Wednesday, June 22, 2011

شـربـل ـ سـعـد: واحـد ـ صـفـر
الحريري ونحاس قبل ان تكسر الجرة (م. ع. م.)
ايلي الفرزلي
بعد نحو أسبوعين من نيل حكومة الرئيس سعد الحريري للثقة، طلب الحريري من وزير الاتصالات في حكومته شربل نحاس أن يزوره في السرايا الكبيرة.
كان الحريري قد سمع أكثر من تحذير، جعله يتوجس من ذلك الوزير الذي يحمل «أفكاراً اقتصادية غير مريحة». قال له نحاس حينها «أنت لست مسؤولا عن إرث أبيك في ظل
الوصاية السورية، وبالتالي يمكنك أن تتعامل بذهنية مختلفة، وعدم تكرار خطأ الرئيس رفيق الحريري الذي اعتمد على المزج بين القطاعين العام والخاص» («سوليدير»
على سبيل المثال لا الحصر).
انزعج الحريري حينها، فهو لم يكن يتوقع أن يسمع النصح من الوزير الذي استدعاه ليطلب منه الهدوء والتروي.
منذ ذلك الحين بدا ان العلاقة «مش راكبة» ولا مجال للحديث عن «كيمياء».
أول تصادم جدي بين الرجلين كان في نيسان 2010، عندما عرضت وزيرة المالية ريا الحسن الموازنة العامة على مجلس الوزراء. عندها اعترض نحاس على مبدأ شمولية الموازنة،
داعياً إلى فصل موازنات الهيئة العليا للإغاثة ومجلس الانماء والأعمار وغيرها من الهيئات عن الموازنة.
لم يكتف نحاس بهذا الاعتراض، فقدم ورقة اقتصادية كاملة، دعا خلالها إلى: فرض ضريبة على الربح العقاري، التغطية الصحية الشاملة، تنفيذ مشاريع تأسيسية للبنى التحتية.
وكل ذلك عبر الاستفادة من فوائض السيولة في المصارف.
نحاس استند في ورقته هذه إلى حقيقة أن المصارف أصبحت قادرة على تلبية طلبات الحكومة بدون ترك آثار سلبية على الاقتصاد، لأن حجم الموجودات في المصارف قارب الـ140
مليار دولار، وهو رقم هائل بالمقارنة مع حجم الاقتصاد اللبناني (خلال سنتين منذ عام 2008، عام الأزمة المالية العالمية، بلغت التدفقات المالية نحو 42 مليار
دولار).
أراد نحاس من خلال ورقته أن يقول حان الوقت لننسى قليلاً هاجس سد العجز وخدمة الدين والانطلاق نحو مشاريع تأسيسية مستفيدين من تدفقات نقدية هائلة. كان السؤال:
نسد العجز ونخدم الدين أو نقوم بمشاريع للبنى التحتية كالمياه والكهرباء والرعاية الصحية والنقل العام. قال لهم: تعالوا ننجز واجباتنا تجاه الناس ومن ثم ننظر
إلى معالجة الدين العام.
عندما زار الرئيس السابق للبنك الدولي جيمس ولفنسون لبنان عام 2001، قال جملة واحدة جعلت السلطة اللبنانية تحبو وراء هلع الدين العام. قال: السفينة المثقوبة
لا تغرق لوحدها بل تغرق معها الجميع. وبعدما كان الرئيس رفيق الحريري خارجاً من نصر انتخابي كبير عام 2000، معتمداً على خطاب يعد بتكبير الاقتصاد، صار كل البلد
أمام مشكلة واحدة تجند الجميع لمواجهتها وهي تخفيض الدين العام. وبمعنى آخر، صار الهدف استثمار كل زيادة في الناتج المحلي حصراً في خدمة الدين، فضاعت كل الأهداف
الباقية.
