Thursday, June 23, 2011

لماذا يحرج «الجنرال» المكونات السنية للأكثرية الجديدة وتحديداً ميقاتي؟عون يقدم خدمات مجانية للحريري.. والعبرة بموقف حلفائه منه
نبيل هيثم
ما بين تذكرة الـ»وان واي تيكيت» التي قطعها العماد ميشال عون لزعيم «المستقبل» سعد الحريري، وتذكرة الـ»وان واي إن» إلى سجن رومية، يبرز السؤال التالي: هل أخطأ
عون بهجومه على الحريري، أم انه أصاب؟
يتبيّن من خلال رصد ردود الفعل الأولية ان كلام عون أظهر قراءات تقييمية واضحة لدى فريق الأكثرية الجديدة نفسه، بمعزل عن الرفض الشامل من فريق 14 آذار، وثمة
من وضعه في خانة «المزحة الثقيلة في غير زمانها ومكانها» وثمة من قال «هذا موقف يدل على كثير من التعالي والفوقية والاستفزاز والتشفي والشماتة» أو اعتبره «مجرد
زلة لسان متمادية»..
باستثناء «البرتقاليين»، كان انطباع فريق الأكثرية الجديدة أن كلام عون ليس مفيدا في توقيته ومضمونه وتعبيراته، ولذلك، قدم للحريري وفريقه وحلفائه نقاط ربح
مجانية، في لحظة بدا فيه هذا الفريق بحاجة إلى ما يشد عصبه السياسي، خاصة بعد زلة طرابلس السياسية الأمنية السوداء، التي تمكن رئيس الحكومة وحلفاؤه الطرابلسيون
من استثمارها قبل أن يأتي كلام «الجنرال» ليتحول المدافعون إلى مهاجمين والعكس صحيح.
ولعل السؤال المطروح والمتكرر: لماذا يصر عون دائما على إعطاء رميات من دون رام للمعارضة الجديدة، ولماذا يتخذ كلامه هذا البعد الثأري والالغائي والاقصائي،
وهل هو على تفاهم مع فريقه السياسي بأن المرحلة الراهنة، هي مرحلة فكفكة «دولة الحريري» من داخل الدولة، وأليس هناك للحكومة الميقاتية سوى هذه المهمة؟
يعني ذلك، أن عون يقوم مجدداً بخطوة متفرّدة من شأنها التسبب بتلغيم الحكومة قبل تقليعها، وكذلك التسبب بنزف الرصيد المعنوي للحكومة، وتشي بذلك المواقف الاعتراضية
التي برزت في وجه مواقف عون من قلب البيت الحكومي، وخاصة من الرئيس نجيب ميقاتي ومن النائب وليد جنبلاط وأقران هذا الاعتراض بالتأكيد أن الحكومة هي حكومة مصالحة
وليست حكومة مواجهة ولا محاسبة بمفعول رجعي، لا بل ثمة كلام كان أوضح من ذلك للرئيس نبيه بري ولرئيس كتلة الوفاء للمقاومة بأن هذه الحكومة لن تتصرف بكيدية وثأرية
ولن تفتح الملفات القديمة.
يقود ذلك الى استنتاج مفاده أن لا رؤية موحدة لفريق الأكثرية الجديدة، إزاء وظيفة الحكومة وما هو مطلوب منها في المرحلة المقبلة. وهذا ما بدأت «14 آذار» بالترويج
له، وبالتالي تكرر الرهان على وجود «تفسخات» ضمن الحكومة الميقاتية، سوف لن تجعلها تحيا طويلا وعلى أن عناصر الافتراق بين مكوناتها أكثر بكثير من عناصر الالتقاء
وستؤدي حتما الى توجيه ضربة الى الحكومة الميقاتية في الصميم، وتؤمن للآذاريين كوة ينفذون منها للنيل منها. علما أن الأحداث التي شهدتها طرابلس قبل أيام، والاستحضار
السريع لعنصري السلاح والمذهبية من قبل أنصار الحريري مؤشر على عدم وجود عناصر حقيقية تمكن هؤلاء من المواجهة الجدية للحكومة الميقاتية والفوز فيها.
وثمة قناعة لدى «حزب الله» والرئيس بري بأن فريق 14 آذار لن يفوت صغيرة أو كبيرة، إلا ويتسلل منها لتوجيه النار على الحكومة، بدليل أن رئيس الحكومة الأسبق فؤاد
السنيورة، اتخذ من قرار للأمن العام بمنع عرض فيلم إيراني معارض في مهرجان سينمائي في بيروت، منصة لاتهام الحكومة بقمع الحريات وأنها حكومة اللون الواحد، وها
هو فريق رئيس الحكومة السابق سعد الحريري يعطي من باريس لمؤسساته الاعلامية وتلك التي تدور في فلكها إيعازا بنبش الملفات بنفس الطريقة التي تم فيها التعامل
مع حكومة الرئيس سليم الحص في عهد اميل لحود، وبعدم إهمال نقطة من حفرة في الطريق في أقاصي عكار الى عجقة السير في زاروب العلية أو حي الطمليس في بيروت.
