Sunday, July 17, 2011

> أمنٌ مخلّع الأبواب: إطلاق الأستونيين نموذجٌ وبروفة

أمنٌ مخلّع الأبواب: إطلاق الأستونيين نموذجٌ وبروفة
ضلّل الفرنسيون الأجهزة الأمنية، واختبأ موكب الإستونيين بالصفة الديبلوماسية (أ ف ب)

مثّل إطلاق الإستونيين السبعة في عملية استخبارات فرنسية أكثر من بروفة. إنها نموذج مثالي لعمل أمني مشابه يُتاح لجهاز استخبارات دولة أجنبية نافذة في لبنان،
لها رجالها، وقادرة على التحرّك لاعتقال مطلوب باهظ الثمن وإبراء ذمة لبنان في الوقت نفسه

نقولا ناصيف

كان استقبال وزير الداخلية مروان شربل، البارحة، لنائب مدير المخابرات في الجيش العميد عباس إبراهيم مؤشراً إلى تعيينه مديراً عاماً للأمن العام، في الجلسة الاستثنائية
لمجلس الوزراء المقرّرة الاثنين المقبل.
ولأن التعيين يستند إلى اقتراح الوزير قبل أن يتخذ مجلس الوزراء القرار، كانت زيارة أمس كي يتعرّف أحدهما إلى الآخر.
بتعيين إبراهيم مديراً عاماً للأمن العام يُطوى جدل طويل حول المنصب ومذهب شاغله وهوية الأخير وموقعه في معادلة النزاع، كان قد بدأ الصيف الماضي، قبل أشهر من
إحالة المدير العام السابق اللواء وفيق جزيني على التقاعد. وطرح حينذاك «انتداب» إبراهيم للأمن العام لا تعيينه مديراً عاماً أصيلاً، بالتزامن مع تصاعد نبرة
ـــــ وإن بطيئة ـــــ لمداولات تراوحت بين إعادة المنصب إلى الموارنة وبين إبقائه لدى الطائفة الشيعية. ثم صار إلى تجميد الخوض في الموضوع بعد إسقاط حكومة
الرئيس سعد الحريري، كي يُعاد إحياؤه إبان مرحلة تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تأليف الحكومة الجديدة. تدحرجت في هذه الأثناء أسماء عدة للمنصب، بينها ــــ إلى إبراهيم
ـــــ العميد عبد الرحمن شحيتلي والعميد عبد المطلب حنّاوي. إلا أن رئيس المجلس نبيه برّي وحزب الله ناما على اسم إبراهيم طويلاً، ورفضا البحث في إعادة المنصب
إلى الموارنة من بابين على الأقل:
أوّلهما، تصويب تمثيل الطوائف ـــــ وتحديداً المثالثة من ضمن المناصفة حكماً ـــــ في تقاسم مسؤوليات الأسلاك العسكرية المهمة عليها، بحيث يُوازن المدير العام
للأمن العام الشيعي قائد الجيش الماروني والمدير العام لقوى الأمن الداخلي السنّي.
ثانيهما، ربط الفريق الشيعي المنصب بأمن المقاومة، نظراً إلى المسؤوليات الأمنية والسياسية المتشعّبة التي يلحظها قانون إنشاء المديرية، ويجعلها ـــــ أكثر
من أي جهاز أمني آخر في القانون والممارسة ـــــ على تماس مباشر بين السياسي والأمني. على نحو كهذا، اقترنت رئاسة الجهاز والشخصية الموثوق بها لها، بأمن المقاومة
على أوسع نطاق يجعل تبادل المعلومات والتنسيق حتمياً وضرورياً.
أول مَن افتتح هذا الخط، ووضع خطة علاقة الأمن العام بالمقاومة كي يكون تعاونهما في صلب الأمن القومي للبلاد، كان أول مدير عام شيعي هو اللواء الركن جميل السيّد
في الولاية الأطول لمدير عام للأمن العام طوال سبع سنوات (1998 ـــــ 2005).
على غرار السيّد يصل إبراهيم من نيابة مديرية المخابرات. نيط به ترؤّس فريق حماية الرئيس رفيق الحريري بين عامي 1990 و1993، قبل أن ينتقل إلى فوجي المكافحة
