Tuesday, May 31, 2011

موسكو ترحّب وواشنطن تنتظر الأفعال ... والمعارضون في أنتاليا يشكّكونالأسد يتخذ خطوة تاريخية نحو الإصلاح: العفو عن «الإخوان»
زياد حيدر
دمشق:
فتح الرئيس السوري بشار الأسد، أمس، بوابات سوريا ونوافذها على اصلاحات سياسية واسعة النطاق عندما أصدر عفواً سياسياً تاريخياً، شمل للمرة الأولى منذ ثمانينيات
القرن الماضي أعضاء جماعة الأخوان المسلمين، ترافق مع إجراءات في مدينة حماه بإعادة استملاكات الدولة لمن تمّت مصادرة أملاكه من «الإخوان»، وذلك في خطوة امتنعت
واشنطن عن التعليق عليها بانتظار تنفيذها، ورحبت بها موسكو داعية المعارضة الى التجاوب معها.
وجاء القرار المفاجئ والذي يعكس جدية استثنائية من قبل الاسد في اصلاح النظام السياسي في سوريا، قبيل ساعات من افتتاح مؤتمر لنحو 300 معارض سوري في مدينة انتاليا
التركية، وبعد إلحاح شديد من جانب رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان على الرئيس السوري لاتخاذ خطوة عملية سريعة نحو المصالحة الوطنية، لا سيما مع «الاخوان».

ورحّب متحدث باسم حركة الاخوان من لندن وأقطاب من المعارضة بـ«الخطوة» على اعتبار أنها «خطوة مهمة باتجاه الانفراج في البلاد»، معتبرين أنها تضع الحركة في سياق
مستقبل الحياة السياسية السورية. وجاء العفو الذي شمل غالبية معتقلي التيارات السياسية، بمن فيهم اليساريون، مترافقاً مع معلومات عن قرب تشكيل هيئة للإشراف
على الحوار الوطني، ستكون مسؤولة عن جمع أقطاب التحرك السياسي في سوريا تحت سقف واحد، ووضع تصور عام لمستقبل البلاد.
وأصدر الأسد المرسوم التشريعي رقم 61 لعام 2011 والقاضي بمنح عفو عام عن الجرائم المرتكبة قبل تاريخ 31 أيار 2011، ويشمل جميع المنتمين إلى الإخوان المسلمين
وكل الموقوفين المنتمين لتيارات سياسية، والعفو عن نصف العقوبات في الجنايات شرط عدم وجود إدعاء شخصي.
واستبدل المرسوم عقوبات الإعدام بالسجن المؤبد تبعاً للوصف الجرمي، ومن ثم خفضها إلى 20 عاماً. كما أعفى عن كامل العقوبة المؤبدة والموقتة لمن بلغ السبعين من
العمر، وعن كامل العقوبة بالنسبة للجريمة المنصوص عليها في القانون رقم 49 لعام 1980، وهو من أشهر القوانين في سوريا وأكثرها انتقاداً من المعارضة، وينص على
الحكم بالإعدام على كل المنتسبين لجماعة «الإخوان» على خلفية أحداث الثمانينيات. كما نص المرسوم على العفو عن نصف العقوبة الموقتة في الجنايات وكامل العقوبة
في الجنح والمخالفات وعن ربع العقوبة في جرائم الجنايات المنصوص عليها في قانون العقوبات الاقتصادي.
كما نص بالعفو عن كامل العقوبة لمرتكبي جرائم الفرار الداخلي المنصوص عليها في المادة 100 من قانون العقوبات العسكرية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 61 لعام
1950 وتعديلاته. أما المتوارون فلا تشملهم أحكام هذه الفقرة، إلا إذا سلّموا أنفسهم خلال 30 يوماً من تاريخ صدور هذا المرسوم التشريعي. كما نص بالعفو عن كامل
العقوبة لمرتكبي جرائم الفرار الخارجي المنصوص عليها في المادة 101 من قانون العقوبات العسكرية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 61 لعام 1950 وتعديلاته. أما المتوارون
فلا تشملهم هذه الفقرة إلا إذا سلموا أنفسهم خلال ثلاثة أشهر من تاريخ صدور المرسوم، وهو ما يسمح للمنفيين من تنظيم «الإخوان» بالعودة إلى البلاد.
