Sunday, July 24, 2011

> مغارة «أوجيه»: رشاوى واختلاسات وفواتير وهمية

مغارة «أوجيه»: رشاوى واختلاسات وفواتير وهمية
سامي حيدر

السؤال الأهم الذي يغيب عن جميع محاوري الرئيس سعد الحريري، هو عن حقيقة أزمته المالية؟
السؤال العلني ممنوع، رغم أن معظم المقربين منه، أو العاملين مباشرة في مؤسساته، أو المرتبطين بمشاريع مع شركاته، لا يطرحون غيره ليل نهار. والسبب ليس الاطمئنان
الى الوضع الوظيفي فقط، بل أيضاً الى مصير الديون التي لهم في ذمة الرجل، وهي بمبالغ تراوح بين 2500 دولار أميركي لبائع خضار في بيروت، و20 مليون دولار لمقاول
في السعودية، وأكثر من مئة مليون دولار لهذا المصرف أو ذاك من المصارف التي تغطي مشكلة السيولة عند رئيس الحكومة السابق؟
السؤال الآخر الأصعب هو: ما هي حقيقة علاقته بالسعودية اليوم، وما الذي بقي له من عهد الملك الراحل فهد ونجله عبد العزيز، وما هو واقع شركاته، وخصوصاً «سعودي
اوجيه» داخل المملكة الآن؟ وما هي انعكاسات عملية توزيع إرث والده، عليه وعلى إخوته، على مجمل أعماله في السعودية وخارجها؟ وأين أصبحت علاقته بشقيقه بهاء، او
شقيقته هند، وما هو تأثير الأزمة القائمة على عمته بهية، وعلى أقاربه وبعض مساعديه المقربين؟
الواضح، أن عدم طرح الأسئلة سببه أن رئيس الحكومة السابق لا يزال غارقاً في أزمته المالية، وهي أزمة تضاعفت مع خروجه من السلطة، وتعاظم أزمته السياسية أيضاً،
علماً أن في فريقه من تولى إشاعة أنباء غير صحيحة، أبرزها أن الحكومة السعودية أعطت الحريري حوالى 20 مليار ريال سعودي لمعالجة أزمة الديون في شركاته. وهي شائعة،
بحسب مقربين منه، ذات هدف محدد، هو منع انفراط عقد قطاع كبير من الموالين له بسبب الارتباط الوظيفي به، وخصوصا أن غالبية كبيرة من موظّفي «سعودي أوجيه» هم من
صيدا وطرابلس وعكار.

«الهامور الكبير»

