Tuesday, May 31, 2011

نحاس ــ ريفي إلى بارود ــ ريفي إلى سليمان ــ ريفي

ما حصل بين وزير الداخلية والمدير العام لقوى الأمن الداخلي لم يكن قليل الشأن عند رئيس الجمهورية. ثم صارت المشكلة عنده أكبر عندما رفض المدير أمر الرئيس. عندئذ قرّر إحالته على القضاء. لم يدافع عن صلاحية الوزير فقط، بل عن هيبة الرئاسة أيضاً
نقولا ناصيف
لم يرمِ طلب رئيس الجمهورية ميشال سليمان من وزير العدل إبراهيم نجار اتخاذ الإجراءات القانونية في حق المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، إلا إلى إخراج نفسه من دائرة الإحراج عندما رفض ريفي تنفيذ تعليمات رئيس الجمهورية بالامتثال لقرار وزير الداخلية والبلديات زياد بارود. لا يملك الرئيس صلاحيات واختصاصاً حيال رفض طلبه سوى ما تقول به فقرة واحدة، هي الأولى، من المادة الـ49 من الدستور عندما تنيط به السهر على الدستور.
نظر رئيس الجمهورية إلى تصرّف المدير العام مع وزير الاتصالات شربل نحاس على أنه اعتداء على المادة الـ66 من الدستور التي تجعل الوزير رئيس وزارته، ومع وزير الداخلية على أنه مخالفة للمادة الـ10 من قانون قوى الأمن الداخلي رقم 17/90 الذي يُخضع المدير العام لقوى الأمن الداخلي لسلطة وزير الداخلية. نظر أيضاً إلى سوى ذلك: ليس للمدير العام أن يحكّم نفسه في مخالفة الوزير قراراً لمجلس الوزراء، وليس المدير العام هو المعني بتصحيح مخالفة كهذه كي يتخذ من خلال عناصر أمنيين تدبيراً لتثبيت قرار مجلس الوزراء.
لم تمنح المادة الـ49 رئيس الجمهورية أيضاً، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، صلاحية معاقبة المدير العام على رفضه تعليماته، ما دامت القوات المسلحة تأتمر في نهاية المطاف من مجلس الوزراء، مصدر سلطتها.
هكذا اختار سليمان عبر دوائر رئاسة الجمهورية مخاطبة القضاء من خلال وزير العدل. وهو أقصى ما يسعه الردّ به على تجاهل تعليماته.
بيد أن طلب ملاحقة ريفي ينطوي بدوره على معطيات إضافية:
1 ـــــ يبدو رئيس الجمهورية، تبعاً للمطلعين عن قرب على موقفه، متيقناً من أن المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، المعني بالطلب بعد إحالته عليه من وزير العدل، لن يستعجل اتخاذ أي إجراء في حق ريفي، وقد لا يرى أسباباً كافية لاتخاذ إجراء ما، ما دام الجرم ليس جزائياً.
في حصيلة الأمر يختلط التقدير القضائي لميرزا بالموقف السياسي. بذلك يتوقف طلب رئيس الجمهورية عند هذا الحدّ ما دام لا يملك صلاحيات أو نصوصاً قانونية تمكّنه من معاقبة المدير العام لقوى الأمن الداخلي. وهو كان قد تحدّث إليهما الخميس قبل توجيهه الإحالة البارحة، وحضّهما على التحرّك، آخذاً في الاعتبار تصرّف ريفي على أنه جرم مشهود وعصيان لأمر عسكري.
ولعلّ العامل الأكثر مدعاة للمماطلة في اتخاذ موقف من ريفي، أن رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، من إجازته خارج لبنان، أبلغ إلى رئيس الجمهورية ووزير الداخلية اقتراحاً بإحالة النزاع بين نحاس وريفي على هيئة الاستشارات في وزارة العدل وانتظار مطالعتها القانونية، لمعرفة صاحب الاختصاص والصلاحية في الطبقة الثانية من مبنى وزارة الاتصالات: هل هو نحاس أم هيئة أوجيرو؟ وفي ذلك ما يكفي من علامات دعم الحريري للمدير العام.
2 ـــــ دخلت وزارة الداخلية في شغور حقيقي لأول مرة مع إعلان بارود الخميس 26 أيار تحرير نفسه من منصبه، احتجاجاً على الأمر الواقع السائد في وزارته. لكن المفارقة لا تقف عند هذا الموقف المبرّر لبارود، وقد أوضحه لرئيس الجمهورية السبت والأحد 28 و29 أيار.
