Wednesday, July 20, 2011

قرار اتهامي لبناني مقابل القرار الاتهامي الدولي وهذه استهدافاتهملف شهود الزور إن فُتح.. ضحاياه بالجملة
نبيل هيثم
فاجأ الرئيس نجيب ميقاتي الجميع بإعادة تسليط الأنظار على ملف شهود الزور، من خلال قوله إن هذا الملف ما زال مفتوحاً.
تطرح هذه الاشارة المفاجئة، مجموعة اسئلة حول التوقيت وحدود فتح الملف، وهل هذا «الفتح» محكوم بسقف معين، ام قد يؤدي الى دحرجة رؤوس صغيرة وكبيرة من تلك المنظومة
التي حكمت لبنان منذ العام 2005 وحتى ما قبل أسابيع قليلة، ولماذا اختار محطة «سي ان ان» الأميركية ليرمي هذه «الكرة الساخنة»، واي رسالة أراد إيصالها، ولمن،
في الداخل والخارج.
واضح ان نجيب ميقاتي، اختار كلماته بدقة بالغة، وقالها عن سابق تصوّر وتصميم: «ملف شهود الزور ما زال مفتوحاً، وسنطلب رأي وزير العدل لإجراء المقتضى».. إلا
ان اهمية تلك الكلمات لا تقف عند حدود مضمونها بل انها تكمن أيضاً في كونها جاءت بعد أيام من صدور القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري،
وقبل أيام من انتهاء مهلة الثلاثين يوماً لنفاذ مذكرات التوقيف بحق أربعة من كوادر «حزب الله»، وكذلك في ذروة الكلام المتصاعد عن احتمال صدور قرارات اتهامية
اضافية في الأيام المقبلة، تشمل لبنانيين وسوريين وإيرانيين، بحسب ما بدأت توحي التسريبات من محيط المدعي العام للمحكمة الدولية دانيال بيلمار.
كما يأتي موقف ميقاتي بعد أيام قليلة من مقابلة سعد الحريري التلفزيونية بما تضمنته من تجريح شخصي بنجيب ميقاتي، ومن وعيد سياسي له ولحكومته. واللافت للانتباه
أن موقف ميقاتي تزامن مع تمادي مدعي عام المحكمة القاضي دانيال بيلمار في التعامل مع مطالب اللواء جميل السيد، حيث يمارس بيلمار، سياسة التفافية على كل ما من
شأنه أن يؤدي الى تسليم السيد المستندات، التي قد تتيح له ملاحقة شهود الزور الذين قادته إفاداتهم وفبركاتهم إلى السجن لأربع سنوات.
وفي التوقيت أيضاً، إن موقف ميقاتي جاء بعد أيام قليلة من نيل الحكومة ثقة المجلس النيابي، وانطلاقتها بقوة عبر جلسات منتجة ومتتالية لمجلس الوزراء، سيكون الجميع
مستفيدا من مردودها الايجابي بمعزل عن الانتماءات السياسية أو الطائفية أو المناطقية.
وفي المضمون، ان نجيب ميقاتي، وكما رسم عبر الـ«سي ان ان» خارطة الطريق الرسمية التي ستتعاطى فيها حكومته مع كل ما يتصل بالمحكمة الدولية انطلاقاً من قاعدة
«احترام القرارات الدولية»، اطلق في المقابل اشارة بالغة الدلالة إلى ان ملف شهود الزور، هو واحد من الملفات التي ستقاربها الحكومة الميقاتية، عاجلاً ام آجلاً،
خاصة ان هذا الملف ليس ملفاً خلافياً ضمن البيئة السياسية التي تحكم لبنان حالياً، والتي تميل في أكثريتها، ان لم يكن كلها، لإحالته للمجلس العدلي، بالنظر إلى
تأثيراته الكبرى على مسار التحقيق الدولي، وإلى الدور الذي لعبه شهود الزور الذين كما قال سعد الحريري عنهم حرفياً «ضللوا التحقيق، وأساؤوا لعائلة الرئيس الشهيد
رفيق الحريري، وللعلاقات اللبنانية السورية».
ولعل اشارة نجيب ميقاتي إلى «طلب رأي وزير العدل لإجراء المقتضى»، تستبطن اعلاناً صريحاً، انما غير مباشر، عن وجود نية لديه بتحريك الملف، كما تستبطن تجاوزاً
