Saturday, September 10, 2011

سنوات "العقد الضائع" غيّرت معالم أميركا والعالم
لولا هجمات 11 أيلول لما كان غزو أفغانستان والعراق ممكناً

arab/p07-02-24503

arab/p07-03-24503

عندما هوى برجا مركز التجارة العالمي في نيويورك صباح ذلك اليوم الجميل في 11 أيلول 2001، قال الاميركيون ومعهم كثيرون في العالم: لقد تغير كل شيء بعد هذا اليوم
المفصلي.

واشنطن – هشام ملحم:
خلال ساعات الصباح، أقدم 19 شاباً عربياً، بينهم اللبناني زياد الجراح البالغ من العمر 26 سنة، على خطف ثلاث طائرات للركاب واستخدامها للمرة الأولى صواريخ لتدمير
البرجين وضرب مبنى وزارة الدفاع "البنتاغون" في ضواحي واشنطن. الطائرة الثالثة (يعتقد ان الخاطفين أرادوا استخدامها لتدمير مبنى الكونغرس) سقطت في ولاية بنسلفانيا
بعد مواجهة بين الركاب والخاطفين. حصاد الدم: نحو ثلاثة آلاف مدني معظمهم من الاميركيين وآخرون قدموا الى أميركا من 80 دولة.
هذا الهجوم الإرهابي الذي قامت به مجموعة صغيرة، والذي لم تزد كلفته عن نصف مليون دولار، على أكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم، هز المجتمع الاميركي بطريقة
غير معهودة وغيّر الكثير من المسلّمات والممارسات وألحق بالولايات المتحدة خسائر هائلة بشرية وعسكرية ومالية ومعنوية. ويقدِّر الخبير الاقتصادي جوزف ستيغلتز
الخسائر المالية بما بين 5 و6 تريليونات دولار بما في ذلك كلفة  غزو أفغانستان والعراق، والحرب التي شنها الرئيس جورج بوش على "الإرهاب العالمي". الخسائر البشرية
الاميركية، في أفغانستان والعراق، زادت عن ستة آلاف قتيل وأكثر من 40 ألف جريح، والنزف مستمر. الخسائر البشرية في أفغانستان والعراق غير معروفة بالضبط وتراوح
بين 137 ألف مدني، على الأقل في البلدين، ومليون عراقي قتلوا في العقد الماضي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة نتيجة الغزو والعنف الذي ترتب عليه. قبل نهاية العقد،
نجحت القوات الاميركية الخاصة في قتل زعيم "القاعدة" اسامة بن لادن في باكستان، بعدما قضت في السنوات الاخيرة على عدد كبير من قادة التنظيم الاصولي من الذين
لجأوا الى باكستان أو المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان.
     