واعتبر الناطق باسم التجمّع الوطني الديموقراطي حسن عبد العظيم أن المرسوم «خطوة إيجابية وبالطريق الصحيح وأهميته أنه شامل، وشمل كل ما يتعلق بالسجناء السياسيين
ومعتقلي الرأي والإخوان المسلمين». وقال عبد العظيم في تصريح لـ«السفير» إن المرسوم «خطوة مهمة جداً باتجاه الانفراج داخل البلاد».
ورحّب المعارض السياسي لؤي حسين بالخطوة. واعتبر في تصريح لـ«السفير» أنه «جزء من مؤشر طيب على أننا سنتصافى في البلد». وقال «لقد أحببت العفو. أحببته جداً،
ولكننا بحاجة لأشياء أخرى، منها عدم القيام باعتقالات لاحقاً لأي مواطن بسبب رأيه»، وأنه «يمكن الترحيب به إن كان يشمل من تم اعتقاله على خلفية التظاهرات الأخيرة
أيضاً».
ويرى حسين، ومن يتفق معه من المعارضة داخل البلاد، أن ثمة «حاجة لإطلاق الحريات العامة، وفتح المجال للتغطية الإعلامية الحرة» الأمر الذي يسمح «بتشكيل مناخ
ملائم للحوار مستقبلاً». ورأى معارضون أن الخطوة تسمح بفتح الطريق لعودة جماعة الإخوان المسلمين للعمل السياسي في سوريا.
وفي السياق، أوردت «سانا» أن محافظ حماه أحمد عبد العزيز أعلن أن المحافظة اتخذت أيضاً قراراً حيوياً يصبّ في مصلحة عدد من أبناء المدينة، والمتمثل بإعادة النظر
بالعقارات المستولى عليها لسبب ما، في إشارة إلى استملاك الدولة لأملاك المنتمين لتنظيم الإخوان المسلمين، من خلال السماح لأصحابها بتقديم طلب لاسترجاعها. وأوضح
أنه بالنسبة للعقارات المصادرة فإنها تحتاج إلى إصدار قانون من شأنه تسوية أوضاعها وتحديد ملكيتها.
وعلى صعيد الحوار علمت «السفير» أن قراراً رئاسياً سيصدر بتشكيل هيئة للإشراف على الحوار الوطني، تضمّ سبع شخصيات سورية، بينها أعضاء في حزب البعث وأحزاب أخرى
ومستقلون. وستعمل الهيئة على وضع آلية وإطار زمني لعملها في إطار مسعى حوار مع فئات وشرائح الشعب السوري
كافة بهدف «وضع تصور لمستقبل سوريا السياسي والاقتصادي والاجتماعي».
إلى ذلك، (رويترز، ا ف ب، ا ب) اعتبرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أن الأنباء عن تعذيب صبي سوري دلالة على أن «انهيار تام لإرادة الحكومة السورية
في الإنصات لشعبها، ويصبح موقفها أقل قابلية للاستمرار يوماً بعد يوم». وأضافت «آمل فقط ألا تكون وفاة هذا الصبي ذهبت هباء».
وأضافت أن الأسد «لم ينخرط جدياً في أي نوع من جهود الإصلاح». وتابعت «كل يوم يمر يصبح من الصعب أكثر فأكثر تقبّل موقف الحكومة (السورية) وتصبح مطالب الشعب
السوري بالتغيير أكثر قوة».
وهوّن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر من شأن عفو عام أصدره الأسد. وقال «تحدّث (الأسد) عن الإصلاح لكن لم نر شيئاً يذكر في ما يتعلق بالأفعال...
ينبغي أن يتخذ خطوات ملموسة وليس خطابة لمعالجة ما يحدث في البلاد».
وأعرب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن أمله في ألا تتخذ المعارضة السورية موقفاً غير مرن إزاء الخطوات التي يتخذها الأسد. وقال «إن الرئيس الأسد قام بنشر
مشروع التعديلات التي ستدرج في الدستور السوري، وهذه خطوة جدية، وإننا نرى أنها تضع بداية لخطوات عملية ونعوّل على أن تنظر فيها المعارضة كدعوة إلى الحوار وألا
تتخذ موقفاً غير مرن».
