Wednesday, August 3, 2011

واشنطن وكيفية تحويل «حزب الله» إلى «فرقة إجرامية»
جنان جمعاوي
في 12 تموز 2008، اجتمع مساعد الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي ومكافحة الإرهاب فرانسيس فراغوس تاونسند مع مسؤولين في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي. كان
الهدف من اللقاء «السري للغاية»، بحسب ما كشفت وثائق «ويكيليكس»، تنسيق العمليات من أجل... تشويه صورة «حزب الله».
ليست مسألة معنوية. فقد خصصت الولايات المتحدة بالفعل منذ العام 2006 ما يزيد على 500 مليون دولار، من أجل «الحدّ من صورة «حزب الله» الإيجابية لدى الشباب اللبناني»،
وذلك باعتراف مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان خلال جلسة مساءلة أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، عقدت في 8 حزيران 2010.

ربط «حزب الله» بالجريمة المنظمة، سواء عبر اتهام عناصره أو مناصريه بتهريب المخدرات أو تبييض الأموال أو تزوير العملات والبضائع او الاحتيال، لن يهشّم صورة
«المقاومة» فحسب، وإنما أيضاً سيسهل عملية المحاسبة، بما أن «إدانة مجرم أسهل من إدانة إرهابي»، على حد تعبير ماثيو ليفيت، الباحث في «معهد واشنطن لسياسات الشرق
الأدنى» المعروف بقربه من سياسات اليمين الإسرائيلي المتطرف.
وثيقة «ويكيليكس»
جاء في الوثيقة، التي نشرتها «السفير» في 6 كانون الثاني 2011، أن مسؤولين في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي قدّموا للمسؤول الأميركي تقريراً حول الجهود التي
تبذلها إسرائيل للربط بين «الإرهاب» و«النشاط الإجرامي»، بما في ذلك محاولة تشويه صورة المقاومة عبر الحديث عن «ضلوع «حزب الله» بتجارة المخدرات وغسيل الأموال».

واعتبر المسؤولون الإسرائيليون، وبينهم رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي إيان مزراحي، أنه يمكن استخدام التحقيقات الجنائية لتعطيل عمليات «حزب الله»، وتحديداً
المالية منها. ولفت أحد المسؤولين الانتباه إلى أنه يعمل مع محام في نيويورك للدفع نحو مثل هذه القضايا.
وبالفعل، كما جاء في وثيقة «ويكيليكس»، المؤرخة في 2008، فإن العمل جار إسرائيلياً وأميركياً، على ما يبدو، على زج اسم «حزب الله» في عمليات الجريمة المنظمة.