بغض النظر عن تأييده لهذه النظرية من عدمه، فقد اعتمد نحاس في ورقته على أن حجة عدم وجود تدفقات مالية لم تعد صالحة اليوم بعدما انقلب الاتجاه عام 2008. وفي
ظل الوفر الكبير في الموجودات هل نجلس ونتفرج أم نقول لدينا فرصة إعادة تأسيس جديدة للبلد؟ وسأل: أليست وظيفة الدولة إنشاء المشاريع المنتجة؟
رداً على ورقة نحاس، خرج فريق الحريري بنظرية الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فانكشفت النيات الحقيقية: الدولة تمول والقطاع الخاص ينفذ ويستفيد، ولا أحد
يعرف لماذا لا تنفذ الدولة بنفسها طالما أن كلفة استثمارها هي حكماً أقل.
وقد لعب نحاس في مواجهة هذه الخطة دوراً رئيسياً، شكل نقطة اللاعودة في العلاقة بينه وبين الحريري. ومنذ ذلك التاريخ تركز الهجوم اليومي عليه من فريق رئيس الحكومة
السابق، وما يزال.
ونحاس كذلك كان الوحيد بين نظرائه الذي تنبه لبند كاد يمر في الموازنة وينص على تخفيض الضرائب على إعادة تخمين الموجودات. ففيما حاول فريق «المستقبل» الإشارة
حينها إلى أن هذا البند يساعد في دعم المصانع اللبنانية، اعترض نحاس على ذلك، قائلاً: من يهتم فعلاً للقطاع الصناعي فليقم بإعداد مشروع خاص يعفيه من كل تلك
الضرائب وعدم الاكتفاء بتخفيضها فحسب. اما سبب الاعتراض الرئيسي من قبل نحاس على ذلك البند، فهو أنه يسمح لكل الشركات العقارية بالحصول على هذا التخفيض، لا
سيما منها شركة «سوليدير» التي تتجنب منذ زمن إعادة تخمين موجوداتها هرباً من الضريبة، فإذ بالقانون يقدم لها على طبق من فضة تخفيضاً يسمح لها بتوفير ما يقارب
3 مليارات دولار.
في المقلب الآخر وبعدما تيقن نحاس أن مشروعه لتطوير شبكة الخلوي عبر إدخال تقنيات الجيل الثالث وتطوير شبكة الانترنت عبر تمديد الألياف الضوئية، سيواجه من قبل
أصحاب المصالح ومافيات الأعمال ولن يمر في مجلس الوزراء، لعب بأوراق خصومه. واستغل سلطته في شركتي الخلوي ليطلب منهما أن تقوما بتمويل عملية تطوير الشبكات،
مهدداً بعدم تجديد العقود. أبلغت الشركتان من يهمه الأمر ان لا حول لها ولا قوة وهما مضطرتان للسير بالمشروع.
اعتمد نحاس في ذلك على القانون الذي وضعه الرئيس رفيق الحريري عام 2002، حين ألغيت عقود BOT، حيث تقوم وزارة المالية كل أسبوعين لسحب كل الأرصدة الموجودة في
صندوق الشركتين المشغلتين. والقانون نفسه لا يمنع الشركتين من استعمال بعض الأرصدة قبل أن تتحول إلى الصندوق، في سبيل التطوير. وهكذا كان.
مشروع الألياف الضوئية بدوره سلك طريقاً ملتوية. عرض نحاس المشروع على مجلس الوزراء عبر طلب للحصول على «سلفة بقيمة 100 مليار ليرة لتمويل مشروع إنشاء شبكة
الألياف الضوئية على كامل الأراضي اللبنانية». وبالفعل وافق المجلس سريعاً على السلفة ضمن سلة السلف التي وافق عليها من دون أن يقرأها.
بعدما اكتشفت لعبة وزير الاتصالات في وقت لاحق، طلب الحريري من نحاس تقديم دراسة حول المشروع، فما كان من الأخير إلا أن أحضر إلى المجلس كل الدراسات المتعلقة
به، وتضم آلاف الاوراق. وهو ما كان كافياً لإنهاء النقاش، وموافقة المجلس على المشروع الذي تحول إلى أمر واقع.