"العقد الضائع"
 في الايام والاسابيع الاخيرة التي سبقت الذكرى العاشرة للهجوم، استعاد الاميركيون الصور المروعة للبرجين وللضحايا، بمن فيهم الذين قفزوا من الطبقات العليا
في البرجين لئلا يلتهمهم جحيم النيران التي فجرها وقود الطائرات، وكان بينهم رجل وأمرأة يداً بيد وهما في طريقهما السريع الى الموت. كما استعادوا الصور الشجاعة
والبطولية لرجال الإطفاء والشرطة والإسعاف الذين ضحوا بأنفسهم بالمئات لإنقاذ الآلاف في البرجين. المناسبة المؤلمة كانت، ربما أكثر من أي سنة أخرى، فرصة لمراجعة
نقدية جدية وصارمة لما فعلته ولم تفعله الولايات المتحدة خلال العقد الماضي، الذي التقى عدد من المعلقين والمؤرخين على  وصفه بـ"العقد الضائع".
ولولا هجمات ايلول الإرهابية، لما كان غزو أفغانستان والعراق ممكناً، ولا الحرب الشاملة على الإرهاب الدولي. هذه الحروب أدت بسرعة الى تبخر مشاعر التعاطف والتضامن
التي عبر عنها الملايين في العالم مع الولايات المتحدة. كما خلقت توترات عميقة بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين والعرب والمسلمين، وتوترات بين واشنطن
وحلفائها في حلف شمال الاطلسي ادت الى انتقادات اميركية علنية لأداء أعضاء الحلف الأوروبيين في أفغانستان.
    التغييرات التي ترتبت على هذه الهجمات في الولايات المتحدة كانت عميقة ومتشعبة وشملت السياسة الخارجية  والاستراتيجية، وأحدثت تغييرات حكومية بنيوية وخصوصاً
في مجال الامن الوطني، إذ أدت الى ايجاد ثالثة كبرى الوزارات في البلاد وهي وزارة الامن الوطني.
وتكلف اجراءات الامن والمراقبة في المطارات والمرافئ ونقاط العبور الحدودية، أو إجراءات حماية المرافق الحيوية، من سدود ومحطات انتاج الطاقة الكهربائية ومفاعلات
نووية، الخزينة الاميركية 75 مليار دولار سنوياً. وتبدو المباني والمرافق الحكومية في بعض الحالات كأنها قلاع محصنة بحواجز من الاسمنت المسلح، وكاميرات للمراقبة
وعناصر الشرطة.
في العام الماضي نشرت صحيفة "الواشنطن بوست" تحقيقاً طويلاً ومقلقاً عن البيروقراطية الامنية الجديدة التي أوجدتها الحكومة خلال السنين العشر الاخيرة والتي
شملت 1200 جهاز حكومي جديد، يتعامل مع 1900 شركة توفر الخدمات أو المشورة الأمنية. ووصل عدد الاميركيين الذين يعملون في هذه البيروقراطية الأمنية الى أكثر من
850 الف شخص. وقد فرضت وزارة الامن الوطني إجراءات أمنية جذرية في المطارات أدت الى استخدام أجهزة اشعة (أثارت ولا تزال تثير الكثير من الجدل، لأسباب صحية وأخرى
تتعلق بانتهاك الحقوق المدنية وخصوصية المسافر) وغيرها من الاجراءات الامنية والتفتيشية التي زادت تعقيد سفر ملايين الاميركيين وتأخيره.
  
مسرح الحرب على "الإرهاب"
الحرب الشاملة التي شنتها ادارة الرئيس بوش على "الإرهاب الدولي"، والتي شملت تنظيم "القاعدة" وتنظيمات اسلامية متطرفة أخرى مشابهة له أو تتعامل معه، غطت مسرحاً
عالمياً واسعاً تخطى أفغانستان وباكستان والعراق ليشمل اليمن والصومال والفيليبين. في هذه الحرب لم تتردد الولايات المتحدة في انتهاك حقوق المعتقلين من الإرهابيين
أو المشتبه بضلوعهم في الإرهاب وسجنهم بشكل مفتوح من دون توجيه اتهامات محددة اليهم أو محاكمتهم، واستخدام اساليب تحقيق معهم رأت منظمات حقوق الانسان أنها ترقى
الى مستوى التعذيب، مثل اسلوب الاغراق. الحرب على الإرهاب ارتبطت بمراكز اعتقال تحولت معالم جغرافية وأخلاقية جرت فيها ممارسات مشينة ومحرجة لدولة تفخر تقليدياً
– وهي محقة في ذلك – باحترامها لسلطة القانون. هذه الاستثناءات والممارسات الصارخة التي بدأتها ادارة الرئيس بوش حولت معسكر غوانتانامو في كوبا وسجن أبو غريب
في العراق ومعسكر باغرام في أفغانستان أماكن جغرافية-رمزية جسدت ابشع نواحي  "الحرب على الإرهاب الدولي". وورطت الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب، دولاً
عربية  ومسلمة وأوروبية، عندما أشرفت وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إي" بالاشراف على سجون فوق أراضيها أبقت فيها معتقلين مشتبهاً في تورطهم في الإرهاب،
أو سلمت هؤلاء المعتقلين الى اجهزة استخبارات في دول عربية ومسلمة "للتحقيق" معهم، مع علمها المسبق والمؤكد ان هذه الدول تستخدم التعذيب بشكل منظم وروتيني خلال
مثل هذه التحقيقات.
هذا الهاجس الامني اثر سلباً ايضاً على الحقوق المدنية للمواطنين الاميركيين، بعد اقرار ما سمي "قانون المواطنة" الذي أعطى السلطات الفيديرالية صلاحيات مراقبة
المواطنين الاميركيين التي رأى العديد من الحقوقيين انها إما تنتهك أو إما تقلص حريات المواطن الاميركي الذي يضمنها الدستور، مثل التنصت على المكالمات الهاتفية
لبعض المواطنين الاميركيين من دون الحصول على الأذون القضائية الضرورية. وعلى رغم ان الرئيس باراك أوباما أوقف ممارسات التعذيب في المعتقلات، إلا ان وعده باقفال
معسكر غوانتانامو خلال سنة، وتعهده محاكمة بعض المعتقلين في المحاكم المدنية وليس العسكرية، لم تتحقق حتى الآن، لأسباب عدة، منها معارضة الجمهوريين. ويمكن القول
إن أكثر ممارسات ادارة الرئيس بوش في الحرب على الإرهاب لا تزال سارية المفعول.

