Thursday, April 28, 2011

البنزين «يحرق» المواطن ... والاقتصاد ينكمش كلفة «الفراغ الحكومي» تتفاقم
يوماً بعد يوم، تتسع عوارض «الفراغ» المتمادي في البلد، بفعل عجز الرئيس المكلف والأكثرية الجديدة حتى الآن عن تشكيل الحكومة، فيما تبدو حكومة تصريف الاعمال
غير قابلة للصرف في مواجهة أي ملف أو أزمة، وهي التي كانت تشكو أصلا من الوهن في عز أيامها.
وفي ظل هذه البيئة النموذجية لنمو المشكلات الاجتماعية والمعيشية والأمنية والسياسية، طفت على السطح أزمة أسعار المحروقات التي تطال بتداعياتها الملتهبة كل
اللبنانيين، على اختلاف انتماءاتهم الطائفية والحزبية، من دون أن تميز بين من ينتمي الى 8 و14 آذار.
ولئن كان خفض 5500 ليرة على سعر البنزين الذي أقر قبل 9 أسابيع قد تبخر معظمه تقريباً، فإن المؤشرات توحي بأن الآتي أعظم مع استمرار ارتفاع السعر العالمي لبرميل
النفط بالوتيرة الحالية، حيث تجاوز سعر خام برنت أمس، 124 دولارا للبرميل، ما يعني ان الخرطوشة الاخيرة في بندقية الخفض، والمتمثلة في الجزء المتبقي من الرسوم
(4800 ليرة) قد لا يدوم مفعولها كثيراً، هذا إذا قرر المعنيون التجاوب مع الكتاب الذي وجهه وزير الطاقة جبران باسيل الى وزارة المالية، والى كل من رئاسة الجمهورية
ورئيس الحكومة المكلف ورئيس حكومة تصريف الأعمال لإبلاغهم عن النية بإجراء خفض جديد للرسوم المتبقية على البنزين.
وأمام الزحف المستمر لسعر البنزين نحو ذروة الـ50 ألف ليرة للصفيحة الواحدة، تحركت اتحادات النقل البري ونظمت مسيرات سيّارة بدت في سباق غير متكافئ مع سعر البنزين
الذي ارتفع أمس 500 ليرة إضافية، ما يعزز الحاجة الى الإسراع في وضع سياسة نفطية متكاملة، تكون قادرة على التعاطي مع هذا الملف من زاوية استراتيجية، ووفق رؤية
منهجية، بعيداً عن رد الفعل الذي يبقى أسير اللحظة وضغوطها.
ويلتقي الخبراء في هذا المجال على وجوب أن ترتكز السياسة النفطية المنشودة على النقاط الآتية:
- وضع خطة لتفعيل النقل المشترك.
- دعم سعر البنزين للسيارات العمومية.
- إعادة تأهيل المصافي، بما يتيح للدولة كسر احتكار بعض الشركات وبالتالي استيراد النفط وتكريره ومن ثم بيعه للسوق المحلية بكلفة أقل.
- حسم خيار «الطاقة البديلة»، سواء في اتجاه الغاز أو الكهرباء.
لكن الأهم من كل ذلك هو تشكيل الحكومة، لان مناقشة الاحتمالات المشار اليها لا يمكن أن تتم من دون وجود مجلس وزراء، يفتح الملف النفطي على مصراعيه، ويخوض فيه
بعيدا عن الحسابات والحساسيات السياسية، قبل أن يحرق البنزين أصابع الكثيرين، لا سيما أن قطاعات النقل البري تتجه نحو تصعيد تحركها، وصولا الى يوم «الغضب الكبير»
في 19 أيار المقبل.

وكان باسيل قد أكد أن الأزمة لن تحلّ بتثبيت الأسعار، أو خفض الرسوم أو إلغائها، إذ ستعاود الارتفاع مجدداً مع ارتفاع سعر البرميل عالمياً، مطالباً بإيجاد حلول
بديلة. ودعا السائقين الى الضغط على لجنة الطاقة البرلمانية لإقرار مشروع «سيارات الغاز» الذي تقدّم به منذ أكثر من سنة، معتبراً أن اللجنة لم تجبه منطقياً
وعلمياً عن رفضها لمشروع «سيارات الغاز»، وكان جوابها، حسب وصفه، «وهماً».
وردا على سؤال لـ«السفير» حول سبب عدم دعم الوزارة لأسعار المحروقات، كما فعلت وزارة الاقتصاد بدعم طن الطحين 50 ألفاً أخيراً في ظل غلاء المازوت، أشار باسيل
إلى أن مسألة الدعم تحتاج إلى قرار حكومي، وتالياً وزارته لا تستطيع إقرار دعم المحروقات، مشيراً إلى أن «رسم الاستهلاك الداخلي الخاص بالمحروقات يختلف عن القمح».