في الجلسة التي تلت ظن وزراء «المستقبل» أنه يمكن الاستلحاق وسحب المشروع، فطلب الحريري من نحاس تحضير عقد تراض مع شركة خطيب وعلمي للإشراف على المشروع. وعندما
عرضه نحاس، رفضه الحريري، متوقعاً أن يكون ذلك بمثابة رفض للمشروع برمته. فما كان من وزير الاتصالات إلا أن شكر رئيس الحكومة لتوفيره على الدولة مصاريف إضافية،
لا سيما أن الوزارة قادرة على القيام بالمهمة بنفسها.
في الحالتين، أكمل المشروعان طريقهما إلى التنفيذ، ولن يمضي شهر أيلول إلا ويكونان حقيقة دامغة، تنقل لبنان إلى مصاف الدول المتطورة تقنياً.
يحكى في هذا السياق أن إحدى شركات الانترنت الخاصة، تقدمت بدعوى ضد الدولة، لأن مشروع الألياف الضوئية سيكون أسرع 300 مرة من سرعة الانترنت الحالية، وبقدرة
أوسع، وهو سيضر بمصالح الشركات الحالية، طالبة إيقاف المشروع!
مسك الختام في العلاقة المتوترة منذ اليوم الأول، كانت جلسة شهود الزور الشهيرة، حين قدم نحاس مداخلة دعا فيها لعدم الرضوخ إلى الضغوط الخارجية من إسرائيل وغير
إسرائيل، والتفكير بالأمر من منطلق المصلحة الوطنية العليا. عندها سأله الحريري هل تقول إنني أتعرض للضغوط الإسرائيلية. قال نحاس: قلت ضغوط إسرائيلية مباشرة
وغير مباشرة.
وأنهى الحريري النقاش بالقول: الله لا يخليني أذا بخليك يا شربل... ولم يتبع تلك العبارة أي كلمة بين الرجلين، حتى لو كانت «مرحبا».
في مرحلة تصريف الأعمال، وقبل أيام من تشكيل الحكومة الجديدة، أعلن عن منتج جديد قدمته شركتا الخلوي، من دون أن يتبين ماهيتهما. بعد التدقيق، تبين أن نحاس الذي
كان يسعى لإيجاد طريقة لتخفيض أسعار الخلوي (القانون ينص صراحة أن أي تخفيض بحاجة إلى قرار من مجلس الوزراء)، وجد أن قانون الإدارة يخول الشركتين تقديم منتجات
جديدة للمشتركين. ومن هذه الثغرة، كان سهلاً أن يعلن عن بطاقات تعبئة بأسماء مختلفة، هي بمثابة منتجات جديدة، تصل فيها نسبة التوفير إلى 35 في المئة.
هكذا أنهى نحاس «خدمته» في وزارة الاتصالات، وهو يعلم أن ثمة منظومة في القطاع الخاص قد حفرت مواقع عالية جدا في هذه الوزارة وغيرها وقد تجد من يحميها حتى ضمن
الفريق الذي يدّعي أنه يقدم البديل.
لا مكان لشربل نحاس في حكومة كان يمكن أن تأتي برئاسة سعد الحريري. لو عاد سعد كان سيردد ما قاله قبل ست سنوات: «الله لا يخليني بالبلد اذا بخلي ميشال عون يدخل
على الحكومة». الفاتورة مرتفعة بين نحاس والحريري، من اقتراح الثاني رفع ضريبة القيمة المضافة في مطلع عهده الحكومي ونجاح الأول في خلق مناخ اعتراضي عليها في
صفوف المعارضة السابقة، الى الطبقة الثانية في العدلية... الى مجمل الذهنية الاقتصادية الاجتماعية.. كأنه الصراع يتجدد بين هانوي وهونغ كونغ.

No comments:

Post a Comment