مسلمو أميركا
بعد هجمات ايلول تعرض بعض المسلمين الاميركيين للمضايقات وواجهوا مشاعر عدائية، لكنها لم ترق الى العدائية الرسمية والممارسات التمييزية كما أوحى بذلك بعض الكتابات
العربية. وعلى رغم التحرشات واستمرار الصور النمطية عن المسلمين في بعض وسائل الاعلام (والمضاعفات السلبية لأعمال العنف والإرهاب التي أرتكبها مسلمون اميركيون
بينهم الضابط نضال حسن وفيصل شاه زاد)، الا ان ذلك لم يوقف هجرة المسلمين الى الولايات المتحدة. وبينما وصل عدد الذين حصلوا على اقامات دائمة عام 2000 الى 66
ألفاً، وصل عدد الذين حصلوا على حق الاقامة الدائمة (الخطوة الأولى للحصول على الجنسية) عام 2009  الى 115 ألفا.
وتُظهر استطلاعات الرأي ان المسلمين في أميركا يختلفون عن المسلمين في أوروبا، إذ يتمتعون في أميركا بمستويات أعلى في مجالات التعليم والدخل المالي. وفي استطلاع
أجرته مؤسسة "بيو" قال 71 في المئة منهم ان النظام الاميركي يكافئ من يعمل بجهد في أميركا، كما قال 73 في المئة من هؤلاء انهم لم يتعرضوا لأي تمييز.
    حتى اللغة لم تسلم من التغييرات، بعدما دخلت عليها عبارات مثل "اذا لم تكونوا معنا فإنتم ضدنا" أو "حقبة الحرب التي لا نهاية لها" أو "غراوند زيرو" وهي
عبارة استخدمها الاميركيون للمرة الأولى لوصف مكان انفجار القنبلتين النوويتين في هيروشيما وناغازاكي في اليابان في الحرب العالمية الثانية.
بعد مرور عشر سنين على هجمات ايلول، يستطيع الاميركيون ان يقولوا إن الحرب على "القاعدة" قد نجحت الى حد كبير، وهي اليوم أقل تعرضاً لهجوم مماثل لهجمات 11 ايلول
2001، كما حمت نفسها من هجمات ارهابية كبيرة. هجمات الطائرات من دون طيار التي كثفها الرئيس أوباما في السنوات الاخيرة أضعفت تنظيم "القاعدة" كثيراً وقضت على
قادة بارزين فيه وأبقت الآخرين تحت الارض. لكن ذلك لا يعني ان الحرب انتهت على هذا التنظيم أو فروعه، بما في ذلك "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" الذي يقوده
انور العولقي المولود في ولاية نيومكسيكو من أبوين يمنيين، والذي يواصل العمل على تنظيم هجمات ارهابية على الولايات المتحدة.
وعلى رغم الانجازات التي حققتها الولايات المتحدة في حربها على "القاعدة"، الا ان السؤال الملحّ هو: هل هذه الانجازات المحدودة تبرر الثمن الهائل الذي دفعته
ولا تزال تدفعه البلاد؟ صحيح ان بن لادن لم يحقق رؤيته المجنونة لإقامة خلافة اسلامية جديدة، ولم يسقط أي نظام مسلم أو عربي، إلا ان اتباعه يستطيعون ان يتبجحوا
– وعن حق ويا للاسف- بأنهم ورطوا الولايات المتحدة ومعها بعض حلفائها الغربيين في حروب استنزاف في العالم الاسلامي من جنوب غرب آسيا الى العراق واليمن. ووقت
تقترب الولايات المتحدة من سحب معظم، أو ربما جميع قواتها من العراق، وتقترب من بدء سحب القوات الدولية من أفغانستان، تبدو الصورة السياسية في كابول وبغداد
غير ايجابية وغير مشجعة، والاستتثمارات الاميركية الضخمة في البلدين تركت وراءها نظاماً ينخره الفساد في كابول، ونظاماً سياسياً هشاً في بغداد تبدو فيه ايران
لا الولايات المتحدة الدولة الخارجية ذات النفوذ الأوسع في العراق.
    