ما إن أعلن بارود اعتكافه، حتى بادر وزير الدفاع الوطني الياس المرّ بالاتصال برئيس الجمهورية لأول مرة منذ أشهر، بعد قطيعة نتجت من كشف وثائق ويكيليكس كلاماً مهيناً ساقه ضد سليمان قبل انتخابه رئيساً عام 2008، ما حمل الرئيس على تحظير زيارة المرّ قصر بعبدا بلا موعد سابق، ولم يُحدّد له مذ ذاك موعداً لاستقباله. في مكالمته الهاتفية بالرئيس الخميس، واستمرت أقل من دقيقة ببرودة لم يخفها الأخير، أبدى المرّ استعداده لتسلّم حقيبة الداخلية بالوكالة تبعاً لمرسوم توزيع الحقائب وكالة.
كان رئيس الجمهورية قد تبلغ قبل ذلك من رئيس المجلس نبيه برّي ما نقله النائب ميشال المرّ إلى برّي، وهو أن ابنه ـــــ الوزير السابق للداخلية ـــــ قادر على معالجة مشكلة ريفي بسطر ونصف سطر، في إشارة إلى أنه الأقدر على معاقبته وفوراً. لكن المفاجأة أن المرّ الابن سرعان ما حزم حقائبه وسافر إلى الخارج بحجّة وعكة ألمت بوالده نائب المتن، تحتم عليه البقاء بعيداً من لبنان عشرة أيام. بذلك باتت وزارة الداخلية بلا وزير أصيل، ولا وزير وكيل.
3 ـــــ طلب سليمان من بارود في لقائهما السبت العودة عن اعتكافه، فاستمهله الوزير 24 ساعة لإعطاء الجواب. عاد إليه الأحد بموقف مصر على الاعتكاف بعدما لاحظ أن شيئاً لم يتغيّر في المعالجة، ولا يسعه أن يعود إلى منصبه في ظلّ واقع عصيان مرؤوس على رئيس، من غير أن يكون في وسع الوزير فرض القانون على مرؤوسيه. استمد بارود غضبه واحتجاجه من أن المشكلة بين نحاس وريفي في موضوع تسليم فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي قاعدة البيانات التي طلبها قد سُوّيت، إلا أن ريفي أصرّ على إبقاء عناصر فرع المعلومات في الطبقة الثانية من مبنى وزارة الاتصالات بغية معاقبة الوزير.
كان وزير الداخلية قد استفسر من ريفي عن شكوى نحاس، في اليوم الأول للأزمة، وجود عناصر لفرع المعلومات في مبنى تابع لوزارته، فأفاده بأنه يحجب عنه قاعدة البيانات، وأنه يريد الضغط عليه في هذا الجانب.
كان فرع المعلومات قد كتب فعلاً أكثر من مرة إلى بارود يطلب قاعدة البيانات تلك عملاً بقانون التنصّت، وكان الحصول عليها يقتضي إلى موافقة وزير الداخلية، توقيع رئيس الحكومة على هذا الطلب. تجمّعت الطلبات التي كان يوقعها بارود للتو في السرايا بلا اقترانها بتوقيع رئيس الحكومة بسبب سفره الدائم خارج البلاد.
ولأن توقيع رئيس الحكومة ملزم وفق أحكام قانون التنصّت الصادر عام 1999، اتفق بارود والأمين العام لمجلس الوزراء القاضي سهيل بوجي على مخرج حظي بموافقة رئيس الجمهورية، هو أن يكتب بوجي خطياً إلى بارود يعلمه بموافقة الحريري شفوياً على توقيع طلبات تسليم فرع المعلومات قاعدة البيانات. أبدى رئيس الجمهورية بدوره ـــــ لتسهيل مهمة انتقال قاعدة البيانات وفق الأصول من وزارة الاتصالات إلى الفرع بعد مرورها بآليتي الوزير ورئيس الحكومة ـــــ الاستعداد لتوقيع الموافقة هذه على إجراء غير مسبوق. بذلك حُلّت المشكلة الأم، وهي قاعدة البيانات التي فجّرت مشكلة الطبقة الثانية من مبنى وزارة الاتصالات كردّ فعل مباشر عليها.
على الأثر طلب بارود من ريفي سحب عناصر فرع المعلومات من المبنى بعد تسوية تسليمه قاعدة البيانات، فأحجم وأبرَزَ لأول مرة طلب هيئة أوجيرو حماية قوى الأمن الطبقة الثانية من المبنى، رغم أن الأمر منوط حصراً بجهاز أمن السفارات المكلف حماية الإدارات والمنشآت الرسمية والأبنية العامة.
الاخبار
[4] http://www.al-akhbar.com/node/12625
[5] http://www.al-akhbar.com/node/12455
[6] http://www.al-akhbar.com/

No comments:

Post a Comment