ونقلت «سانا» عن وزير الخارجية الصيني يانغ جي تشي قوله، خلال لقاء مع نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في بكين، إن «الصين تدعم الإصلاحات التي يقوم
بها الأسد، إضافة إلى الحفاظ على الاستقرار، وترفض سياسات التدخل في الشؤون الداخلية للدول في العلاقات الدولية».
وحذرت بكين من أن المسودة الأوروبية التي تطلب من مجلس الامن الدولي ادانة سوريا لن تخفف التوتر في المنطقة، في تلميح الى انها قد تعطل القرار اذا طرح للتصويت.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية جيانغ يو إن «استقرار سوريا يؤثر على استقرار المنطقة كلها. الحكومة الصينية تدعم جهود سوريا لحماية سيادتها واستقرارها،
ونأمل في استعادة الاستقرار والنظام في سوريا بأسرع وقت ممكن». وأضافت «في الظروف الراهنة نعتقد ان تصديق مجلس الامن على هذا القرار لن يسهم في تخفيف التوترات
وفي استقرار سوريا».
ورحب وزير الخارجية الإيرانية علي أكبر صالحي بالإصلاحات الأخيرة في سوريا. ونقلت وكالة «ارنا» عن صالحي قوله، في ملتقى «الصحوة الإسلامية والتطور الجغرافي
والسياسي والثقافي في الشرق الأوسط» في طهران، إن «سوريا تقف في الخط الأمامي للمقاومة ضد الكيان الصهيوني وتؤدي دوراً كبيراً في احباط مؤامرات هذا الكيان»،
مشيرا الى «الخطوات المؤثرة للحكومة السورية ازاء التطورات الاخيرة»، معرباً عن امله في ان «تكون هذه الاصلاحات في مسيرة تنمية وعزة وكرامة الشعب السوري، وان
تؤدي الى تعزيز العلاقات بين بلدان المنطقة وترسيخ أواصر الصداقة بينها».
ورحبت جماعة «الإخوان» بقرار الأسد. وقال المتحدث باسمها زهير سالم إن «القضية الوطنية العامة ليست قضية أحزاب المعارضة بما فيها قضية الأخوان، وهناك أزمة في
البلد تحتاج إلى حلول جريئة من هذا النوع، وننتظر حتى صدور المرسوم للإطلاع على تفصيلاته القانونية». وأضاف «نحن في جماعة الأخوان المسلمين جزء من حراكنا الوطني
وملتحمون به، وسيكون موقفنا جزءاً من هذا الحراك في أي مسألة داخلية». وطالب «بإلغاء القانون 49 ليكون مكمّلاً قانونياً لهذه الخطوة إذا أُريد لها أن تبلغ مداها».

مؤتمر انتاليا
وسارع معارضون، عشية انطلاق «المؤتمر السوري للتغيير» الذي يضمّ أحزاباً وشخصيات معارضة في مدينة انتاليا التركية، إلى التشكيك في العفو الذي أصدره الأسد عن
الموقوفين السياسيين، واعتبروا أنه «غير كافٍ» و«جاء متأخراً».
وقال عدد من المشاركين في المؤتمر إنهم فوجئوا بتظاهرة تضم نحو 40 شخصاً يحملون صوراً للأسد، وهم يقفون أمام مدخل المطار. وأضافوا إن بعض الواصلين من المشاركين
في المؤتمر «تعرّضوا للضرب والشتائم» قبل ان تصل الشرطة التركية وتفرق التظاهرة.
وقال رئيس المجلس الوطني لإعلان دمشق في المهجر عبد الرزاق عيد «القرار تأخر كثيراً. طالبناه به منذ فترة طويلة». وأضاف «بالنسبة إلينا نحن صدى لصوت الشعب الذي
أجمع على انه يريد إسقاط النظام. ونحن نجتمع تحت شعار إسقاط النظام». وتابع «نحن بحاجة إلى إيضاحات حول ما إذا كان العفو يشمل المعتقلين أخيراً مع المحكومين
منذ عشرات السنين».