تحدّي النهوض
 بعد عشر سنين من هجمات أيلول، تبدو عبارة " لقد تغير كل شيء..." صحيحة جزئيا فقط. اليوم الهاجس الامني انحسر كثيراً، وحل محله الهاجس الاقتصادي والمعيشي بعد
عقد من الزمن شهد أضخم أزمة مالية في تاريخ البلاد منذ ثلاثينات القرن الماضي، وارتفعت فيه المديونية الى أرقام شبه خيالية واقتربت فيه نسبة البطالة من نحو
10 في المئة، وهي نسبة أعلى من ذلك في أوساط الاقليات، ولا يشعر المواطن الاميركي في حياته اليومية اليوم بأنه يخوض حرباً على الإرهاب الدولي، إلا إذا اضطر
الى السفر جواً. والأمر اللافت والمقلق هو ان الكلفة البشرية لحربي العراق وأفغانستان تبدو بعيدة عن الاميركيين الذين لا يشارك أي فرد من عائلاتهم في هذه الحربين.
عشية هجمات 11 ايلول 2001، كانت الولايات المتحدة في وضع اقتصادي وسياسي واستراتيجي متفوق، حيث كان هناك فائض في الموازنة مع نهاية عقد من الزمن على انهيار
الاتحاد السوفياتي وهزيمة صدام حسين في 1991. بعد عشر سنين من بدء الحرب في أفغانستان وثماني سنوات من غزو العراق، المزاج في البلاد قاتم ومشاعر انعدام الثقة
واسعة. ويرى الكثير من الاميركيين ان حكومتهم قد بالغت كثيرا في ردها على هجمات ايلول وأضاعت عقداً كاملاً في حروب استنزاف ستبقى آثارها ومضاعفاتها معهم الى
وقت طويل. وخلال الحرب على الإرهاب وهاجس مكافحة الاسلام الأصولي في العقد الماضي، أشاحت الولايات المتحدة عن التحدي الحقيقي (الاستراتيجي والاقتصادي) الذي
برز في العقد الماضي، وهو بروز الصين والهند والبرازيل وحتى روسيا دولاً صاعدة تمثل المحرك الرئيسي لعجلة الاقتصاد والانتاج في العالم. المضاعفات البعيدة المدى
لصعود الصين منافساً حقيقياً لأميركا في هذا القرن، والانهيار الاقتصادي في 2007، والازمة المالية المستمرة في منطقة الأورو، هي أهم بكثير من  مضاعفات هجمات
11 أيلول 2001.
في الذكرى العاشرة لهجمات ايلول، من الواضح ان هذه التجربة المرّة قد غيرت الولايات المتحدة، وأظهرت محدودية قدراتها، وحجّمت مكانتها ونفوذها الدوليين، وفرضت
عليها عملية مراجعة نقدية. المحللون الذي يشككون في فرضيات بداية انهيار الولايات المتحدة أو "الامبراطورية الاميركية" يشيرون الى ان البلاد واجهت في السابق
تحديات مماثلة وحتى أصعب مما تواجهه اليوم، من الحرب الاهلية الى حقبة الكساد الاقتصادي الكبير، لكنها كانت دوماً تعود من محناتها أقوى وأصلب وأكثر صحة. الاميركيون
بطبعهم متفائلون. هذا الارث إذا صاحبته ارادة سياسية قوية، سوف يكون كافياً لاستخدام الخصائص والموارد الأميركية بامتياز، مثل القدرة على الابداع والخلق في
مجالات الاعمال والعلم والابحاث والفرص التي توفرها اميركا للمواهب الاميركية والتي ترغب في ان تصير أميركية، كي تنهض الولايات المتحدة من كبوتها الآنية وتستعيد
مكانتها التي تعرضت لإرهاب غير معهود قبل عقد من الزمن. 

No comments:

Post a Comment