والمغاوير حتى عام 2005، عندما ترأس على أثر انسحاب الجيش السوري من لبنان فرع الجنوب في مديرية المخابرات. ذو باع طويل في ملف المخيّمات الفلسطينية جنوباً،
وفي علاقة المقاومة بالجيش.
مع ذلك، عرف الأمن العام مديرين عامين له أرثوذكسيين على مرّ تاريخه منذ أول مدير له عام 1945، أحدهما ضابط في الجيش هو المقدم توفيق جلبوط (1959 ـــــ 1964)
والآخر مدني هو الدكتور جميل نعمة (1984 ـــــ 1988). أما الآخرون، بدءاً من أوّلهم الأمير فريد شهاب، فموارنة.
كانت المفارقة في تزامن تصاعد حدّة الجدل على تعيين المدير العام للأمن العام مع إطلاق الإستونيين السبعة، بعد أقل من أربعة أشهر على خطفهم إلى جهة مجهولة.
بيد أن المفارقة أبرَزَت الملاحظات الآتية:
1 ـــــ الواقع المكشوف للأمن اللبناني الذي يمكّن جهاز استخبارات دولة أجنية أو أكثر من التحرّك على الأراضي اللبنانية، وتنسيق عمل أمني معقد، وتنفيذه من دون
علم السلطات السياسية والأجهزة الأمنية اللبنانية، بما فيها فرع البقاع في مديرية المخابرات، الأكثر التصاقاً بمكان احتجاز الإستونيين وإطلاقهم. بل العمل أيضاً
على تضليل الأجهزة اللبنانية. بعد ساعة ونصف ساعة على وصول الإستونيين السبعة إلى مقرّ السفارة الفرنسية في بيروت، في السابعة صباحاً، راح الفرنسيون يشيعون
لدى الأجهزة الأمنية اللبنانية احتمال إطلاقهم توطئة للكشف عن حصوله، من دون تحديد المكان والزمان. إلا أن هؤلاء كانوا قد أصبحوا في مأمن قبل ذلك بوقت طويل.
2 ـــــ بعد ثلاثة أسابيع على جهود التفاوض بين الاستخبارات الفرنسية والخاطفين، بدأ التنفيذ العملي للخطة في الرابعة والنصف فجر الخميس. نقلوا من مكان احتجازهم
في عرسال إلى سهل الطيبة، المقفر من بيوت سكنية، لتسهيل تنفيذ الاتفاق بعيداً من أعين الأهالي، وفي منطقة يمتد إقفارها إلى مسافة 30 كلم، ليصار بعد ذلك إلى
نقل الإستونيين في موكب سيارات للسفارة الفرنسية إلى بيروت، فلم يتعرّض للاعتراض والتفتيش على امتداد الطريق من البقاع إلى العاصمة بسبب الصفة الديبلوماسية
للموكب الذي اختبأ وراءها إطلاق هؤلاء. لم يعلم به الجيش ولا قوى الأمن ولا الأمن العام ولا أمن الدولة.
3 ـــــ رغم عودة الإستونيين السبعة إلى بلادهم وانتهاء سرّ خطفهم، لا يزال الغموض يكتنف عناصر ثلاثة ارتبطت بالاحتجاز: هوية الخاطفين، طبيعة الصفقة المتبادلة
بينهم والاستخبارات الفرنسية، مكان وجود المخطوفين طيلة أربعة أشهر بعدما قيل إنهم احتجزوا في لبنان وسوريا، إلا أنهم أطلقوا من بلدة عرسال بالذات. بيد أن أحداً
لن يُفصح عن حقائق هذا الغموض. لا الأستونيون ولا الاستخبارات الفرنسية، ما دامت سرّية ما بعد إطلاقهم موازية لسرية التفاوض على إطلاقهم.
4 ـــــ لم يحتج استنتاج عدم اضطلاع الأجهزة الأمنية اللبنانية بأي دور في إطلاق هؤلاء إلى أدلة مقنعة ومبرّرة. لا دهم شاركت فيه، ولا توقيف لأي فرد في ساحة
تنفيذ الصفقة. لم يسبق ذلك جمع معلومات عن مكان الدهم، ولم يله سوى تجهيل الخاطفين وهويتهم ومراميهم من الخطف ومكان احتجاز المخطوفين. أضف عدم اعتقال أحد وتجهيل
الثمن السياسي أو المالي للصفقة نفسها.

الاخبار

No comments:

Post a Comment