تعرف «سعودي أوجيه» بـ «الهامور الكبير»، أي الحوت الذي يخطف السوق من التجار الصغار. ولطالما كانت بمثابة «البنت الدلّوعة» بالنسبة الى الحكومة السعودية، ولا
سيما في عهد الملك فهد، لكن هذا «الهامور» يعاني اليوم ضعفاً، وليس بيده حيلة. يخسر ويراقب خسارته بحذر وخشية من الإفلاس. المشاريع تخسر، والعمال من دون رواتب.
وأبرز الأمثلة، اليوم، مشروع طريق الملك عبد الله في الرياض، الذي أُنهيت أشغاله بمعايير تخالف ما هو معتمد عادةً، وبخلاف الشروط المتّفق عليها، فكانت النتيجة
خسارة ماديّة كبيرة تفوق الـ 200 مليون ريال سعودي (نحو 55 مليون دولار أميركي)، علماً أن الرئيس الحريري عمل بقوة، في الشهور القليلة الماضية، لترتيب أموره
مع القصر الملكي، بعدما رفض الملك عبد الله استقباله وكلف الأمير خالد بالمهمة. لكن الاجتماع الأخير له بالملك، أتاح له الحصول على بعض المال لتغطية ديون يعجز
حتى الآن عن تسديد نصفها. وفي هذا السياق تؤكد مصادر واسعة الاطلاع داخل «سعودي أوجيه» أن الديون تفوق قدرة الشركة على السداد، وأن هناك عدداً من المقاولين،
لكل منهم في ذمة الشركة أكثر من 50 مليون ريال سعودي (نحو 14 مليون دولار)، علماً أن طريقة عمل «سعودي أوجيه» تعتمد على تغذية المقاولين بالسيولة مرة كل 5 أو
6 أشهر.
وفي البحث عن أسباب الفشل، يبدو العنوان الأكثر وضوحاً هو السرقة والهدر، وخصوصاً عندما يتبين أن سعي البعض من كبار الموظفين الى تحقيق أرباح شخصية، بات أهم
عندهم من الولاء للشركة أو لصاحبها، او حتى لزعيم التيّار السياسي، الذي يفترض أن غالبية الموظفين ينتمون اليه. فـ «سعودي أوجيه» تملك، مثلاً، مصنعاً للخرسانة
في مدينة جدّة، وهناك تجري عملية صناعة الباطون الجاهز قبل نقله الى مواقع المشاريع في أنحاء المملكة. هنا، ينفتح باب رئيس للسرقة والهدر، إذ إن كلفة نقل 20
طناً من الباطون الجاهز من جدة الى الرياض تراوح بين 500 و600 دولار أميركي، لكن في «سعودي أوجيه» هناك تسعيرة أخرى، إذ إن الفواتير تشير الى أن الكلفة ترتفع
الى ما يقارب الـ 1500 دولار، لكن، لكي يمرّ هذا المبلغ على شكل فواتير، فإنه يحتاج الى تواقيع مديري النقل والمحاسبة والعمليات، فمن الذي يزوّر، ومن الذي يغطي،
وما هي الأرباح؟
«ما في حدا ما بياكل»، هي العبارة التي يرددها كل من يعمل في «سعودي أوجيه». بإمكان الموظف العادي أن يحصل على ما بين 3000 و4000 دولار أميركي في الشهر، إضافةً
الى راتبه، وذلك من خلال زيادة طلبات النقل أو التغاضي عن ساعات العمل الفعليّة للشاحنات، فبدل أن تكون 7 ساعات تصبح 11 ساعة، مثلاً، وصولاً الى تسجيل شاحنات
وهمية لا وجود لها أصلاً. فأين المحاسب، وأين المدقق، وأين المراقب المالي؟
فاحت رائحة الفساد الذي ينخر «سعودي اوجيه» الى لبنان منذ ما يقرب خمسة أشهر. أخيراً، قرّر الحريري إدارة الشركة بنفسه. استقدم نخبة من المدقّقين الماليين،
ناهز عددهم الـ 40، برئاسة م. ش.
استيقظ مديرو الأقسام في الشركة ليجدوا أنفسهم، للمرة الأولى، تحت طائلة المحاسبة والتدقيق المالي. فتحت حساباتهم المصرفية الشخصية. دقق في ممتلكاتهم التي اشتروها
نقداً. دقق فريق التدقيق في كل الحسابات، وجال على مواقع البناء التي تتسلمها الشركة، واطلع على الحسابات المالية، فوجد فواتير وهمية، ومبالغ طائلة في حسابات
مديري الأقسام في الشركة وصلت الى ملايين الريالات السعودية. تفتحت العيون التي كانت مغلقة فترة طويلة عن المفسدين في الشركة نتيجة انشغال رئيس الحكومة السابق
طوال السنوات الست الأخيرة في السياسة اللبنانية، وطفت الى السطح كوارث مالية منها:
