Monday, July 25, 2011

> نوّاب المستقبل يولولون: البعـريني دائماً في المرآة

نوّاب المستقبل يولولون: البعـريني دائماً في المرآة
خصم ميقاتي أقرب في الإمكانات والقدرات (وربما العلاقات الدولية) إلى البعريني (أرشيف)

لا شيء أصعب من هذا: أن تكون خالد زهرمان (أو أحمد فتفت أو محمد الحجار أو سمير الجسر أو زياد القادري) واقفاً بكامل أناقتك أمام المرآة، وعوض أن ترى صورتك ترى
صورة النائب السابق وجيه البعريني. قدراتك الخدماتية كقدراته المعدومة في السنوات السبع الماضية، تعلك خطابك كما يعلك خطابه، قائدك تركك وحدك فجأةً كما تركه
قائده. والأنكى، جيبك فارغ وجيبه دائمأً مليء

غسان سعود

بمجرد أن يُذكر اسم وجيه البعريني، ترتسم ضحكة. تحضر مع الاسم إطلالة بعرينيّة وخطاب يتلعثم بالمفردات. كاريزما بالمقلوب وخطاب سياسي للتنويم. وبحكم الحصار المفروض
عليه، لا خدمات منذ نحو سبع سنوات. ولا يكتفي البعريني بما ابتلاه الله به من نكسات، بل يصر على أن ينكب نفسه بمصائب إضافية عبر التمسك بخطاب يبزّ خطاب النائب
علي عمار في الدفاع عن حزب الله، لكن مع هذا كله يحافظ وجيه البعريني على شعبيته وثقته بنفسه.
في المقابل، يتمتع خصوم البعريني بالإطلالة الجذابة (باستثناء واحد فقط من النواب العكاريين السبعة) والخطاب السلس الذي يراعي المشاعر والغرائز والأحقاد الدفينة،
وبعض الكاريزما و«القفشات» السياسية، وقد استفاد هؤلاء من كل أنواع الخدمات في السنوات السبع الماضية.

لكن رغم هذا كله، لا ثقة بالنفس هنا ولا بالشعبية.
مشهدهم في حضرة الوزراء في «حكومة القَتَلة» يدل على ذلك، مدحهم وزير الأشغال العامة والنقل هنا وهناك يدل على ذلك، إلحاحهم في طلب المواعيد من هذا الوزير أو
ذاك في «حكومة القتلة» يدل على ذلك.
كان يمكن مشاهدة خمسة من نواب عكار السبعة مرتبكين الأسبوع الماضي أمام مواطن يطالبهم بأخذ موعد لهم وله عند وزير الداخلية والبلديات ليظفروا منه بـ«كلمة» بشأن
عدم المس بالوجود العكاري النوعي والكمي في مؤسسات الوزارة. وكان يمكن سماع ستة من السبعة أنفسهم يحتفلون بزيارة الوزير وائل أبو فاعور إلى منطقتهم، كما كان
يمكن سماع ثلاثة منهم ينتقدون إصرار واحد منهم على المعارك «الدونكيشوتية» التي ستخسرهم ثقة الناخبين بقدرتهم على اللجوء إليهم حين تدعو الحاجة. مع العلم أن
نائباً وحيداً من النواب العكاريين السبعة في كتلة المستقبل يعتقد أن الوسيلة الوحيدة لشد عصب المواطنين هي إشعارهم بأن هناك من يسرق «مكتسباتهم» ويحرمهم «حقوقهم».
وبحسب هذا النائب فإن «العكاري سيثور عندما يرى نائبه منهزماً عاجزاً عن خدمته، وسيؤازر نائبه عندما ينتفض لكرامته ويرفض استقبال أحد الشركاء في إسقاط الرئيس
سعد الحريري».

