Friday, July 29, 2011

الكنيسة تعيش «عنصرتها» انتخابات ومجامع استثنائيةأسئلة وتحديات أمام الرهبانيات المارونية عن الدور والرسالة
دنيز عطالله حداد
تعيش المؤسسات الكنسية المارونية زمنا جديدا. فبعد انتخاب بطريرك جديد هو السابع والسبعون على كرسي انطاكية، انتخبت الرهبانية الانطونية الاسبوع الماضي الاباتي
داوود رعيدي رئيسا عاما، وبالامس انتخبت الرهبانية المارونية المريمية الاباتي بطرس طربيه رئيسا لها. وينتهي اليوم المجمع الاستثنائي الذي عقدته الرهبانية اللبنانية
المارونية (الكسليك) لتناقش فيه مواضيع داخلية وقوانين رهبانية.
«هو زمن العنصرة في الكنيسة». و«العنصرة» في المفهوم المسيحي تفتح زمنا ليتورجيا جديدا يكرس الحقيقة المسيحية باعلان قيامة المسيح.
تحتاج الكنيسة ومؤسساتها لمثل هذه العنصرة. تحتاج الى من يتمسك بفعل القيامة ويترجمه في اليوميات وتفاصيلها. وبحسب احد الاساقفة «تحتاج الكنيسة خصوصا الى استعادة
المبادرة في التذكير بسلم قيم انساني ووطني واعطاء مثال حي في المجالين».
اهمية كل هذه الانتخابات انها تخلق دينامية جديدة داخل المؤسسات وتضخ «حماسة البدايات» فيها. وهي بحسب نتائجها جميعا تعكس وتكرس سياسة فاتيكانية أُسسها التواصل
مع الناس، الانفتاح على الآخر، التمسك بالوجود الحر والفاعل داخل المجتمع والوطن ومقاربة كل المواضيع بما يجمع بين مواكبة العصر والحداثة وايمان الكنيسة وعراقتها.

يحاول البطريرك بشارة الراعي ان يترجم هذه القناعات والخيارات وفق اسلوبه. يشق طرقا في اتجاهات متعددة. بعضها «غير نافذ». لكنه «يريد اقله شرف المحاولة»، كما
يعلق احد الاساقفة.
اما الرهبانيات فحكاياتها طويلة. جذورها تمتد في عمق الكنيسة وتراثها. وليس مصادفة ان اب الكنيسة المارونية، القديس مارون، راهب متنسك والكنيسة نفسها خرجت من
دير وتمحورت بشكل ما حوله.
وتكتسب الرهبانيات المارونية الثلاث الكبرى اهمية خاصة لانها ذراع الكنيسة وصورتها في ميادين متنوعة وهي على تماس مباشر مع الناس . فاضافة الى الاوقاف الشاسعة
التي تملكها على امتداد الخارطة اللبنانية فان لكل منها مدارسها وجامعتها، كما ان للرهبنة اللبنانية مستشفاها الجامعي. وتتوزع اديرة هذه الرهبانيات على خارطة
العالم، خصوصا حيث الانتشار الماروني.
يمكن القول ان هذه الرهبانيات انسحبت من «الحياة السياسية» بعد ان كانت حتى العام 1990، في صلبها من مواقع مختلفة، وبدرجات مختلفة.
كان القرار فاتيكانيا، ساعد فيه شخصية البطريرك السابق نصرالله صفير الذي حصر في شخصه موقف الكنيسة المارونية وفي معظم الاحيان، موقف الجماعة.
لم تخرج الرهبانيات من الحرب من دون جروح. وهي تواصل الى اليوم معالجة بعضها. تحاول الاتعاظ من التجارب السابقة التي جعلت الفاتيكان يعين على كل واحدة منها
في فترة سابقة زائرا رسوليا. فعيّن المطران يوسف بشاره زائراً على الرهبنة المارونية، والمطران بولس مطر على الرهبنة المريمية، والمطران بطرس الجميل على الرهبنة
الأنطونية. والرهبانيات التي تتمسك بهامش حريتها واستقلالها تعتبر تلك الفترات من الأيام الصعبة التي لا تريد ان تكررها.
لذا، ربما، جاءت انتخابات الانطونية والمريمية هادئة، التزاما بما كان المجمع البطريركي اقره من «ضرورة التحلي الدائم بالفضائل الرهبانية، لاسيما عند تبديل
المسؤوليات والولايات».
لكن ما هي التحديات التي تواجه الرهبانيات اليوم ومن خلالها ومعها الكنيسة؟
يجيب احد الآباء المخضرمين بالقول «ان التحدي الاول هو وعي الهوية الرهبانية بما يعني التفتيش بعمق عن رسالة كل رهبانية ودورها وما تحتاجه الكنيسة منها وما
يحتاجه الناس. علينا ان نجيب بصدق وشفافية مع النفس هل ما زلنا رهبانا ام اصبحنا موظفين؟ هل ما نزال خدام الكنيسة ام اننا موجودون لنخدم مصالحنا ونصل الى المراكز
ونعيش على المظاهر؟». يضيف «نحن من نربي تلامذتنا على الحرية والانفتاح والشراكة وروح النقد كيف نمارس هذه القيم في رهبانياتنا؟ هل تحولت حريتنا تفردا؟ هل المساواة
اسقطت مفهوم السلطة وزعزعت مفهوم الطاعة؟». ويشير الى تحد آخر على كل الرهبانيات «يتمثل بسؤال مجتمعي رعائي وشخصي هو لمن يعيش الراهب اليوم؟ هل يعيش لذاته ام
لغيره؟ اين موقع الناس والمجتمع في حياته؟ اي خدمة يؤديها لصالح هذا المجتمع؟ اين الارض من اهتماماتنا؟ هل نخدم خدمة المحبة في مستشفياتنا ومياتمنا ومآوينا؟
هل مؤسساتنا لا تبغي الربح حقا؟ هل نعلّم فقط في مدارسنا ام اننا نربي ايضا؟ هل نحن بارعون فقط في تعليم اللغات والرياضيات ام اننا نقدم امثلة صالحة في السلوك
المحب والمنفتح والمتسامح والمتعالي على الماديات كما عن كل الصغائر؟ هل نقدم في جامعاتنا صورة جميلة ومحببة عن الحياة الرهبانية تغري الشباب ام اننا نعطيهم
شهادات في التعليم العالي والاختصاصات فقط؟». ويختم بـ«التحدي الاكبر» متسائلا «ما علاقة رهبانياتنا بالكنيسة والمطارنة والابرشيات؟ هل هي علاقة تعاون ام تنافس؟
لماذا يبدو ان هناك تسابقا في ما بيننا فيما وجب ان يكون تكامل وتعاضد؟».
اسئلة الراهب لا ترمي حجرا في مياه راكدة. فالرهبانيات تحاول منذ فترة الاجابة عليها عبر مقاربات جديدة تستند الى تراث عريق. واليوم الفرصة سانحة في زمن التجديد،
خصوصا ان انعكاس الحراك الرهباني له ارتداداته المباشرة وغير المباشرة على المسيحيين ودورهم وحضورهم ومشاركتهم الوطنية.

No comments:

Post a Comment