وقال رئيس وفد الإخوان المسلمين إلى المؤتمر ملهم الدروبي «اعتبر أن الخطوة ايجابية لكنها غير كافية، والإخوان يطالبون بمطالب الشعب الذي يطالب بالحرية ويريد
إسقاط النظام». وأضاف «إن دماء الشعب لن تذهب هدراً، وعلى من ارتكب جرائم أن يحاسب على فعلته».
وأعلن رئيس الأمانة العامة لإعلان دمشق في الخارج أنس العبدة ان «الهدف الأساسي من هذا المؤتمر هو بحث السبل كافة لدعم الثورة السورية وتأمين استمرارها وتصعيدها
للوصول إلى التغيير الديموقراطي المنشود». وأضاف إن هذا المؤتمر هو «خطوة مهمة في اتجاه توحيد جهد المعارضة السورية في الداخل والخارج، وتنسيق عملها مع شرائح
لم تكن تشكل جزءاً من المعارضة قبلاً، وهي رجال الأعمال وزعماء عشائر عربية وكردية وممثلو تنسيقيات للثورة السورية في الداخل من الشبان السوريين».
وأكد الأستاذ الجامعي السوري المعارض برهان غليون، المقيم في باريس، لوكالة «اسوشييتد برس»، إن «المؤتمر لا يمثل كل المعارضة السورية، وكان عليهم تمديد الوقت
من أجل استشارة الأعضاء الآخرين، وأن يكون هناك جدول أعمال وأهداف واضحة». وأشار الى ان «هناك تفسيرات مختلفة» حول ما يتعلق بتوقيت عقد المؤتمر وكيفية العمل.
وأضاف «كان من الأفضل الانتظار من اجل إنهاء المشاورات، وربما الاتفاق على مجلس وطني يضمّ الجميع».
وفي سياق ميداني، قال مصدر عسكري مسؤول إن «وحدات الجيش والقوى الأمنية أوقفت في منطقة الرستن عدداً من عناصر المجموعات الإرهابية المسلحة ممن روّعوا المواطنين
الآمنين وعاثوا تخريباً بالممتلكات العامة والخاصة، وتمّ الاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر». وأكد «استشهاد عنصرين من الجيش، احدهما ضابط، وجرح
أربعة، وسقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف المجموعات الإرهابية المسلحة». وقال ناشط لحقوق الانسان لوكالة «فرانس برس» إن ثلاثة مدنيين قتلوا برصاص قوات الامن
في الرستن وفي محافظة درعا.
من جهة أخرى، ذكر التلفزيون السوري أن الأسد استقبل أسرة الطفل السوري حمزة علي الخطيب، التي قالت المعارضة إنه توفي تحت التعذيب. وقال والد الطفل للتلفزيون
إن الرئيس «غمرهم بطيبته ولطفه، وقدّم لهم التعازي، واستمع الى تفاصيل الحادثة». وأضاف «الرئيس الأسد وعد بتلبية مطالبنا، وأن هناك إصلاحات ستجري قريباً».
كما أشار التلفزيون إلى صدور قرار بتشكيل لجنة تحقيق برئاسة معاون وزير الداخلية وعضوية النائب العام العسكري ورئيس فرع التحقيق في الأمن الجنائي لكشف ملابسات
حادثة مقتل الخطيب، وعرض نتائجها على الرأي العام. وعرض التلفزيون صوراً لجثة الطفل (قال إنها بموافقة الأسرة) يوم استلامها تبين خلوّها من أية آثار شبيهة بتلك
التي يذكرها الشريط المصوّر أو تقارير الفضائيات.
وقال رئيس رابطة الأطباء الشرعيين في سوريا أكرم الشعار إنه كشف شخصياً على جثمان الطفل حمزة علي الخطيب، مؤكداً أن «جثة الطفل التي وصلت إلى دمشق من درعا لم
تتعرّض لأي تعذيب لحظة الكشف عن الوفاة، وهناك صور موثقة بذلك لدى القاضي المختص، وبإمكان أهل الطفل أو محام عنهم الإطلاع عليها للتأكد من أن جثة الطفل لم تتعرّض
لأي تعذيب. وأن الورم الذي ظهر على الجثة نجم عن تقدم عوامل التخثر نتيجة انقضاء أكثر من شهر على الوفاة».

No comments:

Post a Comment