واضحاً لـ«الرأي الطرفي» الذي أعدّه وزير «القوات اللبنانية» ابراهيم نجار في زمن الحكومة السابقة وراعى فيه خاطر سعد الحريري، ورغبته في منع ايصال الملف إلى
المجلس العدلي.
وإذا كان البعض في فريق المتحاملين على ميقاتي وحكومته، قد جيّر غياب النص على شهود الزور في البيان الوزاري، لمصلحة مقولة الحريري وفريقه بأن هذا الأمر «هو
مجرّد عنوان بمضمون فارغ، وبالتالي لا يوجد ملف»، فإن صدمة هؤلاء، لم تتأتَ فقط من الرسالة غير المباشرة التي خطّها رئيس الحكومة عبر الـ«سي ان ان» ومفادها
انه «ليس عبرة ان ما لم يؤتَ على ذكره في البيان الوزاري لن تتم مقاربته، بل على العكس، فملف شهود الزور، لم يرد في البيان، ومع ذلك فهو موجود ويقع ضمن اجندة
عمل الحكومة في المرحلة المقبلة». لا بل ان صدمة المتحاملين كانت كبيرة من «الجمرة» التي وضعها ميقاتي في أيديهم، في ذروة تصعيدهم ضد الحكومة، وعزمهم كما اعلنوا،
على الذهاب إلى الحد الأقصى، ذلك أن ميقاتي اذا قرر في المقابل، ان يتجاوز مجرد فتح الملف، فإن السير به للنهاية سيؤدي حتماً إلى الإطاحة برؤوس كبيرة.
ولعل إحدى أبرز القراءات، عثرت في ما قاله نجيب ميقاتي عبر الـ«سي ان ان»، رسالة في اتجاهات متعددة، إلى الأميركيين والأوروبيين وصولاً حتى المحكمة الدولية،
تلفت الانتباه إلى ان مقابل القرار الاتهامي الدولي، هناك «قرار اتهامي لبناني»، سيتم فتحه وتزخيمه ونقاط قوته مستمدة، من الآتي:
ـ يعري هذا القرار الحقبة الحريرية، ويكشف وقائع «حقيقة ليكس» وتحديداً ما كان يدور بين سعد الحريري وشاهد الزور «الملك» محمد زهير الصديق.
ـ يفضح دور المنظومة الأمنية والسياسية والقضائية والاعلامية السابقة، وبعض رموزها يستمر في السلطة الحالية.
ـ يفضح أدواراً في لجنة التحقيق الدولية منذ العام 2005 وحتى بدء عمل المحكمة الدولية في آذار 2009 وصولاً إلى مرحلة إصدار القرار الاتهامي ضد أفراد من «حزب
الله».
ـ يؤكد إمكان النيل من متن القرار الاتهامي ومن الأسس التي اعتمدها طباخو القرار للوصول إلى لحظة إصداره.
ـ يكشف منحى ضرب العلاقة اللبنانية ـ السورية، وحجم التلاعب الخطير الذي جرى في هذه العلاقة على مدى السنوات الماضية، ومعلوم كيف كشف سعد الحريري دور شهود الزور
في الإساءة للعلاقة اللبنانية ـ السورية.
ـ يفضح خلفيات ان يكون «الفصل السابع» وصياً على لبنان، من خلال القرار 1757.
ـ يفضح الهوية الحقيقية والتوجه الحقيقي لمدعي عام المحكمة الدولية، والذي اعطى دليلاً أولياً وأكيداً إلى انتمائه وهويته وتوجهه، عبر قيامه بنزع اسم محمد زهير
الصديق عن لائحة الانتربول، ووضعه ضمن لائحة حماية الشهود.
ـ يفضح دور شخصية أمنية لبنانية قامت بإجراء مماثل مع الصديق في بيروت.
ـ يؤكد فعالية وصلابة الأدلة الظرفية التي كشفها، وسيكشف «حزب الله» المزيد منها عندما تدعو الحاجة.
يبقى السؤال الأخير: هل مقاربة ميقاتي لملف شهود الزور، مؤشر على انكسار الجرّة نهائياً بينه وبين سعد الحريري؟ يجيب أحدهم: «وهل كانت هناك جرّة أصلاً لتكسر»؟

No comments:

Post a Comment