* اكتشف المدققون أن مدير مشروع «آي ام جي»، وهو فرنسي الجنسية، كان قد اختلس مبلغاً قدره أربعون مليون ريال سعودي.
* «شركة التنمية لما وراء البحار»، المملوكة للشيخ بهاء، شقيق سعد، سبق أن التزمت كل الأعمال اللوجستية في «سعودي أوجيه» بصفتها شركة شحن جوّي وبحري وتخليص
جمركي. هذه الشركة بات لها في ذمة «سعودي اوجيه» اكثر من 33 مليون ريال سعودي (نحو تسعة ملايين دولار). وكان المقربون من سعد قد اتهموا شركة بهاء بأنها كانت
تقدّم فواتير وهميّة بمبالغ خياليّة لـ «سعودي أوجيه»، ما يعني أن مستحقاتها قد تكون اقل من الرقم المعلن، لذلك تقرر تجميد العلاقة مع الشركة وإبعادها عن اعمال
«سعودي أوجيه» التي لزّمت الأعمال نفسها ـــــ وعبر الباطن ـــــ الى شركة أخرى تدعى «إمداد فور أم» مسجّلة باسم سعودي، يملكها ويديرها اللبناني «م. ض.»، وهو
مدير أحد الأقسام في «سعودي أوجيه»، لكن فريق المدققين التابع للحريري ما لبث أن اتهم هذه الشركة ومديرها بارتكاب مخالفات للقانون أيضاً.
* تلزيم العمل لـ 6 شركات مقاولات يملكها «ف. ش.»، وهو المدير العام المساعد للعمليات في «سعودي اوجيه». والشخص الوحيد المخوّل ضخ المال في المشاريع. وكان سعد
الحريري يحوّل الأموال اليه بالتنسيق مع محمّد الحريري، ابن عم سعد، و «بنك البحر المتوسط»، على أن يتولى صرفها على كافة المشاريع في المملكة، إذ إن الرجل كان
مسؤولاً عن تلزيم مشاريع البناء للشركات التي يريد، ووضع الميزانية المالية المخصصة لكل موقع تعمل عليه «اوجيه». وما لفت انتباه المدققين أن «ف. ش.» ضخ كل المال
في مشروع واحد هو جامعة الأميرة نورا في الرياض، ممّا أدى الى تعطّل المشاريع الأخرى، منها مشروع جبل عمر في منطقة مكة، ما أدى الى سحب المشروع من الشركة. كما
أن «سعودي أوجيه» وفت بالتزاماتها لـ 6 شركات مقاولات فقط، «صدف» أنها الشركات التابعة لـ «ف. ش.». وبعد الاطلاع على حسابات الأخير تبيّن أن هناك مبالغ خياليّة
موجودة في حسابه وفي حسابات أفراد أسرته. واكتشف المدققون أن ف. ش. اختلس ما يقارب 300 مليون ريال سعودي بالاتفاق مع بعض محاسبي الشركة.
وقد طالبت الحكومة السعوديّة إدارة «سعودي اوجيه» بتوضيحات، بعدما تبين أنّ قيمة مشروع جامعة الأميرة نورا أقل بكثير من كلفته، ما اضطر الحريري الى التنقل وقتاً
طويلاً بين مكتب وآخر، والى تكثيف اتصالاته بجميع الجهات المسؤولة لتهدئة الوضع.
وضع ف. ش.لفترة قيد الاقامة الجبرية ثم اتم الحريري معه تسوية حبية اعادته الى العمل مع تدقيق في كل اعماله، ومع سقوطه «كرّت السبحة» وبدأ السارقون يتساقطون.
اكتشف المدققون فواتير وهمية لآلات وهمية يفترض أنها موجودة وتعمل على الأرض، وذلك بالاتفاق مع بعض مسؤولي العمال في مقابل رشى تراوح قيمتها بين 10 آلاف و15
الف ريال سعودي شهرياً، ومن بين هؤلاء المغربي م. س. الذي يعمل في شركة اخرى تابعة لـ م. ض. ومن المتورطين أيضاً السوري ن. س. وهو مدير العقود في «سعودي اوجيه»،
وقد وصلت المبالغ التي اختلسها الى أكثر من 100 مليون ريال سعودي، ومدير المحاسبة اللبناني أ. م. الذي تبين أنه كان يتقاضى رشى من مديري الأقسام، ومنهم م. ض.
ويتردد في الرياض أن الحريري عقد اجتماعات مباشرة مع جميع المتهمين بالاختلاس، وحاول إقناعهم بالتنازل في سياق معالجة الأمر. وقد قبل بعضهم وسويت الأمور حبياً
معهم بعد دفع مبالغ من أرباحهم المفترضة، فيما رفض آخرون فأُحيل معظمهم الى الجهات المختصّة.

http://www.al-akhbar.com

No comments:

Post a Comment