Saturday, July 23, 2011

الفتنة التي لم تعد نائمة
واصف عواضة
ليس بالضرورة ان تكون الفتنة المذهبية حربا وقتالا ونزالا مسلحا في الشوارع بين فريقين جامحين. يكفي ان تبرز تجلياتها في النفوس والنصوص والممارسة وفي المجالس
والخطب ووسائل الاعلام كي تكون فتنة من الطراز الرفيع الذي لم يعد نائما. فما تعيشه الامة هذه الايام من تحريض ودسائس وتعصب أعمى بين السنة والشيعة, يستحضر
حرب الجمل ومعركة صفين ووقعة الطف وما تلى هذه المواقع، ينذر بشر مستطير لا يفيد معه ترداد مقولة «لن تكون فتنة».
ثمة حرب باردة بين السنة والشيعة في طول العالم العربي وعرضه, تمتد بذورها الى العالم الاسلامي . ولم يعد نافعا إغماض العين عنها لتلافيها لدى حسني النيات.
وليس سرا ان هذه الحرب تتغذى على وهج الثورات والفورات الديموقراطية والدعوات الى الحريات تحت مسمى «الربيع العربي», وهو بريء من هذا الدم المستباح على نية
الفتنة.
في وسائل الاعلام، جدال ودس وتحريض على المكشوف تتولاه بعض الفضائيات العربية التي تنبت كالفطر، يتصدرها معممون ومكففون ومجببون لا تنقصهم زرابة اللسان ولا
تحوير الاحاديث الشريفة ولا الاجتهاد في تفسير الآيات الكريمة, كل وفق غايته ومبتغاه، ما يؤسس في نفوس الاجيال الطالعة عصبيات وأحقادا يصعب ان تزول مفاعيلها
بين ليلة وضحاها.
في بيوت الله التي أُذن ان تُرفع ويُذكر فيها اسمه، خطب ومواعظ تندى لها الجباه ويخجل من سعيرها العلماء والفقهاء والدارسون، ويألم لها السلف الصالح، من الرسل
والصحابة الصالحين وآل البيت الأكرمين الذين يُجلدون كل يوم بسياط التجني والرياء والكذب على الله ورسوله.
في المجالس الخاصة جدل عقيم يستحضر الفتنة الكبرى بين عليّ ومعاوية, والحسين ويزيد, والفتاوى القاتلة لأئمة الفقه والتكفير. جدل عقيم لا يصل الى نتيجة، حول
تاريخ جلّه ملفق، وقد تجاوزه الزمن ورفضه المفكرون والمجتهدون والمصلحون في هذه الأمة من محمد عبده الى محمد حسين فضل الله.
في بعض العالم العربي اليوم نفحة عنصرية تُحاسب على الشبهة وتمنح البراءات على الهوية المذهبية ، لدرجة ان بعض طالبي الرزق بدأوا يبدّلون مذاهبهم ليحفظوا لقمة
عيشهم، ذنبهم الوحيد انهم ولدوا ولبسوا ثوبهم المذهبي من دون ان يُستشاروا، على حد قول عمر الخيام :
لبست ثوب العيش لم أُستشر
وحرت فيه بين شتى الفكر
في العالم العربي والاسلامي اليوم، صار كلام بديهي لشيخ الأزهر يدعو الى الوحدة الاسلامية وينادي بالتقارب بين السنة والشيعة، يستجلب المديح والثناء وآيات الشكر
والتبجيل، فيما الاسلام واحد والرب واحد والنبي واحد والصلاة والحج والطقوس كلها واحد بواحد.
الفتنة لم تعد نائمة ولم تعد بذورا. لقد صحت وشقت الارض واشتد عودها، وواهم من يعتقد انها يمكن ان تزول بتجاهل وجودها او مجرد الدعوة الى اجتنابها. ثمة عمل
جدي يفترض ان يبدأ لاجتثاثها وقطع ارزاق المروجين لها والمستفيدين منها قبل ان تتحول حربها الباردة الى حرب ساخنة لا تبقي ولا تذر. والله على ما نقول شهيد.

No comments:

Post a Comment