Saturday, June 25, 2011

آذار في المعارضة: الخريف العـربي... وداعاً

الفرنسيون حريصون على أمن الحريري (أرشيف)
أطلقت قوى 14 آذار نقاشاتها الجدية بشأن مشروعها المعارض. عمّمت أمس مسوّدة لهذا المشروع الذي ينصّ على إسقاط حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. وهذه العملية تبدأ في جلسات مناقشة البيان الوزاري للحكومة. الأهم من ذلك أنّ الرئيس سعد الحريري استعاد موقعه في صلب المعركة، وإن كان يجلس في «منفاه» الذي يبعد آلاف الكيلومترات عن بيروت
نادر فوز
نعيم العيش في فرنسا لم يعد مسلّماً به، حتى لو كنت من أغنياء العالم ومن رجال السلطة والمال. أحدث الأمثلة على ذلك، التجربة الحالية للرئيس السابق سعد الحريري الذي فضّل اللجوء إلى العاصمة الفرنسية في هذه «المرحلة الدقيقة»، لكنه مقطوع عن النسمات الباريسية التي حكى عنها الأدباء وتغنّى بها الشعراء. فهو محروم «الكزدره» في شوارع سان جرمان والـ«كارتييه لاتان» وفي باحات «الشانزيليزيه» ومقاهيها، أو الطواف حول نهر «السين» والتنقّل بين ضفتيه. الحريري لا يعيش أسعد أيّام حياته، إذ يشعر بأنّه منفيّ إلى فرنسا حيث يقضي أيّامه ولياليه داخل جدران منزله، بحسب ما يقول عدد من المقرّبين منه. وعندما يخرج لتناول العشاء أو تدخين سيجار للدردشة مع أصدقائه «وتغيير الجوّ»، يعيده مشهد مواكبة الشرطة الفرنسية له إلى إحباطه ليذكّره بأنه مهدّد أمنياً.
من يعرف تفاصيل الحياة اليومية للحريري يؤكّد أنّ الدولة الفرنسية تبدي كل الحرص على أمنه الشخصي، إذ يتجاوز عدد الحرّاس الفرنسيين بأشواط عدد حراسه الشخصيين، وكأن المسألة باتت في خانة «الأمن القومي الفرنسي». ويرجّح المطّلعون على أجواء الحريري أنّ الحرص الفرنسي على أمن الحريري قد يتعدّى هذا الحيّز ليصل إلى حدّ «منعه» من مغادرة الأراضي الفرنسية «حفاظاً على سلامته».
يقتصر نشاط الحريري هذه الأيام على جولات مشاورات يومية، أكان عبر الاجتماعات المباشرة أم من خلال الاتصالات الهاتفية والاطلاع على التقارير السياسية. أهمّ هذه المشاورات حصل قبل يومين، عندما استضاف الرئيس الشاب كلاً من الرئيس الأسبق أمين الجميّل وممثّلي الأمانة العامة لقوى 14 آذار، النائبين السابقين سمير فرنجية وفارس سعيد، بحضور مستشاره النائب السابق باسم السبع.
أهمّ الخلاصات التي خرج بها سعيد وفرنجية أنّ زعيم 14 آذار وتيار المستقبل «حسم قرار المواجهة». مواجهة من؟ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بكل معانيها: حزب الله وسوريا وإيران. أعاد موفدا الأمانة العامة مناقشة الحريري في ظروف ولادة الحكومة الحالية، وبحثا معه طبيعة مواجهتها، فأبدى الحريري دعمه الكامل للأفكار التي عُرضت عليه، ما أشعر الضيفَيْن وغيرهما بأن «الرئيس المنفي» لم يضعف نتيجة هذا الإبعاد «القسري» عن بيروت، بل زاده البعد إصراراً على مواقفه وعزمه على قيادة مشروع 14 آذار.
ويبدو أنّ الحريري استمدّ القوة أيضاً من ضيوفه اللبنانيين، فحاول إبعاد صورة «الرجل المحاصر» عن نفسه، إذ قرّر الخروج معهم إلى أحد المطاعم الباريسية حيث انضمّ إلى الجلسة لاحقاً عدد من الأصدقاء من سكان باريس. كذلك أجرى الحريري مع زوّاره «جولة أفق على العالم العربي منذ عام 1952 وصولاً إلى اليوم». توصلوا إلى نتيجة مفادها أنّ «العالم العربي القديم» بدأ بالاندثار على ضفاف العالم العربي الجديد الذي يحمل عنوان «ربيع العرب». ويقول مسؤولون في الأمانة العامة إنّ هذا اللقاء التشاوري «حسم عمليّة التنسيق داخل 14 آذار، وإنّ هذه العملية تسير على نحو أفضل مما كانت عليه». وأفضل الأمور في هذا الإطار أنّ «الرئيس سعد الحريري أثبت أنه في قلب المعركة، لا بل إنه رمزها الأساسي».
