Saturday, May 28, 2011

الأمن الداخلي في عهد ريفي: ثمرة الحريريّة وذراعها

نجح ريفي في تحويل المديرية إلى جهاز أمني يواكب ما بعد الوصاية السورية (مروان طحطح)
ليست المرة الأولى التي يتمرّد فيها المدير العام للأمن الداخلي على قرار وزير الداخلية، فقيادة المديرية لم تعتد وجود رقيب عليها، لكونها، منذ عام 2005، حظيت بغطاء سياسي وفّر لها العمل خلافاً للقانون، والقفز من الأمن إلى السياسة برشاقة فائقة
حسن عليق
ثمانون رجل أمن، في مقابل ثمانين آخرين من زملائهم. هكذا كان الميدان داخل المبنى التابع لوزارة الاتصالات في منطقة العدلية خلال اليومين الماضيين. المشكلة لم تكن فقط في أن أفراداً من جهاز أمني رسمي واحد كانوا على وشك ارتكاب مجزرة بعضهم بحق بعضهم، بل إن الخطورة الأكبر تكمن في الانقسام الطائفي لهؤلاء. والتوتر المذهبي بين الفريقين كان على أشده، في حادثة يندر أن تشهدها الأجهزة الأمنية اللبنانية، لكن هذا التوتر (الذي جرى تداركه سريعاً) يصبح طبيعياً في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، التي لم تُراعَ فيها القوانين ولا الأنظمة طوال السنوات الخمس الماضية.
المدير العام الحالي، اللواء أشرف ريفي، هو أحد أقرب الضباط في لبنان إلى الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ونجله الرئيس سعد الحريري. وريفي لا «يُلَوْفِك» في تحديد موقعه السياسي. يقولها صراحة: «نحن ثمرة قوى 14 آذار. وأتينا إلى مواقعنا من ضمن خط سياسي، وسنغادر متى تغيرت موازين القوى».
منذ وصوله إلى المديرية عام 2005، كانت مهمة ريفي مواكبة عمل لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. في تلك المهمة، اختلط السياسي بالأمني، وامّحى الحد الفاصل بينهما. وفي عهد ما بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان، تدفقت المساعدات من الدول العربية (الخليجية خاصة) والغربية على القوى الأمنية اللبنانية، التي صارت تلهج بلغة «مكافحة الإرهاب». وفي ظل غطاء سياسي غير مسبوق تحظى به المديرية من الرئيس سعد الحريري، بدأ فريق تيار المستقبل في قوى الأمن الداخلي تنفيذ مشروعه: تغيير طبيعة المديرية وتحويلها من مؤسسة شرطة مغرقة في التقليدية، إلى جهاز أمني يواكب ما يصفه ريفي في مجالسه الخاصة بـ«الانقلاب السياسي» على سلطة الوصاية السورية.
وضع هذا الفريق لنفسه هدفين: بناء جهاز استعلامات وتحقيق، وتعزيز قوة ضاربة تواكب هذا الجهاز. سريعاً بدأ التنفيذ: فرع المعلومات والقوى السيارة (من ضمنها سرية الفهود). ومن أجل تحقيق الهدفين، لم يقف أحد أمام النصوص القانونية ليسأل عما إذا كانت المديرية تلتزمها أم تخرقها، فـ«لا صوت يعلو فوق صوت المعركة». هذا ما يقوله لسان حال ريفي وفريق المستقبل في المديرية. لا همّ إذاً إن أنشِئت أجهزة وعُدِّلت أنظمة من دون نيل موافقة مجلس الوزراء عليها. ولا ضير في عودة مستشار رئيس كتلة المستقبل سعد الحريري، العقيد المستقيل وسام الحسن، عن استقالته ليتولى رئاسة فرع المعلومات، قبل تحويلها إلى شعبة، من خارج النص القانوني. ومعه، بدأت المديرية تخوض غمار عمل أمني لم تعتده سابقاً. أثمر الجهد سريعاً. فإنجازات الجهاز الوليد ظهرت في عدد كبير من الملفات الأمنية الحساسة، وخصوصاً في مجال «مكافحة الإرهاب»، في ظل تطور تقني نوعي في عمله، أتاحته عوامل متداخلة، أبرزها الدعم المالي الكبير والغطاء السياسي غير المحدود والكفاءة التي تميزت بها مجموعة صغيرة من الضباط والرتباء والمجندين الذين مَنحوا عملهم كلّ جهد ووقت ممكنين.
