Monday, July 18, 2011

بورتريهعباس إبراهيم في الأمن العام
ابراهيم
عمار نعمة
لعله لم يكن مفاجئاً لـ"العميد" السابق، "اللواء" الحالي، عباس ابراهيم، تعيينه مديراً عاماً للامن العام، اذ بينما تراءى لكثيرين ان حدة السجال التي بدت متصاعدة
في الايام الاخيرة بعناوين طائفية، ولكن بخلفية إبعاده عن المنصب الجديد، قد تنجح في اقصاء "أبو محمد"، بدا الاخير، اضافة الى العارفين ببواطن الامور وطبيعة
المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد، في اجواء ذلك الاختيار الذي لم يكن الاعلان عنه ينتظر سوى "التوقيت المناسب"، خاصة أن كل من يعرفه، يعترف له بخبرته وكفاءته
ومناقبيته الوطنية العالية. في التاريخ الحديث، وتحديداً بعد الطائف، اتخذت المديرية العامة للامن العام جاذبية خاصة منذ أن تسلمها اللواء الركن جميل السيد
في العام 1998، فدفع بها قدماً على سلم المسؤوليات والتحديات الامنية في البلاد، واضاف اليها من "كاريزماه" الشخصية ونفحته، في الامن كما في السياسة. كان ذلك
في ظل المتغيرات الجذرية التي حملتها رياح ما بعد الحرب واستتباب السلم الاهلي، سياسيا وديموغرافيا، اذ باتت المديرية لاعبا اساسيا، بل محوريا، في اللعبة الداخلية.
وبعد ان مثلت "عين" رؤساء الجمهورية طيلة عقود، باتت مساحة حركة اوسع واشمل خصوصاً في مجال "حماية" المقاومة في واحدة من اكثر المراحل استهدافا لها، في ظل متغيرات
اقليمية يراهن البعض عليها لضرب المقاومة من الداخل بعد يأسه على ما يبدو من جدوى استهدافها الخارجي. يحافظ عباس ابراهيم على سمة الضابط الجاد والمسؤول، وهو
بذلك قليل الكلام، يقيس حروف كلماته بميزان "جوهرجي" ماهر، يستمع لجليسه طويلاً من دون اخذ المبادرة بالكلام، سوى للإجابة، باقتضاب دقيق، للسؤال او للملاحظة،
وهو يفسح المجال لحديث الآخر، من دون مقاطعته، وكأنه بذلك يستأذن للرد على سؤال او للتعقيب على امر ما. يكون نائماً على كنز من المعلومات والأسرار، ويجلس أحيانا
في حضرة عارفين أو غير عارفين، ولا يملك في حالة كهذه الا أن يستمع ويشعر من معه أنه يتعرف على الموضوع المطروح للمرة الأولى. خبير سياسي من الدرجة الأولى،
ولدى الاصرار عليه من بعض رفاقه، بأن يعطي رأيه يبدو متحفظاً حتى يخيل للمرء للوهلة الاولى بأنه شخصية متحفظة أو أنه يحصي كلمات محدثه، او ربما هفواته، ليرد
بابتسامة لطيفة، بعد تردد، ليُفهم محدثه بعدم رغبته بالتطرق إلى قضية ما او شأن حساس او حتى حادثة ما، سواء كان ذلك يتصل بماض عسكري، او بعلاقة "مميزة" ربطته
مع هذا المرجع او ذاك، وهم كثيرون، لا بل متناقضون في السياسة، عاصرهم خلال توليه مهماته العديدة في الجيش وخاصة في جهاز المخابرات. ولقد ربطت اللواء عباس ابراهيم
علاقة ثقة مع الرئيس ميشال سليمان لسنوات، وتوطدت خلال أحداث مخيم نهر البارد، ذلك أن سليمان كان يدير تلك المعركة، من موقعه قائداً للجيش بما تيسر من امكانات
متواضعة للجيش وكان يراهن في الوقت نفسه، على قدرة عباس إبراهيم على اختراق منظومة "فتح الإسلام" في عز المعركة، وهو ما حصل وصولاً الى النهاية التي أفضت حسماً
