Sunday, July 24, 2011

> رواية الأستونيين عن اختطافهم: شطرنج وفلقة

رواية الأستونيين عن اختطافهم: شطرنج وفلقة

حتى اليوم، لا تزال قصة الأستونيين السبعة عرضة للتأويلات والتكهنات، وللاستغلال السياسي. المخطوفون أنفسهم رووا للمحققين ما جرى معهم. وفي ما يلي، بعض ما تسرب
من رواياتهم

حسن عليق

في العاصمة الأستونية تالين، صار «حمّودي ظريفة» نجماً في الدوائر الأمنية. لم يكن يخطر ببال أحد أن يصل اسم حمودي يوماً إلى ضفاف بحر البلطيق. فحمودي، الشاب
السوري المولود في بلدة مجدل عنجر لأم لبنانية، عاش كل حياته في لبنان. وكانت رحلة بيروت طويلة بالنسبة إليه، فكيف وصل اسمه إلى تالين؟ ببساطة، حَمله الرهائن
الأستونيون السبعة، الذين حُرِّروا يوم 14 تموز الجاري، بعد اختطافهم مدة 113 يوماً. فالمحرَّرون، ومنذ وصولهم إلى مبنى السفارة الفرنسية في بيروت يوم تحريرهم،
خضعوا لأكثر من تحقيق. استمع إليهم قاضي التحقيق العسكري فادي صوان، من الجانب اللبناني، لكن من استمع إليهم على نحو معمق هم محققو الأجهزة الأمنية التابعة
لبلادهم، وبمشاركة الفرنسيين، كمستعمين، و«على سبيل أخذ العلم».
وما كشفه الأستونيون في هذه التحقيقات، يُظهر أن ذاكرتهم جمعت الكثير من المعطيات التي تقاطعت مع التحقيقات التي كانت الأجهزة الأمنية اللبنانية قد أجرتها.
ومما ورد في تلك التحقيقات، أن «حمودي ظريفة» (اسمه الحقيقي محمد أ.) شارك في خطفهم ونقلهم وحراستهم.
قال الأستونيون إن ثلاثة منهم، في اللحظة التي سبقت اختطافهم، تعرضوا للصدم من سيارة كان يستقلها الخاطفون، وهي من نوع مرسيدس. ترجل الخاطفون المسلحون، وأجبروا
الأستونيين على ركوب سيارة فان، بيضاء اللون.
ومن هناك، انطلق الخاطفون صوب المصنع. لم يكن الأستونيون معصوبي الأعين، لكن كان بعضهم فوق بعض في الفان. نُقِلوا إلى منزل في إحدى القرى اللبنانية. حُشِروا
في مكان ضيق سقفه منحنٍ. بقوا هناك بعض الوقت، قبل أن يُنقلوا إلى مكان آخر. وخلال عملية الانتقال، حفظوا مواصفات السيارات التي نقلوا بها، وأرقام لوحاتها (بي
أم دبليو ومرسيدس). وبقي في ذاكرة الأستونيين أن إحدى السيارتين اللتين نقلا بهما اصطدمت خلال سيرها في طريق وعرة بالأرض. وصلوا إلى منزل قال لهم خاطفوهم إنه
داخل الأراضي السورية. أُبقوا فيه أكثر من 40 يوماً. في هذا المنزل، نشأت العلاقة بين المخطوفين والخاطفين. ويرجح محققون أستونيون أن يكون الرهائن قد أصيبوا
بعارض ستوكهولم النفسي، الذي يؤدي إلى تعاطف المخطوف مع خاطفه. كانوا يأكلون معاً، وكان الأستونيون يخرجون إلى الحمّام من دون أي حراسة. كان الخاطفون يكشفون
وجوههم أمام رهائنهم، لا بل إنهم كانوا أيضاً ينادون بعضهم بعضاً بأسمائهم الحقيقية. حفظ الأستونيون أسماء «حمودي ظريفة» وكنان ي. ووائل ع. وهؤلاء الأشخاص،