ويقول مقربون من «الجنرال» عون إن الأخير، ممتلئ ثقة وقناعة بأن الحريري وفريقه، ان قيض لهم، لن يرحموا لا نجيب ميقاتي ولا الاكثرية الجديدة، وانهم لن يألوا
جهدا في رمي القشرة تلو القشرة أمام الحكومة في سبيل إسقاطها، وانهم لن يوفروا لغة ولا أسلوبا لمواجهة الاكثرية الجديدة للنيل منها. وبالتالي قدم «الجنرال»
اللغة التي يفهمها الحريري وفريقه، وأراد من جهة ثانية ان يراسل بعض الشركاء في الحكومة والقول لهم بأن لا طائل من الليونة ولغة المداراة والمسايرة التي يبديها
البعض، وان فرصة الاقتصاص من الحريرية السياسية قد حانت، فهناك فرصة ذهبية مؤاتية اليوم يوفرها الانتصار الذي تحقق بإسقاط حكومة سعد الحريري وإخراج الحريرية
من السلطة وقد لا تعوّض غدا. وبالتالي أضعف الايمان أن يتم تسييل هذا الانتصار اليوم قبل الغد.
وما يريد البرتقاليون أن يعلمه من يهمهم الأمر من الحلفاء والاصدقاء والشركاء وكذلك الخصوم، هو أن كلام عون عن الـ»وان واي تيكيت» ومن بعده عن الـ»وان واي إن»
ليس كلاما عبثيا أو فارغا من أي مضمون، بل له حيثياته، ذلك ان الحريري الذي قدم نموذجا فريدا عن تخلي رئيس حكومة عن مسؤولياته خلال وجوده في موقع المسؤولية،
دبت فيه الحمية فجأة بعد كل هذا الغياب الطويل، فنزل القبضايات دفعة واحدة في طرابلس، وبدأت الاجتماعات والتحضيرات في عاصمة الشمال وفي «السادات تاور» في بيروت
وصولا الى تقاطر قيادات 14 آذار الى باريس، من أجل وضع خطة لإسقاط الحكومة في الشارع.
يتبيّن مما تقدم أن الحريري لا يخفي موقعه الهجومي إزاء مكونات الحكومة الجديدة، وخاصة نجيب ميقاتي ومحمد الصفدي، وهو يراهن على عزل الأخيرين عن بيئتهما، وهنا
يصبح السؤال مجددا هل يفيد كلام عون ومواقفه النافرة والاستفزازية، في إيجاد شريك سني حقيقي للثامن من آذار، أم أنه يصعّب مهمة هؤلاء؟
في منظور البرتقاليين أن عون بهجومه المباشر على الحريري، جعل من نفسه عنواناً صريحاً وحاداً من عناوين إسقاط الحريرية السياسية، وشأنه في ذلك شأن شركائه الذين
يشاركونه هدف إسقاط الحريرية، إلا أن الفرق بينه وبينهم أنه يجاهر بذلك علنا، فيما الشركاء لكل منهم طريقته لتحقيق الهدف، ان باعتماد الصمت كأسلم موقف في المرحلة
الراهنة، وان بالمسايرة واللعب على المواقف والاستثمار الشعبي، وان بمحاولة تدوير الزوايا ومحاولة قضم المساحات الشعبية، وان باعتماد سياسة التدرج بدءًا من
محطة التعيينات الادارية، وملء الفراغ الذي يكاد يوازي ثلثي الادارة، اذ يكفي ملء الشواغر بكل فئاتها بالجهاز الاداري المطلوب، لتصبح تلك الدولة الموجودة داخل
الدولة خارجها ولو بعد حين.
في منظور الآخرين من حلفاء عون أن كلامه يصيب الحريري ووليد جنبلاط ونبيه بري ونجيب ميقاتي، وبالتالي هو عزف منفرد يؤذي «الكورال» الحكومي الجديد، لا بل أكثر
من ذلك، يصبح عون من حيث يدري أو لا يدري أحد أبرز من يعيدون شد عصب الحريرية السياسية وإحراج المكونات السنية للأكثرية الجديدة، وهذا يستوجب وقفة من الحلفاء
إزاء ما يقوم به عون من «تخريب متعمد».
ولكن ماذا لو لم تتحقق الوعود التي أطلقها عون؟
ربما يكون عون قد أفرط في الوعود وفي تقدير قوة الزمن السياسي الجديد على تحقيق الاصلاح والتغيير والمحاسبة التي نادى بها، وربما يكون العكس، ولكن في مطلق الاحوال،
فإن عون قد أخضع نفسه لامتحان صعب على أبواب معركة مصيرية وحاسمة اسمها انتخابات العام 2013، ان نجح فيها قد تسيل النتيجة في صناديق الاقتراع، وان أخفق فإن
نتيجة الإخفاق ستسيل ايضا في صناديق الاقتراع، وكما ان النجاح مكلف على الآخرين فإن الإخفاق سيكون مكلفا جدا عليه.
< المقال السابق

No comments:

Post a Comment