك التي يمسك بها: الجولان أو المياه أو اللاجئين أو حماس أو حزب الله أو إيران أو العراق أو غيرها... حتى لو لم تنجح المحاولة، يكفي أن تنتهي إلى نظام سوري أضعف، لتستحقّ المسألة الاستثمار والرهان. فكيف إذا كانت كلفتها معدومة كلياً على واشنطن وتل أبيب، لا بل مردودها الدعائي كبير جداً، إن لناحية درجة الحريات والديموقراطية، أو لناحية تبرئة إسرائيل من أي دم فلسطيني، فيما الشوارع العربية مسرح لرصاص عربي بين «جيوشها» و«شعوبها».
... لا بد من الاعتراف بجهنمية الخطة. يبقى انتظار نتائجها، مع الاعتذار الواجب، من كل الأسباب الداخلية وأصحابها المحقّين.
العدد 1399
28 نيسان 2011
الاخبار

No comments:

Post a Comment