«حزب الله»
و«الجريمة المنظمة» المزعومة
من بين أوائل التقارير التي صدرت عن الإدارة الأميركية حول هذا الشأن، كان تقرير لمجلس الأمن القومي، مؤرخ في تشرين الأول 2008، قال فيه مساعد وزيرة الخارجية
لشؤون الاستخبارات والتحليلات تشارلز الين أن «لدينا اسباباً تحملنا على الاعتقاد بأن الشبكات الإسلامية الإرهابية تنشط في اميركا الجنوبية، وان أعضاء في هذه
الشبكات متورطون في تمويل منظماتهم الأم مثل «حزب الله» و«حماس» وتزويدها بالسلع اللوجستية».
وفي تقرير بعنوان «»حزب الله»: حزب الاحتيال»، سرد الباحث في «معهد واشنطن» ماثيو ليفيت العمليات «الإجرامية» التي زعم ان الحزب قام بها. «وهي عمليات تدر أرباحاً
يعوّض بها الحزب خسائره المالية جراء تراجع المساعدات الايرانية»، بسبب «عدم الاستقرار الذي عصف به منذ انتفاضة الحركة الخضراء في 2009» وبسبب تراجع أسعار النفط
في منتصف كانون الثاني 2009، وبسبب العقوبات المفروضة على الجمهورية الإسلامية، كما قال ليفيت.
ووفقاً للاستخبارات الإسرائيلية، أرغمت هذه الضغوط الاقتصادية طهران على خفض ميزانيتها السنوية لـ«حزب الله» بنسبة 40 في المئة في أوائل 2009، بعدما كانت قد
بلغت «استثمارات إيران في الحزب ذروتها في 2008ـ2009، ووصلت إلى 200 مليون دولار سنوياً».
وهكذا «بعد أن تعرض فجأة لضائقة مالية بعد سنوات من إغداق العطاء الإيراني، تحول «حزب الله» إلى مشاريعه الإجرامية لتعزيز أصوله»، على حد زعم الباحث في «معهد
واشنطن» المقرب من إسرائيل.
وتابع ليفيت أن «سلسلة من التحقيقات الدولية حول أنشطة «حزب الله» الإجرامية خلال السنوات العديدة الماضية كشفت أن المنظمة قامت بتطوير شبكة جرائم عالمية أكثر
تطوراً وتنظيماً إلى حد بعيد. وقد ساعد هذا النظام على دعم المنظمة رغم التحديات التي تواجه إيران وسوريا، مما يدر عليها أرباحاً بعشرات الملايين من الدولارات
سنوياً».
جميع الروايات التي اوردها ليفيت في تقريره تعود، للمفارقة، إلى أشهر خلت وصولاً إلى العام 2009، بينها، على سبيل المثال، «اتهام اميركيين، بينهم العميل الايراني
المنتسب لـ«حزب الله» ألوار بوريان، بالتآمر لمساعدة حركة «طالبان» في شباط الماضي عبر بيع أطنان من الهيرويين والكوكايين وكذلك الأسلحة».
وقال ليفيت إن الكشف عن هذه الشبكة «جاء بعد قرار وزارة الخزانة الأميركية في كانون الثاني الماضي بإيراد زعيم تجارة المخدرات اللبناني أيمن جمعة على قائمتها
السوداء، إلى جانب تسعة آخرين و19 شركة ضالعة معه في تجارة المخدرات وغسل الأموال».
وكان تحقيق أجرته «إدارة مكافحة المخدرات» خلص إلى أن جمعة كان يقوم بغسل ما يصل إلى 200 مليون دولار شهرياً من مبيعات الكوكايين في أوروبا والشرق الأوسط إلى
شركات قائمة في كولومبيا ولبنان وبنما وغرب أفريقيا من خلال شركات الصرافة وتهريب الأموال النقدية. ووفق ما ذكره المدعون الأميركيون، فإن «غالبية أرباح تلك
المخدرات تم تحويلها إلى «حزب الله»».
وبعدها بأسبوعين، صنفت وزارة الخزانة الأميركية «البنك اللبناني الكندي» على أنه «مؤسسة مالية ينصبّ تركيزها الأساسي على غسل الأموال» بسبب تواطئها مع جمعة
لغسل أرباحه غير المشروعة وإيصالها إلى «حزب الله».
إدانة «المجرم» أسهل!
منذ العام 1997 و«حزب الله» مصنّف أميركياً على انه «منظمة إرهابية أجنبية». في هذا الإطار، يمنع على الأميركيين، أفرادا وشركات وخلافه، التعامل مع الحزب او
من تثبت علاقته بالحزب. لكن ذلك لم يمنح الإدارات الأميركية المتعاقبة ما يكفي من الأدوات لمحاربة الحزب خارج أراضيها، بما أن «بعض الدول الغربية تجنبت محاكمة
«حزب الله» على أنشطته المرتبطة بالإرهاب، حيث تنظر إلى المنظمة باعتبارها جماعة مقاتلة متشددة منخرطة في الأنشطة السياسية والاجتماعية في لبنان أكثر من كونها
واجهة إرهابية».
وعليه «قد تكون هذه الدول أكثر رغبة في استهداف «حزب الله»، ومن ثم إضعافه بسبب أنشطته الإجرامية»، على حد تعبير الباحث في «معهد واشنطن».
وأوضح ليفيت أنه «من الأسهل ملاحقة المشتبه فيهم واعتقالهم بوصفهم مجرمين أكثر من كونهم إرهابيين»، خاصة في دول لا تصنف الحزب على أنه منظمة إرهابية، كما في
الاتحاد الأوروبي مثلاً.
ويبدو التكتيك فاعلاً، فقد جاء في التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية في 2007 حول الإرهاب أن حكومات «منطقة الحدود الثلاثية»، في أميركا الجنوبية (الأرجنتين
والبرازيل وباراغواي) تبدي «استعداداً أكبر للتعاون مع الولايات المتحدة (في مكافحة «حزب الله» و«حماس») إذا صاغت جهودها بصورة تعكس على أنها مكافحة للجريمة
وتجارة المخدرات بدلاً من مكافحة الإرهاب».
والأهم من ذلك، فإنه من «أجل محاسبة الإرهابيين عن نشاطهم الإجرامي، لا تحتاج الدول إلى عمل أي شيء أكثر من إنفاذ قوانينها القائمة. فلا يلزم سن أي تشريعات
جديدة أو تغييرات دستورية أو صلاحيات تنظيمية. كما أن تنفيذ القوانين المحلية يتيح للبلدان تجنب السياسات الفوضوية التي قد تصاحب أنشطة مكافحة الإرهاب»، على
حد تعبير ليفيت.

No comments:

Post a Comment