لكن ما حققته المديرية خلال السنوات الماضية، لم يُستَثمر لإزالة الصبغة السياسية التي طغت على قيادتها، على حد قول متابعين لشؤون المديرية. وبالأصل، فإن ريفي وفريق «المستقبل» لم يبذلا أي جهد يُذكر من أجل التخفيف من وقع تلك الصبغة. فريفي والحسن مارسا دوماً دور مستشارين للحريري. ورغم أن هذا الدور وفّر قناة اتصال مع خصوم الحريري لم تنقطع في عز الانقسام السياسي الذي شهدته البلاد، لم يستطع الأمنيان، اللذان حكما المديرية منذ عام 2006، المحافظة على وحدتها (يصعب توزيع المسؤوليات بدقّة في هذا الصدد على فريق ريفي ـــــ الحسن وخصومه في المؤسسة). فالمديرية أشبه بـ«رسم تقريبي» لواقع القوى السياسية في لبنان. وكلما سعى فريق تيار المستقبل إلى السيطرة على زمام القيادة، كانت لمعارضيه القدرة على النقض. وبناءً على ذلك، ارتضى الثنائي المستقبلي تقاسم النفوذ مع الآخرين من ممثلي المِلل والطوائف والقوى السياسية في المؤسسة، مع احتفاظهما باليد العليا في معظم القضايا، بسبب الواقع الإداري الذي يمنح المدير العام صلاحيات واسعة من جهة، ولأن فرع المعلومات توسّع يوماً بعد آخر واشتد عوده، ليفرض نفسه جهازاً مكتمل المعالم.
لكن المديرية بقيت تسير بتعثّر منذ عام 2007، حين شهد مجلس قيادتها أول انقسام جدي إلى فريقين يمكن وضعهما بسهولة في خانة 8 و14 آذار. وضمن فريق 14 آذار، بقيت «النقزة» مسيطرة مدةً طويلة على نظرة مسيحيي هذا الفريق إلى أداء ثنائي الحريري في المديرية، وخصوصاً لناحية ما رأوه «محاولات لتحويل المؤسسة إلى ذراع أمنية للطائفة السنية»، على حد ما ورد في عدد من البرقيات الصادرة عن السفارة الأميركية في بيروت.
وعندما حاول رئيس الجمهورية ميشال سليمان ووزير داخليته زياد بارود إعادة توحيد المؤسسة خلال النصف الثاني من عام 2008، باءت محاولتهما بالفشل الذريع. وبالعكس من ذلك، فإن الشرخ تعمّق داخل المديرية، ووصل الخلاف بين المدير العام اللواء أشرف ريفي وقائد الدرك العميد أنطوان شكور إلى حد الانفجار عام 2009. ولم يستجب الرجلان لطلب وزير الداخلية التراجع أحدهما أمام الآخر. وفي ذلك الحين، كان تصرف ريفي شبيهاً بما فعله خلال الأسبوع الجاري في وزارة الاتصالات. أمَرَ قوة من وحدة القوى السيارة بالتمركز في ثكنة المقر العام للمديرية بهدف منع قائد الدرك العميد أنطوان شكور من دخول مكتبه، لأن الأخير رفض الانصياع لعقوبة أصدرها ريفي بحقه، بعدما رفض المدير العام الاستجابة لطلب وزير الداخلية عدم معاقبة شكور. تمرّد وتمرد مضاد، وسط عجز بارود عن ضبط المديرية. فثنائي الحريري يعرف جيداً حجم قوته السياسية، ويدرك أن رئيس الجمهورية لا يريد إغضاب الرئيس سعد الحريري، وبالتالي، فإن سليمان سيضغط على بارود للتنازل أمام المدير العام.
يوماً بعد آخر، ترسّخت قاعدة مخالفة القانون والأوامر داخل المديرية. وعندما طلب بارود تسوية الوضع القانوني لـ«شعبة» المعلومات، سقط اقتراح ريفي القاضي بتشريعها كما هي داخل مجلس القيادة، إلا أن ذلك لم يمنع ريفي من المحافظة عليها أمراً واقعاً. وبموازاتها، بدأ ريفي تعميم قرارات فصل الضباط التي تصدر عنه، من دون موافقة مجلس القيادة، مع ما يعنيه ذلك من أن معظم ضباط المديرية موجودون اليوم في مراكزهم خلافاً للقانون. وكلما حاول بارود إعادة بعض التوازن إلى المديرية، من خلال تعيين قادة أصلاء للوحدات الشاغرة بسبب تقاعد رؤسائها، كان يُواجَه برفض الرئيس سعد الحريري. فالأخير، أصرّ طوال وجوده في السرايا على عدم تعيين أعضاء جدد في مجلس قيادة الأمن الداخلي، إلا وفقاً لمشيئة الثنائي ريفي ـــــ الحسن.
________________________________________
الرقابة المفقودة
لم يعتد المدير العام لقوى الأمن الداخلي، اللواء أشرف ريفي، ورئيس فرع المعلومات العقيد وسام الحسن، وجود وزير وصيّ عليهما. ففي حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى، لم يكن ثنائي ريفي ـــــ الحسن يعاني أي مشكلة مع وزير الداخلية (الأصيل حسن السبع والوكيل أحمد فتفت) الذي كان ينتمي إلى فريقهما السياسي. وكان العقيد وسام الحسن «أقوى من الوزير نفوذاً في الدائرة المحيطة بالحريري»، بحسب ما يؤكد عدد كبير من المقربين من الحريري. وبالتالي، فإنّ حاكمَي المديرية لم يعانيا قبل منتصف عام 2008 عوارض الرقابة السابقة أو اللاحقة على عملهما. وفي عهد الوزير زياد بارود، لم يكن الوضع أفضل حالاً. فبارود، وبحسب فريق ريفي ـــــ الحسن، لم يدافع يوماً عن المديرية التابعة له عندما تعرضت للهجوم السياسي، وبالتالي، «لم يعد له حق في منعنا من الدفاع عن أنفسنا، ولو اقتضى ذلك دخولنا في معارك سياسية».
الاخبار

No comments:

Post a Comment