من جهته، أبلغ رئيس لجنة الطاقة النيابية محمد قباني «السفير» أنه سيعقد خلال الأيام المقبلة اجتماعاً مع ممثلي السائقين العموميين ليبحث معهم في الحلول الممكنة
لأزمة المحروقات.
وتعليقاً على دعوة باسيل السائقين الى الضغط على لجنة الطاقة لإقرار خيار «سيارات الغاز»، قال قباني: أشكر باسيل على تحريضه السائقين عليّ، ولكن أنا لدي تقارير
من وزير الداخلية وقوى الأمن الداخلي ووزارة البيئة والمدير العام لوزارة النقل ترفض كلها اعتماد الغاز كطاقة بديلة، حرصاً على السلامة العامة. ولفت الانتباه
الى أن لبنان معرّض للعدوان الاسرائيلي في أي وقت، وبالتالي فإن محطات المحروقات التي ستخزن الغاز ستتسبب بكوارث في حال استهدافها، لان الغاز ينفجر عند احتراقه
ويؤدي الى أضرار في دائرة تمتد لأربعة كيلومترات، فمن يمكنه أن يتحمل مسؤولية هذه المغامرة.
وأضاف: إذا استطاع باسيل إقناع الجهات المختصة بأن استخدام الغاز لا يشكل خطراً على السلامة العامة، فأنا مستعد لإعادة النظر في موقفي، علماً بأن هذا الملف
أصبح الآن في عهدة اللجان المشتركة.
وأشار الى أن الدول التي تعتمد خيار الغاز، هي دول بكل معنى الكلمة، وتستطيع أن تضمن التزام محطات الوقود والسيارات بشروط الأمان الضرورية، أما في لبنان، فإن
وزارة الاقتصاد لا تستطيع بإمكانياتها الحالية أن تراقب سوى نوعية البنزين ودقة العداد، ناهيك عن أن القوى الأمنية التي تعجز عن ضبط أبسط المخالفات لا يمكن
الاتكال عليها في هذا المجال.
ورأى أن البديل الأنسب يتمثل على المدى المتوسط في «السيارات الهجينة» التي تجمع بين الكهرباء والبنزين، أما على المدى الطويل فيمكن الاستعانة كلياً بالكهرباء.

القطاعات الاقتصادية قلقة
وفي سياق متصل، يرتبط بتداعيات تأخير تشكيل الحكومة، أبدت الهيئات التجارية والاقتصادية تخوفها من استمرار هذا التأخير الذي بدأ يترجم تراجعاً في عائدات القطاعات
كافة، ففي السياحة لوحظ التراجع في الفصل الأول بين 30 و70 في المئة في بيروت والمناطق مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفي الحركة التجارية بلغ التراجع
بين 30 و50 في المئة، وفي حركة البيع في أسواق بيروت تراوح التراجع بين 35 و40 في المئة.
ويتخوّف المعنيون في القطاعات الاقتصادية من ارتفاع نسب هذا التراجع على أبواب الصيف، في ظل استمرار غياب الحكومة والأحداث المتسارعة في سوريا، مشيرين في الوقت
ذاته إلى ارتفاع في معدل الشركات والمؤسسات التي تواجه تعثراً في تسديد مستحقاتها للبنوك، فضلا عن أخرى بدأت بصرف موظفيها.
وفيما يأملون في حل عاجل للوضع الحكومي، يؤكدون أن الفرصة لا تزال سانحة لتحسين النمو الاقتصادي، إذا تم تدارك الموقف، بما يساهم تلقائياً في تأمين فرص عمل
جديدة، وتحرك الاستثمارات وجذب أخرى جديدة، وتحسين في مستوى عيش المواطنين.
الحكومة.. والمراوحة
في هذا الوقت، لم يطرأ أمس تطور نوعي على خط تشكيل الحكومة، من شأنه كسر الحلقة المفرغة التي تدور فيها مساعي التأليف، بعدما نأى الرئيس المكلف نجيب ميقاتي
بنفسه عن عقدة الداخلية، فيما بدا أن حزب الله وضع حدوداً لحجم الضغط الذي يمكن أن يمارسه على العماد ميشال عون، وبالتالي فهو ليس مستعداً للذهاب بعيداً في
هذا الضغط، على حساب متانة العلاقة التحالفية التي تربطه بالجنرال.
ويبدو أن ميقاتي ترك لـ«الخليلين» وموفدي النائب وليد جنبلاط مهمة إقناع الرئيس ميشال سليمان والعماد عون بالتوافق على شخصية مقبولة منهما لتولي حقيبة الداخلية،
التي ما زال كل منهما يصر عليها، علماً بأن أوساط ميقاتي تؤكد أن هذا الموضوع هو فقط ما يؤخر ولادة الحكومة.
وقالت أوساط الرئيس المكلف لـ«السفير» إن ثابتتين تحكمان عمله لن يتنازل عنهما، الاولى هي ممارسة دوره الدستوري في التشكيل، والثانية انفتاحه على الجميع لتشكيل
حكومة منتجة.
وأكدت أوساط ميقاتي أنه سيضع في نهاية المطاف التشكيلة التي يراها مناسبة، بعد استنفاد الوقت اللازم أمام المساعي التي أعطاها مداها بناء لتمنيات أكثر من طرف.
وهو يمتلك في جيبه تشكيلتين جاهزتين، واحدة ثلاثينية سياسية مطعمة بتكنوقراط، واخرى من 24 وزيراً تكنوقراط، ليضع الأطراف كافة أمام مسؤولياتها في اللحظة المناسبة.
السفير

No comments:

Post a Comment