Sunday, May 29, 2011

الحريري «يحرج» سليمان... ويقدم «هدية» إلى عونهـذه شـروط بـارود للعـودة إلـى «تصريـف الأعمـال»
عماد مرمل
بعد مرور بضعة أيام على عملية «تبادل الأسرى» التي قام بها الوزير زياد بارود، فاستعاد بموجبها حريته مقابل التخلي عن موقعه في «الداخلية».. لا يبدو الرجل نادماً
على قراره، بل هو مقتنع بأنه حرر نفسه من قيود الوزارة في اللحظة المناسبة وبالتوقيت الذي اختاره.
أساساً، ليس لدى بارود ما يخسره، فهو يدرك انه لن يعود الى الحكومة المقبلة التي ضاقت به قبل تشكيلها، تماماً كما يدرك انه كان يمارس صلاحياته كوزير للداخلية
ضمن أضيق الحدود التي يفرضها تصريف الأعمال وتالياً ليس هناك ما يؤسف عليه.
ومع ذلك، هناك من استكثر عليه حتى «ماء الوجه» وأراد ان يجعله وزيراً ممنوعاً من الصرف، مفترضاً ان حالة انعدام الوزن التي يعاني منها البلد نتيجة الفراغ تتيح
المرور عبر «الخط العسكري» والقفز ليس فقط فوق الوزير، بل فوق رئيس الجمهورية أيضا، الامر الذي جعل الأزمة تتعدى إطار المخالفة الادراية والمسلكية لتصل الى
حدود المخالفة الدستورية والميثاقية.
حقيقة ما حصل في مبنى وزارة الاتصالات في العدلية هو ان الرئيس سعد الحريري، بما يمثله في معادلة التوازن الطائفي، وجه ضربة «تحت الحزام» الى رئيس الجمهورية
بما يمثله في المعادلة ذاتها.
هذا هو التفسير الوحيد لرفض المدير العام قوى الامن الداخلي اللواء أشرف ريفي الاستجابة لطلب الرئيس ميشال سليمان منه تنفيذ أمر وزير الداخلية بالانسحاب من
المبنى، علماً ان رئيس الجمهورية كان قد أظهر قدرا كبيرا من التفهم لمواقف الحريري وحساباته طيلة فترة وجوده في رئاسة الحكومة، ما دفع بعض قوى 8 آذار الى اتهام
سليمان بالانحياز الى الحريري وقوى 14آذار.
لقد أحرج الحريري رئيس الجمهورية ووضعه أمام اختبار التوفيق بين وسطيته التي تلزمه بالوقوف على مسافة واحدة من الجميع وبين وجوب حماية القانون عندما يتعرض لانتهاك
موصوف يستوجب قراراً حاسماً.
وفي كل الحالات فإن «تهور» الحريري منح الاكثرية الجديدة، وفي طليعتها العماد ميشال عون، هدية ثمينة، أتاحت لهما ان يثبتا للرأي العام المسيحي، وبالدليل القاطع،
ان هناك شهية مفتوحة ومتنامية لدى «تيار المستقبل» لالتهام حقوق المسيحيين ومواقعهم في النظام، الى حد ان مديراً عاماً مدعوماً من «المستقبل» بات يستطيع التمرد
على أوامر رئيس الجمهورية ووزيرين مسيحيين من دون ان يرف له جفن.
وبانتظار الفصول المقبلة من معركة «الاتصالات»، ينقل زوار بارود عنه تأكيده ان استقالته ليست اعتكافاً بل هي انتفاضة لكرامته الشخصية وانتصاراً لمنطق الدولة.
ويشدد انه لم يكن امامه من خيار سوى القيام بهذه الانتفاضة، وعدم تسجيل سابقة على نفسه بأنه تهاون في التعامل مع واحدة من أكثر المخالفات فداحة، لافتاً الانتباه
الى انه لو اكتفى باتخاذ عقوبة مسلكية بحق اللواء أشرف ريفي، كما حصل أكثر من مرة في السابق، لكان سيعني ذلك انه قرر التعايش مع الأمر الواقع وتكريسه.
