Tuesday, August 2, 2011

من يُرجع الحق إلى أصحابه في عين داره
بعدما حاصرتها الكسارات والمرامل؟

mahaly/p06-03-24466
موقع السد، وتبدو الاراضي الخصبة غرباً. (الأرشيف)
كيف يمكن تدمير قرية من قرى جبل لبنان تشكل نموذجاً للعيش المشترك والوحدة الوطنية؟ وكيف يمكن تهجير اهلها وازالتها من الوجود "بهمّة" أصحاب المشاريع وقصر نظر
المسؤولين واستهتارهم؟

الجواب بسيط. ما على المرء سوى التوجه الى بلدة عين دارة الواقعة على بعد 25 دقيقة من بيروت الى الجنوب من خط المديرج – ضهر البيدر للاستماع الى رواية اهاليها
والناشطين من بينهم.
بداية، لا طائفية في عين داره للنسج على منوال الهواجس الطائفية والمذهبية، والتقسيم السياسي للبلدة يعتمد الخيارات السياسية بين احزاب اليمين واليسار، بدليل
نتائج دورة الانتخابات النيابية عام 2005 والتي حصد خلالها مرشحو "التيار الوطني الحر" الغالبية الساحقة من الاصوات، وكذلك خلال دورة 2009. لكن السياسة شيء
والبقاء في ارض الاجداد والآباء وحفظها للاجيال المقبلة شيء آخر، والعبرة من الرسالة التي وجهتها ناشطة عونية من البلدة الى النائب ميشال عون، ومما فيها: "ان
اهالي البلدة مستضعفون وليس لهم من يلتجئون اليه في مواجهة خطر الكسارات والمرامل وجبالات الباطون ووزارة الطاقة، ونحن نثق بك وبأنك السند الذي انتظرناه (...)".

حرب كسارات ومرامل
يفضل أهالي عين داره استعمال مفردات الجماعة بدلاً  من التصريح بأسمائهم الشخصية خشية التنكيل بهم ممن يصفونهم بـ "المافيات"، ويقولون ان مساحة البلدة وخراجها
تبلغ 33 مليون متر مربع تصل الى المقلب الشرقي لجبل الباروك عند حدود خراج بلدة قب الياس البقاعية، ولم يتبقَ منها سوى النزر اليسير جداً بفضل عمليات استلاب
العقارات ومشروع السد الزاحف عليهم. ويشرحون ايضاً أن سماسرة العقارات لم ينجحوا في حض المسيحيين على بيع اراضيهم والتخلي عنها بحجة "ان لا مستقبل لنا هنا"
كما يفعلون في القرى الاخرى، لأن عين دارة "العلمانية" لا يقنعها هذا الكلام الطائفي، وبقيت عصية على مشروع الفرز الديموغرافي ولم تخسر الا نسبة ضئيلة من اراضيها،
لا لمصلحة طوائف اخرى بل لمصلحة متمولين واثرياء عرب. وهكذا استمرت البلدة في حياتها العادية وكأن شيئاً لم يكن رغم السماسرة الذين تحركوا على محور آخر، ليتبين
خلال عام 1992 وفي خضم اعمال التحديد والتحرير ان ثمة صفقة تمت لبيع 20 مليون متر مربع من مشاعات عين داره بموجب بيانات عقارية مزورة، وبادر القاضي العقاري
في جبل لبنان آنذاك الى الغاء كل هذه العمليات من دون ان يصار الى اعادة، ولو جزء بسيط من المشاعات المبيعة زوراً الى البلدة والتي تحولت في غالبيتها كسارات
ومرامل. ويروي الاهالي ان وفداً منهم زار النائب العماد ميشال عون طالبين المساعدة لوقف الكسارات، فأجابهم: "ما فينا على فتوش"، الامر الذي قاله النائب وليد
جنبلاط ايضاً للاهالي الذين فهموا اخيراً ان احد شركاء النائب نقولا فتوش في الكسارات هو من اقارب الرئيس السوري بشار الاسد (...).
وعلى هامش الكسارات والمرامل، ثمة مشكلة ثانية في عين داره هي خط التوتر العالي الذي يمرّ في اراضي البلدة، ولم يقبض الاهالي الاموال المترتبة على استملاكاته،
ولم تجد مراجعاتهم لدى وزارة الطاقة نفعاً "في اعادة الحق الى اصحابه"، والكلام هنا لناشطين عونيين.

بحيرة الاستهتار
كأن المشكلات السابقة التي كان الاهالي ينكبون على مواجهتها لم تكفهم، حتى اتاهم الوزير جبران باسيل بالاصرار على تنفيذ مشروع سد العزونية ضمن اطار مشاريع السدود.
ويؤكدون في عين داره ان السد ليس في العزونية بل في ارضهم، وتحديداً في منطقة المارغة الخصبة باشجارها ومزروعاتها، والتي تبلغ مساحتها 510 آلاف متر مربع يملكها
ابناء عين داره بكاملها، وتتبع لما تبقى من خراج البلدة المحاصرة بين الكسارات والمرامل وخط التوتر العالي والسد والبحيرة التي سترتفع هناك، لكي لا يبقى من
البلدة سوى احيائها السكنية ومساحة محدودة جداً من الاراضي.
الاهالي تحركوا، والتقوا مستشار وزير الطاقة سيزار خليل عارضين عليه الاخطار التي تتهددهم، فأجابهم مستغرباً: "والله؟"، ثم بادر رئيس البلدية سامي حداد الى
زيارة العماد عون على رأس وفد لعرض ظلامتهم، ومطالبته بالتدخل لدى الوزير جبران باسيل الذي يعتبرون انه "يسعى الى التغيير دون اي اصلاح، بل الى كم هائل من التدمير
الذي يطول اناساً اعتمدوا على الجنرال عون ليثبتوا في ارضهم"، والكلام لاحد اعضاء الوفد، لكنهم خرجوا من اللقاء دون ان يلقوا جواباً شافياً عن هواجسهم سوى "البشرى"
التي زفهم اياها عون بأنه تم تعديل الاسم ليصبح "سد عين داره".
وفق مقاربة الاهالي ان مشروع سد العزونية يعتمد على الدراسات التي اعدتها بعثة ايرفد في ستينات القرن الفائت، واستطراداً، فإن الوزير باسيل لم يأخذ في الاعتبار
المتغيرات المناخية والاجتماعية، ولم يكلف نفسه عناء مراجعة "الخطة الشاملة لترتيب الاراضي" التي لحظها البيان الوزاري، وشارك في قسم كبير منها الوزير شربل
نحاس "موضع ثقة الجنرال" والتي اشارت في الفصل الرابع الصفحة 156 ، وعلى الجدول 23 الى ان الشروط التقنية في سد العزونية غير ملائمة البتة. ويشير الناشطون والاهالي
الى جملة اخطار بيئية ومناخية وحياتية وجيولوجية وديموغرافية ستنجم عن السد، وقد حملوها الى اعلى القيادات ولم يلقوا جواباً سوى "بحيرة من الاستهتار" وكلمات
التعجب، وان الامر قد قضي.
في اختصار، هكذا يتم القضاء على عين داره لازالتها من الوجود.
 
pierre.atallah@annahar.com.lb

بيار عطاالله     

No comments:

Post a Comment