Monday, August 1, 2011

> من جونية إلى بيروت... وحتى بطن البحر

من جونية إلى بيروت... وحتى بطن البحر
جان عزيز

أصحاب الرؤى الجدية لحياة فضلى في هذا الوطن يعجزون عن إخفاء شعورهم بشيء من الانقباض والاستياء، حيال ما يعانون ويواجهون. تسكنهم طموحات كبيرة ومشاريع مستقبلية
وأحلام واقعية، كلها قابلة للتحقيق والتنفيذ، فيما يمضون غالبية وقتهم ويصرفون معظم جهودهم لمواجهة حرتقات ومناكفات، أو لمحاولة إقناع أصحاب العقول المتخلفة
والذهنيات المتحجرة بأن السنة الحالية هي 2011، وأن التالية أعلى لا أدنى.
في كل مجالات أزمات الوطن، يؤكدون أن الحلول ممكنة، لا بل جاهزة. لا ينقصها غير مسؤولين مسؤولين. في أزمة السير مثلاً، يخبرونك كيف أن تلك الكارثة اليومية بُعيد
انتصاف كل نهار، من نفق نهر الكلب جنوباً حتى كازينو لبنان شمالاً، ليست ــــ في شقها الآني ــــ إلا النتيجة الحتمية لممارسات محدودة من النفعيات والمحسوبيات
ومخالفة القوانين ومحاباة النافذين: هناك 17 مخالفة على هذا الخط الكسرواني الساحلي، حوّلته جلجلة مدينة جونية لكل اللبنانيين العابرين صوب الشمال. 17 مخالفة
قانونية مشهودة ومكشوفة ومعروفة بالاسم والعنوان والمستفيد وصاحب التغطية. إذا أزيلت، لا كيداً ولا تعسفاً بل تطبيقاً للقانون لا غير، توافر فوراً مسرب ثالث،
وخفضت الأزمة بنسة ثلثها أو أكثر. منذ مدة، فوتح مرجع كبير بالأمر، توسلاً لقراره بالحل ومؤازرته في تنفيذه. فردّ سائلاً عن هويات أصحاب تلك المخالفات، قبل
أن يعدل عن القرار. أما الحل الأكثر جذرية لأزمة هذا الخط، فتكون إما عبر البحر وإما بطريق معلّق. والخياران مدروسان وممكنا التحقيق، لكن الأولويات عندنا تظل
لمراكمة أرباح المصارف العشرة الأولى، في حساب كاذب لنموّنا القومي.
الأزمة نفسها عند مدخل بيروت الشمالي تبدو فضيحة أكبر. هناك كان مشروع لمعالجة الزحمة، فتحول عائقاً في وسط الطريق. قيل إن السبب زبائنية مفضوحة على مستوى الدولة،
لمصلحة مجمع تجاري معروف. لكن الأهم أن الحل الجذري لذلك المدخل كان قد أقرّ منذ نحو عقد، عبر مشروع «لينور». يومها تهافت ثلاثة من نافذي السلطة لتقاسم جبنته.
فشلوا. لأنهم اكتشفوا أن المطلوب أكبر من قدراتهم. فبدل الاستعانة بشركات دولية قادرة وجاهزة اليوم للتنفيذ، قرروا تجميده حتى يتسنّى لهم تقاسمه في زمن أقل
حلاوة. وفي الانتظار، يلبث أهم امتداد من ساحل الجبل مكبّاً لنفايات ومستودعات وقود ونهباً لكل تشويه وسخ وبشع، فضلاً عن أسره نصف مليون سيارة يومياً، عند ذلك
العمود وسط الطريق.
تفصيل هي أزمة السير؟ وهل يعرف أصحاب هذا الرأي التسخيفي أن دراسة منتصف التسعينيات أظهرت أن تلك الأزمة تجعل لبنان يخسر أكثر من مليار دولار من ناتجه الوطني؟
كم أصبح هذا الرقم اليوم في حساب استهلاك الوقت والوقود والسيارات والأعصاب والأرض؟
وعلى سيرة الاستهلاك، يتابع أصحاب الرؤى والمعاناة: هل يستطيع مسؤول أن يشرح للناس لماذا لم يسمح بعد بالغاز للسيارات؟ قصة إجراءات الأمان مزحة، فيما إيجابيات
الخطوة يعرفها كل العالم، بدليل انتشار تلك الآليات في كل أنحائه. الأمر نفسه بالنسبة إلى السيارات العاملة على الديزل. ما العائق دونها؟ حماية البيئة؟ أي آت
من القرون الوسطى يطرح هذا السبب، بعد التطور التقني الهائل على هذا المستوى؟ ثم ماذا عن عوادم مازوت الشاحنات المدسوسة في أنوفنا ليل نهار؟ فيما استهلاك الديزل
يحقق وفراً لكل مستخدم بنحو ثلاثين في المئة مقارنة بالبنزين.
يبقى النفط والغاز عندنا. قصة كبيرة تلك. يكفي أن يعرف اللبنانيون أن أسابيع قليلة قد تكون كافية لإنجاز المراسيم التطبيقية للقانون، بعدها يمكن إطلاق عملية
دفاتر الشروط واستدراجات العروض على المستوى الدولي، ما يعني، بداية وفوراً، ارتفاع مراتب لبنان لدى مؤسسات التصنيف المالي في العالم. وهو ما ينعكس مباشرة فوائد
مالية ملموسة: تصنيف استثماري أكبر، وقدرة على استدانة بظروف أفضل وفوائد أقل ووفر على الخزينة أهم. بعدها يأتي التلزيم، وقريباً جداً، ما يفتح أبواب مرحلة
لا تقل عوائدها عن مرحلة الإنتاج الفعلي. تصوروا عشر شركات عالمية على الأقل، في هذا المجال ذي الأرقام الخيالية، تفتتح مراكز لها في لبنان، من شماله إلى جنوبه،
للعمل على نحو ثلاثين منطقة بحرية، لا واحدة فقط مرصودة لأهل روسيا، وتطوِّع العاملين بالآلاف، وتجهّز مكاتبها ومعداتها، وتنفق من وعود ما في بطن بحرنا؟
يبقى الضمان وملياراته الثلاثة «المسروقة» تمادياً منذ بداية الزمن الحريري، والطيران والأجواء المفتوحة، والكهرباء والماء ودراساتهما الجاهزة... كل ذلك في
واد، فيما هناك من لا يحترف إلا الحرتقة في «وادي الدموع». على قاعدة: إما أن تحكم عائلتنا هذا البلد، كما تحكم العائلة التي ترعانا بلداً آخر، وإما أن نحرقه
بأهله وخيره. إنها الحقيقة لأجل كل لبناني.

الاخبار

No comments:

Post a Comment