لمصلحة الجيش. ولطالما عوّل "العماد" على "العميد" نائب مدير مخابرات الجنوب في المهمات الصعبة، خصوصية علاقة الجيش بالمقاومة، ملف المخيمات الفلسطينية وتحديداً
مخيم عين الحلوة، حيث تجرأ عباس ابراهيم أن يكون أول ضابط لبناني يدخله في يوم من الأيام على قدميه ويفاجئ من يترصدونه أمنياً أو من يحفظون له حرصه على أمن
المخيم، وهي الخطوة التي جعلت قائد الجيش الحالي العماد جان قهوجي يتمنى عليه ألا يكررها حرصاً على أمنه الشخصي وعلى أمن المؤسسة العسكرية. عندما كان يبادر
بعض الخبثاء لسؤال عباس ابراهيم عن سر "تذبذب" العلاقة بينه وبين رئيس الجمهورية، كان "أبو محمد" يسارع للتعقيب: "فخامة الرئيس أتى في لحظة مفصلية وكان خياراً
إجماعياً لبنانياً وعربياً ودولياً، واذا كان البعض ممن سبقني يشكل عين الرئاسة، فأنا سأكون عينها وظهرها وحاميها! بتلك العبارات كان بذلك يرد على الاسئلة حول
ذلك الزواج الماروني الطويل الذي يربط بين رئاسة الجمهورية ومدير الامن العام. ويحلو لابراهيم، صديق المقاومة، لا بل "حامي ظهرها" أيضاً، ومن موقعه الجديد اليوم،
التحدث عن اهمية تطبيق خطاب القسم والبيان الوزاري، والاولوية لما يسميه ابراهيم بـ"الثالوث الماسي" أي معادلة "الجيش والشعب والمقاومة". يسأله الأصدقاء "هل
انت فعلاً رجل المقاومة في الجيش؟"، يسارع للرد "أنا رجل الجيش والمؤسسة العسكرية لدى الجميع". على ان العلاقة التي ربطت وما تزال بين ابراهيم والمقاومة تعود
لسنين طويلة مضت، اذ ان ابن بلدة كوثرية السياد في قضاء النبطية، تشرّب، وكان لا يزال في ربيع العمر، قضية المقاومة ضد اسرائيل، فقد عايش خطر العدو، بغض النظر
عن طبيعة تلك المقاومة، جهادية ام جنوبية محلية ام يسارية ام قومية.. وهو، بانتسابه الى المؤسسة العسكرية في العام 1980، ادرك اهمية تحول الجيش من اداة فئوية
وطائفية الى مؤسسة وطنية تتآخى وتتكامل مع المقاومة. وعبر تدرجه في مواقعه طيلة نيف وثلاثين عاماً، اثبت بفعله انه "ظهير" هذه المقاومة، التي زكته بدورها في
تدرجه، من دون أن يسأل عن هوية المقاوم. يدخل ابراهيم اعتباراً من اليوم معترك السياسة المباشر، وهو لم يكن بعيداً عنه، فمديرية الامن العام قدرها ووظيفتها
أن تواكب الحراك السياسي الداخلي، ومن قدر ابراهيم انه يدخل المعترك الجديد في ظل مرحلة بالغة الدقة لبنانياً واقليمياً، يرى فيها ابراهيم واجباً اضافياً لدى
اللبنانيين للوحدة والاستقرار "اذ ان اولويتي ان تشكل مؤسسة الامن العام اطاراً لخدمة الوطن وتأمين الاستقرار السياسي وامن المواطنين، وكلما زاد الانقسام السياسي
لدينا زادت مسؤولياتنا بوجه خطري اسرائيل والارهاب" حسبما ينقل عنه زواره. قيل الكثير حول علاقات "مهتزة" لـ"اللواء" الجديد مع بعض المراجع، الحالية او السابقة،
لكن اهم الدعائم التي يستند اليها تتمثل في "انفتاحه" على الجميع، فهو ينطلق من بيئة "مؤمنة" لكن غير "متزمتة"، وهو لم يعتنق أي عقيدة سياسية كان من شأنها عزله