لا خدمات ولا أموال

يعرف المستقبليون أنهم دخلوا مرحلة الـ «لا خدمات»: لن يستطيع النائب أحمد فتفت أو مساعده نقل عشرات الأساتذة وأصواتهم الانتخابية من مكان إلى آخر بمجرد الاتصال
بمعالي وزير التربية، فهو لا يعرف رقم هاتف وزير التربية الجديد. لن تستطيع الموظفة الشابة في مكتب أحد النواب العكاريين تعيين دركي وإراحة آخر ومعاقبة ثالث
لأن مظلة اللواء أشرف ريفي فوق رأسها؛ ثمة شمس تسطع في السماء الزرقاء هذه الأيام. الموظف «التنفيعة» للنائب الفلاني مضطر إلى أن يذهب إلى وظيفته في الوكالة
الوطنية للإعلام أو أن يلاحق بعض الأخبار في منطقته لأن وزير الإعلام الجديد لم يسمع باسم الوزير الذي وظفه، تماماً كما لم يكن النائب نفسه قد سمع باسم هذا
الوزير حتى تعيينه وزيراً. من يعرف النائب محمد كبارة جيداً يعرف أنه ينجز نحو ثلاثين خدمة قبل أن يغادر سريره في الصباح. ومن يعرف في كتلة المستقبل وزير الصحة
الجديد علي حسن خليل يعلم أن الاتصال به طلباً لخدمة أمر يختلف تماماً عن الاتصال بسلفه محمد جواد خليفة طلباً لخدمة.
لا خدمات، هذا أولاً. ثانياً لا أموال. ولّى زمن المساعدات الطبية الكبيرة بعد انتهاء زمن المنح التعليمية. حتى المستوصفات التي تتبع لتيار المستقبل استغنت
عن غالبية موظفيها وباتت تنصح المواطنين الذين يفدون إليها بالتوجه إلى المستشفيات الحكومية. وتكاد تخلو بعض المراكز الحزبية الأساسية، ولا سيما في بيروت والشمال،
من المتفرغين. يفترض بالنواب التعايش مع هذا الأمر أيضاً: لا يمكنهم تحويل الراسبين في امتحان الخدمة المدنية إلى إحدى مؤسسات المستقبل أو توفير راتب ثلاثة
أشهر لهم ريثما يجدون وظيفة. حتى شركات الأمن الخاص بدأت تضيق بمَن فيها، وأبلغت إحداها نحو مئة من موظفيها (الشماليين بغالبيتهم) استغناءها عن خدماتهم.
كان يمكن النائب السابق وجيه البعريني التعايش مع الفقر، فهو لا يضيّف أصلاً زواره سيغاراً، بل «دخان لف»، ويستعيض عن المياه المعبّأة بأكواب مياه من حنفية
الدولة. وربطة عنق البعريني هي نفسها كبذلته منذ انتخب نائباً لأول مرة قبل عشرين عاماً. وحين يضطر إلى أن يدفع، يستطيع. فعلى عكس غالبية نواب المستقبل الحاليين،
يد البعريني في جيبه وجيبه مليء، مع الأصدقاء ومن دونهم. لا خدمات إذاً عند المستقبليين ولا أموال، في مقابل عند البعريني خدمات وأموال. يحق لزملاء عمار الحوري
أن يحملوا همّاً. سيرتدون الثياب التي ارتداها وجيه البعريني ست سنوات فيما يرتدي هو ثيابهم. يمكن تخيل البعريني مرتدياً ربطة عنق خالد زهرمان البنفسجية، سعيداً
كخضر حبيب بزمور سيارته.

قُد ولو عبر «سكايب»

لا يخرج البعريني من المرآة. حين ينظر بعض نواب المستقبل إلى أنفسهم اليوم يتخيلون كيف كانت حال أبو وليد حين لا يرد العميد X على اتصالاته أو حين يزوره في مكتبه
في سوريا ولا يجده. ها هم، تقودهم اليوم «إسم إم إس» من أحمد الحريري، «إمايل» من أيمن جزيني، «مانشيت» في صحيفة «المستقبل». يحلم بعضهم لو يُشغل الحريري قليلاً
عن قيادة دراجة «الهارلي» بتعلم الـ «سكايب» ليدردش معهم ويرفع معنوياتهم. يتمنون لو يترك المطبخ لطباخه كي يعد لهم طبخة سياسية.
لا يعلم هؤلاء إن كان العيد (عيد الفطر) سيأتي لهم بالحريري أو لا، أو إذا كانت إفطارات قريطم الطيبة ستجذب «الشيخ» أو لا. يروي البعض ـــــ كأنه يهذي ـــــ
أن طائرة الحريري لن تهبط في غير مطار دمشق الدولي، كاشفين بذلك عن ربطهم مستقبل تيارهم السياسي بالتطورات في سوريا. ورغم اعترافهم بعدم امتلاكهم معلومات أكيدة
عما يحصل خلف الحدود، يجزمون بتوجه النظام السوري وبسرعة إلى السقوط. «لا حرب أهلية ولا تقسيم»؛ وتيار المستقبل متأكد من أن الثوار السوريين يقدّرون دور قوى
14 آذار في نفخ «الريح التحررية في العالم العربي»، ولن يتردّدوا في تسمية مطار دمشق «مطار الرئيس رفيق الحريري الدولي ـــــ 2»، في ظل تململ بعض النواب من
تصرف بعض زملائهم ومسؤولين آخرين في تيار المستقبل باعتبارهم هم القادة وعلى الجميع أن يتبعوهم. والبعض ممن جمعهم بالرئيس رفيق الحريري تاريخ «نضالي» مشترك
يرفض تلقي الأوامر (حتى تلك التي تأتي بصيغة استشارة) من رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة «الذي كان بالنسبة إلى الحريري الأب موظفاً لا شريكاً». من يقود المستقبل
في طرابلس؟ المقربون من السنيورة أم سمير الجسر أم مصطفى علوش أم داعي الإسلام الشهال أم كنعان ناجي أم أشرف ريفي؟ نائب المنية ـــــ الضنية أحمد فتفت يريد
قيادة المستقبل في المدينة، ونائب عكار خالد ضاهر يريد ذلك أيضاً. حتى النائب السابق مصباح الأحدب، الذي ليس له علاقة بتيار المستقبل، يرى أنه الأحق بالقيادة
بعدما دفع ثمن التحالف بين المستقبل والرئيس نجيب ميقاتي.
مع العلم أن المقربين من الرئيس ميقاتي بدأوا عملاً جدياً في طرابلس لاستقطاب المجموعات الإسلامية، التي يحاول تيار المستقبل عادة أن يقاتل غيره بواسطتها. ويحاول
المقربون من ميقاتي فتح خطوط اتصال حتى مع المقربين جداً من تيار المستقبل مثل ناجي والشهال. وقد نجح ميقاتي أخيراً من خلال البدء بمعالجة ملف الإسلاميين، في
التأكيد لكثيرين من أهالي مدينته أن حكومته أعدل معهم من التي سبقتها.