ونتيجة هذه المشاورات التي قام بها سعيد وفرنجية، عاد الرجلان إلى بيروت ومعهما تصوّر أولي بادرا أمس إلى الإفصاح عن جزيئيات مضمونه خلال الاجتماع الأسبوعي للأمانة العامة لقوى 14 آذار. لكن ما هو أهمّ من ذلك، أنّ سعيد وفرنجية وغيرهما من قياديي ثورة الأرز، باشروا أمس المناقشة الفعلية لمشروع المعارضة «البنّاءة». فمسوّدات التصور وصلت مساء أمس إلى مراكز القيادة في قوى المعارضة، وهي تحوي مجموعة من العناوين الرئيسية لمشروع «ثوار الأرز». وأول هذه العناوين كيفية الردّ على الحكومة الحالية خلال عرضها للبيان الوزاري في مجلس النواب، بحيث عُمِّمت النقاط الواجب التصويب عليها لإضعاف الحكومة وبيانها. ومن هذه النقاط:
التشديد على أنّ انقلاب النوّاب من محور سياسي إلى آخر هو خيانة لناخبيهم الذين اختاروهم بناءً على مشروع سياسي ومواقف واضحة. إنّ استخدام السلاح والتهديد به لإسقاط الحكومة لا يتوافق مع التغيير والأسلوب الديموقراطي الذي يتحدث عنه فريق 8 آذار. توزير الراسبين يخالف الديموقراطية ولا يتماشى مع ما قرّره الشعب اللبناني. الحكومة تنتمي إلى مرحلة عربية غابرة وتمثّل تحدياً للربيع العربي وحركات التغيير الجارية في البلدان العربية. التشديد على أنّ التشكيلة الحكومية لا تراعي التمثيل الطائفي وأعراف نسب التمثيل، وبالتالي تهدّد مرتكزات اتفاق الطائف.
لا تحمل هذه النقاط أيّ جديد في تصدّي 14 آذار للحكومة، لكنّ أهمّ ما جاء في المسوّدة، تأكيد أهميّة التصويب على السياسة الكيدية وروح الانتقام اللتين «سيتعامل بهما الفريق الحاكم»، من باب التركيز على ما قاله النائب ميشال عون قبل يومين.
ويفتح الحديث عن «كيدية 8 آذار» أبواب النقاشات بين قوى 14 آذار، فيشدّد معظم الأكثريين السابقين على أن مواجهة الكيدية ستكون عبر الكثير من الأساليب، أحدها «التعبئة الشعبية». ولا يتردّد قياديّو ثورة الأرز في الإشارة إلى أن فريقهم «لن يمنع الناس من التعبير عن أنفسهم في حال إقالة هذا المدير العام أو ذاك الموظّف». ويضيفون: «إن حصلت هذه الإقالات، فهل نردّ بإصدار بيان استنكار، فيما التعبئة الشعبية جاهزة ويمكن من خلالها التصدّي للقرارات المنتظر صدورها عن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي والتي لا تعبّر إلا عن الحقد؟».
وللانتهاء من ملف مواجهة البيان الوزاري للحكومة، تجري مناقشة هذه المسوّدة بين المعنيين في 14 آذار، مع قرار شبه نهائي منتظر حسمه خلال ساعات يؤكد أنّ الكتلة النيابية للأقلية ستشارك في جلسات مناقشة البيان والتصويت عليه. وترى قيادة ثورة الأرز أنّ كتلتها ستفجّر في قاعة المجلس عبارة «لا ثقة» بوجه الحكومة، وستتكرّر هذه العبارة ستّين مرّة على مسمع أعضاء الحكومة وفي كل منازل لبنان، باعتبار أنّ الجلسة ستكون منقولة مباشرة على الهواء. ويؤكد الآذاريون أنّ مشهد «لا ثقة» أقوى بكثير من مشهد غياب ستّين نائباً عن مقاعدهم، وأنّ هذا الاقتراح يلقى موافقة التيار الأكبر من الأقليين، رغم تمسّك آخرين بضرورة مقاطعة الجلسة وحجب الشرعية عنها، ما يجعل بتّ هذه المسألة «بحاجة إلى المزيد من الوقت لحسمه».
