Monday, May 30, 2011

لأن «العقل المؤامراتي» يفرز اتهامات.. قرر رفع العشرة.. والصمت! جنبلاط: أنا محبط و«مقهور».. وعالق على «الدبق»
نبيل هيثم
فجأة دار السؤال دورة كاملة حول وليد جنبلاط، أين أصبح الرجل، ما الذي حلّ به، هل تبدّل حاله، لماذا صرخ في وجه حلفائه في الأكثرية الجديدة، لماذا سافر الى
فرنسا وماذا فعل هناك، وماذا نقل الى الفرنسيين، وماذا حمل إلى السوريين، ولماذا خصـّه جيفري فيلتمان بزيارة وماذا قال له، ولماذا سافر فجأة الى الدوحة للقاء
امير قطر؟
الحق يقال ان وليد جنبلاط في نظر كثيرين أشبه بـ«شيفرة» كاملة متكاملة، ومستعصية على معاجم فك الرموز وسبر الأغوار، والحق يقال أيضا ان الرجل أجاد إرباك حلفائه
الجدد كما القدامى، فالتقوا على استنتاج مشترك بأن وليد جنبلاط «قرأ شيئا ما» في فضاء الثورات العربية؟
من هنا، قد تعتقد الاكثرية الجديدة أن من حقها أن تخشى تحوّلا لدى من دخلت معه يوماً في صراع مرير، خاصة أنهما لم يجتمعا معا تحت سقف واحد إلا نتيجة للظروف
السياسية والامنية التي فرضها ايار 2008.
هناك أسئلة كثيرة باتت بحاجة إلى أجوبة سريعة، وخاصة حول اللقاء بين جنبلاط وفيلتمان، وكذلك حول خلفيات الجرأة التي أظهرها فجأة في التصويب على الأكثرية الجديدة
وإلقاء مسؤولية التعطيل عليها واتهامها بالقصور السياسي وبعرقلة مسار تأليف الحكومة؟
في المقابل، بدت الأكثرية السابقة وكأنها على وشك «الشماتة» بالأكثرية الحالية، خاصة أن الحلفاء القدامى استمدوا من الانتقادات الأخيرة التي وجهها جنبلاط إلى
حلفائه الجدد، سبباً مباشراً للاعتقاد بأن مركب الأكثرية الجديدة قد بدأ يترنح، وبأنّ من طعنها في ظهرها وقلب الميمنة على الميسرة، كرّر، أو هو يمهـِّد لتكرار
الطعنة ذاتها، لكن في الظهر الآخر.
وعلى ما يقول احد منظري «14 آذار» فإن جنبلاط «قرر أن يبتعد عن الشرّ ويغني له»، وأولويته في المرحلة الراهنة ان يتجنب المؤثرات ويحمي رأسه، وبالتالي فإن الزعيم
السابق لـ«14 آذار» تأكد ولو متأخرا بأنه لن يجد ضالته في الموقع الآخر، وحاله منذ البداية أشبه ما تكون بمن يطلب تناول «الكبة بصينية في مطعم صيني»!
قد تكون خشية الاكثرية الحالية من تحوّل ما لدى جنبلاط، كما استعداد الاكثرية السابقة للشماتة مبالغاً فيهما، وان كان ثمة من لا يتردد في الاتجاهين بتبني فرضية
أن وليد جنبلاط يعيد حساباته ربطا بالحدث السوري. لكن العارفين بمكنونات الرجل يرون في تلك الفرضية الشائعة ظلماً للرجل من قبل «العقل المؤامراتي» الذي لطالما
شعر وليد جنبلاط انه يتعقبه «وينسج ما ينسج من الفرضيات والسيناريوهات والاقاويل السخيفة» بحسب التوصيف الجنبلاطي.
لا يرى جنبلاط نفسه مضطراً لأن يقدم كشف حساب سياسيًّا تبريريا لهذا الطرف أو ذاك، تاركا لـ«بعض قارئي الفناجين السياسية» حرية التنجيم والتفسير كيفما شاؤوا،
بل هو لا يرغب في الدخول في هذه اللعبة التي إن بدأت قد لا تنتهي. لكنه في لحظة معينة تراه عاجزا عن حبس تلك الضحكة المعبرة حينما يحاول ترسيم حدوده ويقول:
«لقد سبق وتموضعنا و«علقنا على الدبق»، عندما كنا في «14 آذار»، كنا نروح ونجيء ونطير الى أميركا والى غير أميركا، ومع كل تلك الحركة «ما طلع منا شي»، أما الآن
فقد علقنا على الدبق ولا تستطيع أن تتحرّك، ومع ذلك «مش مخلصين»، تفضل حلها اذا فيك»؟
والضحكة ذاتها يكررها جنبلاط حينما يقال له بأنّ هناك من يقرأ في مواقفه الاخيرة من الاكثرية الجديدة محاولة طلب لجوء سياسي الى «14 آذار»، لا يريد أن يقول
«ماذا تبقى من 14 آذار»، بل هو يسارع الى السؤال: «ما هو مشروع 14 آذار، هل لديهم مشروع، وما هو شعارها وماذا حل بشعاراتها الكبرى، وبالخلاصة، هل هم أفضل حالا
منا، كلنا في الهوا سوا»؟