او حجبه عن تدرجه بالرتب وكان الاساس، حسب مقربين منه، نجاحه في المهمات التي اوكلت إليه، ابتداء بمرافقته لمندوب الجامعة العربية الاخضر الابراهيمي الذي مكّنه
من العبور في آخر سني الحرب بين ضفتي الانقسام اللبناني للتوسط لانهاء الحرب، مروراً بتولي "الامن المباشر" للرئيس الياس الهراوي عندما كان الاخير اسير اقامته
الجبرية في الرملة البيضاء، وصولاً الى تولي امن الرئيس الراحل الشهيد رفيق الحريري الذي تمسك بابراهيم، الضابط الشيعي الجنوبي، ورفض بشدة مغادرته الى مديرية
المخابرات. تعود علاقة الحريري بابراهيم الى ما قبل العام 1992، تاريخ تولي الحريري رئاسة الحكومة، "اذ ان علاقة شخصية ممتازة" ربطت بينهما. ويشير مقربون من
ابراهيم الى ان الأخير نفذ مهمات سرية خاصة جداً دفعت بالحريري الأب، اثر "حادثة بالغة الأهمية"، الى حفظ ذلك الجميل والطلب منه، لشدة ثقته بذلك الضابط وبخبرته،
الإشراف على انشاء جهازه الامني الخاص، سنوات قبل مغادرة ابراهيم الى مديرية المخابرات لأسباب لا تمت الى العلاقة مع الحريري بصلة. ومنذ العام 2005، وانطلاقاً
من مديرية المخابرات في الجنوب، ومن ثم كمساعد لمديرها في لبنان، بنى ابراهيم رصيداً من العلاقات، وبات نقطة تقاطع بالغة الاهمية شملت عناوين المقاومة، "اليونيفيل"،
التنظيمات المتطرفة، المخيمات والحركات الفلسطينية... عند عباس ابراهيم تقاطعت عناوين ومهمات. تثق به "حماس" و"الجهاد" وهو الوسيط الذي طالما تدخل سعياً لرأب
الصدع الفلسطيني. تواصل مباشر مع "أبو مازن". تواصل مع القيادة السورية. علاقة ثقة وصداقة مع قيادات عسكرية وأمنية تركية. ندر أن يزور مسؤول أمني أوروبي لبنان،
وخاصة ممن يشاركون في "القبعات الزرق" الا ويكون على موعد مسبق مع ابراهيم. عباس ابراهيم جلس على طاولة نظراء له في أمن "الناتو". في استراليا. في أوروبا. في
الإمارات. في دول مجلس التعاون الخليجي. صديق سوريا. صديق معظم دول الخليج... وعندما يريد أن يتوغل في السياسة المحلية، تجده ومن موقع صدقه وحرصه يمضي أمسية
عائلية مع "ابو تيمور" في المختارة أو مع "ابو ماهر" (نجيب ميقاتي) في فردان. لا يستثني أحداً ولا يضع "فيتو" على علاقاته... ولا يحاول أن يجير نفوذاً لمصلحة
شخصية. يرى ابراهيم ان ذلك التراكم يحمله مسؤولية اكبر في موقعه الجديد، ويراهن المقربون منه على شخصية الوافد الجديد، غير المستفزة للخصم، والذي يحتفظ بـ"كاراكتير"
جذاب وصداقات وعلاقات ثقة مع جميع اللاعبين الرئيسيين: ميشال سليمان، نبيه بري، ميشال عون، سليمان فرنجية، جان قهوجي. عندما كان يتلقى التهاني في منزله سأله
البعض عن سر موقف قوى 14 آذار من تعيينه، فأجاب معلقاً بكلمات مختصرة وذات دلالة، بأن "كل ما يقال من كلام حولي لا اساس له وسأبقي أبوابي مفتوحة للجميع". هل
يملك عباس إبراهيم تصوراًَ للأمن العام؟ من يعرف الرجل يدرك أنه حتى لحظات قليلة من تعيينه كان يتصرف على أساس أنه ضابط في الجيش ونقطة على السطر، "فالمنصب
يأتي ويروح ولكن ما يبقى هو الانجازات".

No comments:

Post a Comment