Wednesday, June 29, 2011

التقسيم ... نهاية الأقليات والعروبة
الأربعاء 29 حزيران 2011،   آخر تحديث 09:08 شادي سعد - قيادي في تيار المرده

عندما دخل الدبلوماسي البريطاني مارك سايكس ونظيره الفرنسي فرنسوا بيكو بتكليف من بلديهما في مفاوضات سرية إنطلقت عام 1915 وإنتهت عام 1916 ، وأفضت الى تفاهم
بين فرنسا وبريطانيا ينظم إقتسام "الهلال الخصيب" وتوزيع الأراضي التي كانت تحتلها الإمبراطورية العثمانية فيما بينهما ، كانت الشعوب العربية غائبة كلياً عن
مسرح الأحداث ولم تستفق إلا على خارطة جديدة للمنطقة رسمت حدوداً جديدة لدول، وسّعت بعضها وضيّقت بعضها الآخر. لا شك في أن مسحيي لبنان وبالتحديد موارنته، كانوا
من أكثر الأطراف الذين جرت مراعاة مطالبهم عند رسم الخارطة بغض النظر عما إذا كانت تلك المطالب قد صبت في مصلحتهم أم لا مع مرّ السنين. والمجاعة التي ضربت لبنان
عام 1916، دفعت بالبطريرك الماروني الياس الحويك الى المطالبة بضم اقضية عكار والبقاع الى جبل لبنان، وإستجاب الفرنسيون سريعاً له، وكانوا مستعدين لتلبية أي
مطلب لبناني مسيحيي بالتوسّع ليس محبةً بالمسيحيين بل كون ذلك لم يكن يشكل تعارضاً جوهرياً مع ما كانوا يخططون للقيام به. ليس الوقت هنا للكلام عن صوابية أو
عدم صوابية خيار الكنيسة المارونية آنذاك، إلا ان ما يجب علينا دراسته يتمثل في فهم الأسباب التي دفعت الى تقسيم المنطقة في تلك الحقبة من الزمن وفق الخريطة
الحالية، علنا نستطيع أن نستشرف ما قد يصيب المنطقة ككل فيما لو نجح المخطط التقسيمي الجديد المرسوم للحقبة القادمة.
كانت شعوب المنطقة تغطّ في سبات عميق حين توافقت فرنسا وبريطانيا على إقتسام الأراضي العربية، حتى أن "الشريف حسين" بما كان يمثل من مرجعية في حينه لم تصله
بنود الإتفاق إلا بعد فوات الأوان. فأهداف سايكس ـ بيكو لم تكن تقتصر على إقتسام خيرات دول المنطقة والإستفادة من موقعها الإستراتيجي على المتوسط وفي منتصف
العالم القديم فحسب، بل تتعدى ذلك الى شرذمة شعوب المنطقة واضعاف القدرة العسكرية والإقتصادية التي يمكن أن تتشكل فيما لو كان هناك وحدة شعوب عربية، لم تكن
قد غزتها نيران الطائفية والتشرذم بعد. فأول جيش عربي تشكل بقيادة الشريف حسين وقاتل الى جانب الحلفاء في مواجهة الإحتلال العثماني، كان عيّنة ذات دلالات كبيرة
لما يمكن أن تكون عليه هكذا دولة متحدة تجمع شعوب سوريا وفلسطين والأردن والعراق وبعض أقضية ضمت الى لبنان الكبير. وإن زرع إسرائيل في هذه المنطقة كان يتطلب
شرذمة الشعوب واضعاف كل إمكانية لتشكيل دول قادرة على المواجهة في أي نزاع قد ينشأ لاحقاً. وقد أثبتت العقود اللاحقة لبدء الإنتداب والمستمرة بعده أن مشروع
تقسيم المنطقة العربية نجح في إبقاء الدول التي رسم حدودها ذلك الإتفاق الفرنسي البريطاني ضعيفة وغير قادرة على المواجهة. إلا أن التاريخ البعيد والقريب يثبت
أن أي مشروع لا يمكن أن يستمر في ظل تغير الظروف وتبدّل الأحوال وتطوّر الشعوب، الأمر الذي حتم على الولايات المتحدة الأميركية التي حلّت محل بريطانيا وفرنسا
وسائر الدول العظمى في العالم القديم كقوة وحيدة مسيطرة أن تسعى الى تجديد ذلك المشروع أو إستبداله بآخر يؤمن إستمرارية تحقيق بنك الأهداف العالمي في المنطقة.