هم الأشخاص أنفسهم الذين حددتهم الأجهزة الأمنية كمشتبه في تورطهم في جريمة خطف الأستونيين السبعة، لكنّ الرهائن لم يتمكنوا من رؤية جميع الخاطفين، فثلاثة منهم
كانوا يدخلون مناطق الاعتقال ملثمين.
ومن المنزل الأول، نُقل الرهائن إلى مكان آخر، قال الخاطفون للرهائن إنه يقع في منطقة حدودية داخل الأراضي اللبنانية. وقالوا أيضاً إنهم انتقلوا من مكانهم الأول،
بسبب تحركات مزارعين حوله. المكان الجديد عبارة عن غرفة واحدة قضى فيها الأستونيون نحو 40 يوماً. ومنها، كانوا يستطيعون رؤية سهل. ومن هذه «المنطقة الحدودية»،
أُعيد الأستونيون إلى المنزل الأول، ومكثوا فيه نحو أسبوع واحد، قبل أن ينقلوا مجدداً إلى مكان ثالث، قال لهم الخاطفون إنه في منطقة حدودية داخل الأراضي اللبنانية.
وطوال مدة الاعتقال، كان الأستونيون يتسلّون باحتساب الأيام، وبإعادة استذكار التفاصيل. وكانوا أحياناً يلعبون الشطرنج. وفي إحدى المرات، جرت مبارزة في تلك
اللعبة بين مخطوف وخاطف، لكن الأمور لم تكن دوماً على ما يُرام. فالخاطفون اكتشفوا أن أحد الرهائن لم يلتزم أحد تعليماتهم، فعوقب الرهائن جميعاً بـ«الفلقة».
وفي حادثة أخرى، وصلت إلى مسامع الخاطفين معلومات مصدرها مواقع إلكترونية، ومفادها أن أحد الرهائن يهودي. خضعوا جميعاً لتحقيق، قبل أن يقتنع الخاطفون بعدم صحة
ما قيل بهذا الشأن.
في المكان الثالث، بقي الأستونيون إلى أن حان فجر الرابع عشر من تموز. حينذاك، نُقلوا مقيدي الأيدي في رحلة دامت نحو ساعة. وصلوا إلى بستان. أُجلِسوا تحت شجرة،
ووُضع مقص بين يدي أحدهم. قال له أحد الخاطفين: عندما نبتعد، قص الوثاق. وبقربك هاتف خلوي، مسجل عليه رقم هاتف ضابط أستوني. اتصل به.
نفّذ المخطوفون تعليمات الخاطفين. اتصلوا بالرقم الموجود على الهاتف. كانت المرة الأولى التي يسمعون فيها لغة بلادهم، منذ اختطافهم. ساعات وصار الخبر معروفاً.
الأستونيون في السفارة الفرنسية، واللبنانيون آخر من يعلم.
ما ذكره الرهائن المحررون في بيروت وتالين تقاطع إلى حد كبير مع التحقيقات التي أجرتها الأجهزة الأمنية اللبنانية، وخاصة فرع المعلومات، لكن أبرز مفاجأة في
ما قالوه تمثلت في ذكرهم اسم درويش خنجر، كواحد من الخاطفين الذين كانوا يحرسونهم أحياناً. وخنجر، هو ابن بلدة مجدل عنجر الذي قُتِل يوم 10 نيسان 2011، عندما
كان مشاركاً في كمين للرتيب في فرع المعلومات، راشد صبري. وفي ذلك الكمين، قُتِل الرجلان. ورغم التقديرات الأمنية التي كانت تشير إلى وجود صلة بينه وبين الخاطفين،
فإن الأجهزة الأمنية اللبنانية لم تكن تملك أي دليل على ذلك، إلى أن أبلغها الجانب الأستوني قبل أيام، بما قاله الرهائن المحررون.

في العدد المقبل: (ماذا في تحقيقات الأمن اللبناني؟)

الاخبار

No comments:

Post a Comment