أنا محبط و«مقهور»، يقول وليد جنبلاط، ولا يخفي أنه قرر أن يرفع العشرة، والاستسلام لما هو أقوى منه: «أنا استسلمت، فقد بادرت الى إطلاق تلك الصرخة، ولم تؤد
الى أية نتيجة، ولذلك لن أكررها، ولا أريد ولا أستطيع أن أختلف معهم، ولذلك لن أبادر الى القيام بأي شيء بل أرفض القيام بشيء، خاصة أن لا أحد يريد أن يسمع،
وكأنهم يعيشون في عالم آخر فيما البلد يذوب وينهار، لا بل اكثر من ذلك، إن تكلمت يأتِ من يتهمك، مع الأسف كل الناس لديها حساباتها، وبالتالي لا تستطيع أن تقوم
بالعمل وحدك».
ولعل ما يصر عليه جنبلاط هو أن مكمن تعطيل ولادة الحكومة داخلي، ويستطيع «حزب الله» أن يفعل شيئا، خاصة مع ميشال عون، فمن الخطأ كما يقول ان يقال «ان نجيب ميقاتي
هو المعطل، لأنه على ما يبدو استسلم مثلي، وهو ايضا محبط، وماذا في إمكانه ان يفعل أكثر، فقد سبق ولبى كل شروط ميشال عون فما المطلوب منه بعد».
وفي قناعة جنبلاط «ان استحضار عامل التعطيل الخارجي والتمترس خلفه هو تكبير للمسألة للهروب من مسؤوليتنا، فالتعطيل ليس خارجيا، فهو من نسج العقل المؤامراتي
الذي صار من الضروري أن نخرج من لغته ونتخلص من تأثيره، وأقصر الدروب هو تشكيل الحكومة وإنهاء هذه المسرحية».
ولا يوافق جنبلاط القائلين بأن فيلتمان خرّب في زيارته الاخيرة الجهود الرامية الى تشكيل الحكومة، «فهذا الكلام ايضا من إفرازات العقل المؤامراتي المريض الكامن
على الكوع وينسج الاتهامات، لقد جاء فيلتمان في سياق محاولة أميركية فرنسية وبريطانية للضغط على سوريا، وكشف فيلتمان عن سعي تلك الدول الى إنتاج قرار في مجلس
الامن ضد سوريا وذلك من خلال محاولة تجميع 9 أصوات في مجلس الامن، وقد قلت له كما قلت للفرنسيين في زيارتي الاخيرة: لا تعزلوا بشار الأسد لأن ذلك غير مفيد ولن
يؤدي الى أية نتيجة».
من الواضح ان جنبلاط يحتفظ لنفسه بما دار بينه وبين فيلتمان، ويبدو منزعجا الى حد كبير من نسج بعض السيناريوهات الحوارية بينهما والحديث عن دفتر شروط تلقاه
من مؤسس «14 آذار» ويقول: «مع الاسف عقلنا مليء بالمؤامرات، فإن حصل والتقيت أحدا فسرعان ما تجد فورا من يضع لهذا اللقاء بعدا تآمريا، وان حصل وأبديت موقفا،
فسرعان ما تجد ايضا من يأتي ويؤوّل هذا الموقف ويقولبه ويقلبه ويعطيه البعد التآمري وتحت عنوان «هذا ما يريده جيفري فيلتمان». ولذلك أمام هذا الكمين أفضل شيء
هو السكوت»!
والمؤسف بالنسبة الى وليد جنبلاط هو أن هناك من هم مشغولون فقط بحروبهم الشخصية الطاحنة. فيما الادارة مشلولة، والجيش والامن كله مشلول، الاقتصاد مشلول والهجرة
تتزايد ورؤوس الاموال تهرب من البلد وحتى منطق تصريف الاعمال مشلول. واذا كان لا يعرف أين هو سعد الحريري ولماذا هو غائب، فإنه تمنى لو ان سعد الحريري يمارس
مسؤوليته في تصريف الاعمال. يقول جنبلاط كلامه هذا وهو يتذكر أن فؤاد السنيورة بقي يصرّف أعمال حكومته حتى آخر دقيقة له في السرايا، وحتى لحظة التسليم والتسلم
بينه وبين الحريري.
لا يعرف جنبلاط متى ستتشكل الحكومة، لا يعرف أين هي العقدة الآن، هو قريب من الاعتقاد بأن هناك من ينتظر جلاء صورة الحدث السوري، ولكنه يرفض مقولة «التعطيل
في انتظار صدور القرار الاتهامي في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري»، فحتى لو صدر القرار فما الذي سيتغير.. لا شيء. خاصة ان هذا القرار أصبح مهزلة لكثرة
ما حكي عنه ولكثرة التسريبات التي كشفت عن مضمونه من ديرشبيغل وحتى التلفزيون الكندي وما بعده، لقد انتهى القرار، وأما المحكمة ونظرا لـ«الشرشحة» التي أصابتها،
فلم يعد لها أية قيمة ولم يعد أحد يقبضها، وحتى لو صدر القرار الاتهامي، ففي أحسن الاحوال سيستغرق الكلام حوله يوما أو يومين وبعد ذلك تذهب الناس الى أشغالها
وتنساه.

No comments:

Post a Comment