وإذ يؤكد بارود ان استقالته ليست عبثية او فناً للفن، يشير الى ان عودته عنها مرتبطة بمدى توافر الشروط الملائمة لذلك، وفي طليعتها تصحيح الخطأ الكبير الذي
حصل، مع الأخذ بالاعتبار طبيعة التصحيح وصيغته ومن يقوم به، لأن ما جرى كان فاضحاً، ولا يمكن تجاوزه بتسويات على الطريقة اللبنانية المعتادة، والمطلوب إعادة
الامور الى نصابها الصحيح من دون مواربة.
وحسب الزوار، يعتبر بارود ان المشكلة ليست معه فقط، بل هي بالدرجة الاولى مع رئيس الجمهورية الذي أبلغ اللواء ريفي بوجوب الامتثال لأمر وزير الداخلية بالانسحاب
من مبنى الاتصالات ولكنه لم يمتثل، لافتاً الانتباه الى انه إذا كان ما حصل معي هو خطأ جسيم فإن طريقة التعاطي مع رئيس الجمهورية هي خطيئة كبرى.
وإذ يوضح بارود، ان الرئيس سليمان مصمم على معالجة الموضوع بالشكل المناسب الذي يحفظ هيبة الرئاسة وصلاحيات الوزير، يشير الى ان الرئيس التوافقي لا يعني ان
يكون على الحياد او في الوسط بين القانون ومخالفته، وبالتالي فإنه ليس بوارد لفلفة القضية او تمييعها، بل هو مصر على متابعتها حتى النهاية وبالسرعة المطلوبة
على قاعدة المساءلة والمحاسبة.
ولا يرى بارود ان تسلم الجيش اللبناني لمبنى الاتصالات من قوى الامن الداخلي يكفي لطي الملف وتجاوزه، مشيراً الى ان هذه الخطوة نزعت فتيل الازمة من الشارع،
ولكنها لا تحقق المعالجة السياسية والقضائية الضرورية، وهي لا تعطيني حقي كما لا تعطي القانون حقه، لان انسحاب عناصر فرع المعلومات لم يتم استجابة لأمر الوزير
وإنما ترجمة لمخرج ما، ولذلك، فأنا لا أعتبر نفسي معنياً بهذه التسوية ما دام ان أصل الأزمة، وهو تجاوز موظف لرئيس الجمهورية والوزير المختص، لم يُعالج بالشكل
المطلوب.
ويستغرب بارود، وفق زواره، قول ريفي إن وزير الداخلية لا يقاتل في حين ان هناك حاجة الى المواجهة أحياناً، مشدداً على انه يواجه كلما اقتضى الموقف، ولكن متسلحاً
بالقانون والحق، وهذه استراتيجية ثابتة بالنسبة إلي، اما من يأخذ علي انني لا أواجه فهو لطالما كان استنسابياً وانتقائياً في المواجهة، وكم من مرة قيل لي ان
الضرورة فرضت معالجة بعض المخالفات على اساس التسوية وبالتراضي.
ليس هناك في نظر بارود، تبعاً للزوار، ما يمكن ان يبرر واقعة التمرد على ألامر الخطي الذي أصدره بالانسحاب من مبنى الاتصالات، ولا مجال للأخذ بأي اسباب تخفيفية،
ذلك ان الوزير هو الذي يتحمل المسؤولية السياسية عن أي قرار يتخذه، وإذا اخطأ يوجد مجلس النواب الذي يستطيع ان يحاسبه ويسحب الثقة منه، أما ان يجتهد هذا الموظف
او ذاك في تنفيذ او عدم تنفيذ ما يطلب منه، استنادا الى قراءة شخصية او سياسية، فهذه وصفة للفوضى والتسيب، وضربة لمفهوم الدولة وانتظام عمل المؤسسات.
يدرك بارود، أن المشكلة ليست في جوهرها مع اللواء ريفي والعقيد وسام الحسن فقط، بل هي مع مرجعيتهما السياسية متمثلة بالرئيس سعد الحريري، ولذلك يخشى وزير الداخلية
المستقيل من ان يقود ما حصل الى صدام سياسي خطير في البلد، ما لم يتم التصرف بأعلى درجات المسؤولية، لا سيما أن الفراغ الذي يسبح فيه لبنان حالياً يفرز بيئة
مناسبة لأسوأ الاحتمالات.

No comments:

Post a Comment