غضب ساطع لا يأتي

من القيادة إلى الفعل السياسي رابعاً. تقال حكومة الحريري، فيقال إن «الغضب الساطع آتٍ»، ولا يأتي. يكلف نجيب ميقاتي ويُبْعَد الحريري، ولا يصل «الغضب الساطع».
يؤلّف ميقاتي «حكومة حزب الله» و«الغضب الساطع» في الطريق. تنال حكومة ميقاتي الثقة ويتأكد الجميع أن «الغضب الساطع» لن يأتي. حتى الحريريون يتأكدون أن القرار
الاتهامي الذي انتظروه خمس سنوات ليس بـ«الغضب الساطع». في ظل تأكيد المطلعين أن المحكمة الدولية لن تحمل جديداً يؤثر في حياة اللبنانيين قبل نحو عام. والجديد
الوحيد سيكون موقف الحكومة اللبنانية في تشرين الأول المقبل من تمويل المحكمة. وبالتالي ليس في يد تيار المستقبل وحلفائه ملف سياسي. يمكنهم من الآن وحتى إشعار
الآخر الترداد خطابة وكتابة، مباشرة وعبر الإعلام: الشعب يريد إسقاط السلاح. ويمكن النائب نبيل نقولا أن يتكفل بالرد عليهم: الشعب يريد السلاح. خطاب المستقبل
السياسي يبدو في هذا السياق بارداً كخطاب وجيه البعريني.
وبعيداً عن السلاح، لا يبدو أن تيار المستقبل يفكر (حتى الآن على الأقل) في إنشاء معارضة جدية للحكومة في الملفات الوزارية. فمن جهة، يفتقر المستقبل إلى النواب
المتخصصين، ولم يبدأ أحد من هؤلاء إنشاء فريق عمل بهدف المعارضة، ومن جهة أخرى، يود معظم نواب المستقبل، ولا سيما في الشمال والبقاع وإقليم الخروب، الاحتفاظ
بالحد الأدنى الذي يجمعهم مع بعض الوزراء صيانةً لمصالحهم. ويعلم هؤلاء أن غالبية الخدمات التي يطلبونها في هذه الوزارة أو تلك هي أساساً غير قانونية، ولا يمكنهم
اتهام الحكومة بالكيدية إذا لم توفرها لهم. والأكيد في هذا السياق أن مراقبة المستقبليين لوزارات العونيين وحزب الله وحركة أمل ستكون أكبر بكثير من مراقبتهم
للوزارات الأخرى.
يقود كل ذلك إلى القول إن أمام الرئيس ميقاتي فرصة تاريخية ليقفز من الموقع الثاني في الطائفة السنية إلى الأول، فلا يعود النائب وليد جنبلاط مصراً على استحضار
النائب سعد الحريري كلما أراد الكلام عن حوار وطني واجتماع للصف الطائفي الأول. فخصم ميقاتي اليوم يبدو، وبعيداً عن المرآة، أقرب في الإمكانات والقدرات (وربما
العلاقات الدولية) إلى النائب السابق وجيه البعريني حين كان يواجه وحده تيار المستقبل كله.

الاخبار

No comments:

Post a Comment