فظهر الى العلن مشروع الشرق الأوسط الجديد في سابقة لم يشهدها علم السياسة والدبلوماسية من قبل، إذ إن كافة المشاريع التي تهدف الى تغيير واقع دولي قائم، أو
ترمي الى تعديل في خريطة دول أو مناطق تبقى سرية الى حين الإنتهاء من تنفيذها، إلا هذا المشروع الذي ظهر الى العلن وهو لا يزال مجرد مشروع لم يتم البدء بتنفيذه.
وفي ذلك ثقة كبيرة من واضعيه بأن لا امكانية لأي فريق للوقوف في وجهه أو إسقاطه. ما يعنينا اليوم في هذا المجال هو فهم الخطوط العريضة لهذا المشروع ودراسة وسائل
تطبيقية وإستنتاج أهدافه ونتائجه على المنطقة. فليس خافياً على أحد أن كل مخطط يأتي من الغرب يتم تزيينه بشعارات جميلة تتحدث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحق
الشعوب بتقرير مصيرها، إلا ان الدخول الى عمق هذه المشاريع يظهرها مضرجة بدماء الإقتتال الطائفي والمذهبي والعرقي. فمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي جاهرت الإدارة
الأميركية برغبتها تطبيقه في منطقتنا هو مرادف لمشروع تقسيم المنطقة من جديد أي هو ملحق لمشروع سايكس ـ بيكو. وتسربت عن دوائر التخطيط الإستراتيجية الأمركية
وثائق عدة منها وثيقة "راند" وغيرها من الأبحاث التي جعلت من الفوضى الخلاقة السبيل الأمثل لزرع القلاقل في الدول ونشر الفتنة الطائفية والمذهبية بين الشعوب
وترك الامور تسير في هذا المنحى التقاتلي الكفيل بإغراق الدول في حمام دم وجعل المنطقة مشتعلة بالحروب وغارقة بالفوضى لسنوات عديدة فتنشأ دويلات طائفية غير
معترف بها من الأمم المتحدة على الرغم من أنها تشكل امراً واقعاً، ويكون ضحيتها الأولى كافة الأقليات في المنطقة التي لن تجد من يكون عوناً لها في ظل إستمرار
النزف وعدم الحسم وتعميم الفوضى. فتخيلوا مثلاً إقتتالاً طائفياً ومذهبياً مستمراً وممتداً لسنوات ومترافقاً مع أزمات إقتصادية وإجتماعية دون أن يكون هناك حل
أو أفق لهذا الإقتتال، فمن البديهي أن يسبب هجرة لا مثيل لها تتشكل غالبيتها من الأقليات الطائفية خاصة المسيحية منها على غرار ما جرى في العراق، فيتم تفريغ
المنطقة من المسيحيين وما من أحد يسأل، ويستمر التقاتل الى درجة يصل فيها الكل منهكين الى خط اللاعودة، فترتاح اسرائيل التي إهتز وجودها واستمراريتها ومستقبلها
بعد تموز 2006، وتتفرغ من جديد لتحصين كيانها في ظل إنشغال من حولها بالفتن.
وبالخلاصة، إن إستمرار عدم الوعي عند شعوب المنطقة العربية سيوصل بنا الى نتائج حتمية ثلاث:
- تقاتل طائفي ومذهبي يضعف السنّة والشيعة في آنٍ معاً.
- فوضى عارمة في المنطقة تدمّر البنى التحتية للدول حيث يلزم بعدها عشرات وعشرات السنين لكي تعود الى حيث بدأ التقاتل.
- الأقليات ، خاصة المسيحية منها، مهددة بوجودها، ومصير من تبقى منهم في مصر وسوريا ولبنان لن يكون أفضل من أسلافهم في العراق والأراضي المقدسة في فلسطين المحتلة
، فينتهي الحضور المسيحي التاريخي الفاعل وغير الفاعل، وتصبح كلمة عروبة فارغة من مضمونها وغير ذات معنى بغياب الشريك المسيحي، وهناك تنطلق المحنة الحقيقية
وبداية النهاية.
فهل يستفيق شعوب المنطقة ويدركوا ان من أوقظ الفتنة يهدف الى تدمير شامل لجميع الطوائف والمذاهب والدول، فيتصدوا له، أم يكون التقسيم غير المعلن هو نهاية الأقليات
والعروبة في آن؟

No comments:

Post a Comment