تصاعديّاً ضدّ سوريا
ونتيجة المشاورات الباريسية وغيرها من اللقاءات في بيروت، بدأ فريق 14 آذار يشتمّ «رائحة سقوط النظام في سوريا»، فترتفع معنويّاته أكثر فأكثر. ويشير قياديّو هذا الفريق إلى أنّ «ساعة الصفر» دقّت في الشام وأنّ النظام «سيواجه ابتداءً من هذا الأسبوع نوعاً جديداً من الضغوط، وأوّلها على الصعيد الاقتصادي». فقيادة 14 آذار «فهمت» أنّ الغرب سيطلق «تحرّكات ترمي إلى فصل رجال الأعمال وأصحاب الأموال عن النظام السوري، عبر بعث الرسائل اللازمة لهؤلاء المتموّلين والمستثمرين بأنّ أمن مصالحهم هو في الموقع المعادي للرئيس بشار الأسد وليس العكس». وعلى هذا الأساس، ينطلق الأكثريون السابقون للتشديد على أن تحرّكهم ضد النظام السوري سيتطوّر بنحو تصاعدي بدءاً من الأسبوع الجاري. وفي هذا الإطار، خرج موقف الأمانة العامة لقوى 14 آذار أمس، ليتّهم النظام السوري بـ«محاولة ربط مصيره بمصير لبنان، ويريد من الحكومة أن تكون متراساً له في مواجهة الاعتراض الداخليّ والإقليميّ والدوليّ عليه».
ويقول قياديّو الأقلية إنّ التعبير عن هذا الموقف المعادي للنظام السوري، الذي انطلق من الأمانة العامة، سيُعمَّم لتتضمّنه لاحقاً بيانات الكتل النيابية للأقلية، وثم في مرحلة أبعد سيصدر مباشرة عن ألسنة أقطاب 14 آذار.
من جهة أخرى، يمسك هذا الفريق اليوم بعنوان «طرابلس مدينة منزوعة السلاح»، وذلك بهدف «تفويت الفرصة على النظام في سوريا الذي يحاول ربط الساحة اللبنانية بالاضطراب الحاصل على الأراضي السورية»، إضافة إلى أن هذا المطلب يمكّن هذا الفريق من وضع المزيد من الضغوط على رئيس الحكومة الطرابلسي الذي «لا يكفي قيامه بمؤتمرات صحافية لضمان أمن المدينة واستقرارها». والتجربة الأمنية الأخيرة في طرابلس دفعت الأمانة العامة أمس إلى إعادة تأكيد «صوابية المطالبة بإنهاء السلاح غير الشرعيّ في كلّ لبنان»، وتشديدها على أنّ هذا السلاح «مصنع للانقلابات وعنوان لربط لبنان بالأخطار على جميع الصعد».
________________________________________
عودة داهش
في مرحلة غيابه عن لبنان، يبدو أنّ الرئيس سعد الحريري اكتسب المزايا والصفات والقدرات الخارقة المنسوبة إلى سليم موسى العشي. من هو هذا الأخير؟ قد لا يعرفه أحد بهذا الاسم، لكن أكثرية اللبنانيين تعرفه باسم «الدكتور داهش» مطلق العقيدة الداهشية وسيّد «المعجزات» والأفعال «الخارقة». وأبرز الصفات المشتركة بين الدكتور داهش و الحريري قدرتهما على الحضور في أكثر من مكان في الوقت نفسه. فالحريري، بحسب المعلومات والتقارير الصحافية، موجود في هذه اللحظة في باريس ومونتريال. وقبل يومين «شوهد» في مدينتي نيس وكان في فرنسا، وقبل أيام وأسابيع جرى الحديث عن وجوده في موسكو والرياض وجدة في آن واحد، ويستمتع بشمس سردينيا على يخته. وإن صحّ نبأ زيارته للجزيرة الإيطالية، فليس مستبعداً أن يكون الحريري قد حاول المشي على سطح البحر، كما فعل «المعلّم داهش» الذي نجح في هذه التجربة على سطح برك النبي سليمان في بيت لحم.
الحديث عن انتقال الحريري من عاصمة إلى أخرى يشير إلى أنّ الرئيس السابق للحكومة يعيش هاجساً أمنياً، أو أن مقرّبين منه يحاولون الإيحاء بوجوده في هذه المدن، لزيادة الغموض حول مكان «الشيخ سعد». وبحسب مطلعين على شؤون الحريري، فإن الأخير مستفيد من صفة «المنفي» التي تشد من عصب جمهوره، رغم الانتقادات التي يوجهها لغيابه عدد من حلفائه، سراً وعلانية. فعودته، بحسب المصادر ذاتها، ستضاعف شعوره بالحسرة على فقدان كرسي السرايا الحكومية المجاورة لمنزله في وادي أبو جميل، وهو المنزل المبني كما لو أنه المقر الرسمي لإقامة رئيس الحكومة. كذلك سيكون الحريري مضطراً إلى الاستجابة لطلبات أنصاره ومحازبيه، ولتلبية الخدمات التي يسألون الحصول عليها، وهو ما يمثل مشكلة حقيقية له قبل أن ينهي ترتيب أوضاعه المالية «المكركبة».
الكلمات الأخيرة للدكتور داهش نصّت على الآتي: «لا تظلمني. ولا تظلم الناس. أنا لم أكذب على أحد. الناس يريدون الهرب. إلى الماضي. إلى المستقبل...».
الاخبار

No comments:

Post a Comment