Thursday, September 15, 2011

> جنبلاط ـ حزب الله: الدّوَخان داخل التحالف

جنبلاط ـ حزب الله: الدّوَخان داخل التحالف
يتجنّب حزب الله أي مجازفة تدفع جنبلاط إلى خارج التحالف معه (أرشيف ــ بلال جاويش)

فتح تباين الموقف بين النائب وليد جنبلاط وحزب الله حيال ما قاله البطريرك الماروني في باريس في الأيام الأخيرة، شهية النفخ في الرماد، والإيحاء بأزمة جدّية
بين الطرفين تضع تحالفهما عند مفترق، أو أن الزعيم الدرزي يُقبل على استكمال استدارة 2009 بدوران معاكس

نقولا ناصيف

لم يطُل الالتباس الأخير بين رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، وبين حزب الله أكثر من يومين. انتقد جنبلاط في موقفه الأسبوعي في «الأنباء» الاثنين
الماضي المواقف الأخيرة للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في باريس، وما عدّه تخويفاً من صعود التيارات السلفية، رافضاً ربط سلاح حزب الله بتحرير مزارع
شبعا وأزمة المنطقة، فردّ عليه مساء اليوم نفسه تلفزيون «المنار» التابع لحزب الله بحملة أوحت بوقوف الحزب وراءها، وفُهمت نبرة تلفزيون المنار موقفاً سلبياً
من الحزب.
في الساعات التالية تبادل حزب الله ومسؤولان في الحزب التقدّمي الاشتراكي، هما الوزير غازي العريضي ورامي الريّس إيضاح المواقف. قال حزب الله إنه لم يشعر بأنه
تأذى من مواقف جنبلاط، وبرأ نفسه من حملة «المنار» واعتبرها خطأ. وردّ جنبلاط بأنه لم يغيّر موقعه ولا خياراته، ومستمر في التحالف والتمسّك بسلاح المقاومة.
انتهى الفريقان الثلاثاء إلى طمأنات متبادلة.
كان حزب الله قد اتخذ على أثر مواقف جنبلاط وردّ تلفزيون «المنار» عليه إجراءين فوريين: عدم الدخول في جدل وسجال مع الزعيم الدرزي، وتقويم ردّ فعل التلفزيون
خلص إلى وصف تصرّفه بأنه غير مبرّر.
أخذ التقويم الذي أجراه حزب الله في الاعتبار المعطيات الآتية:
1 ـــــ ينبغي عدم اتخاذ أي ردّ فعل حيال جنبلاط يؤدي إلى فقدانه في الغالبية النيابية التي تقودها قوى 8 آذار، وتجنّب دفعه إلى قوى 14 آذار التي تراكمت أخطاؤها
وعثراتها من سوء أدائها في الأسابيع الأخيرة، فانهارت علاقتها في وقت واحد بقائد الجيش العماد جان قهوجي ومفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني وبطريرك الموارنة
ورئيس المجلس نبيه برّي:
الأول، عندما تبنّت الأقلية، وخصوصاً تيّار المستقبل حملات نائبيه خالد ضاهر ومعين المرعبي على الجيش وإهانته ووصفه بالعصابات والطعن في دوره.
والثاني، عندما حاول تيّار المستقبل إظهار نفسه قائد المرجعية الدينية للطائفة السنّية، وتقليل أهمية دور المفتي الذي اتهم يوم 7 أيار 2008 بتسعير حرب سنّية
ـــــ شيعية، وأدخل قبل سنة، عام 2007، الصلاة إلى السرايا كي يتقدّم المصلين فيها إبان حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، ووصفه هذه الحكومة بخط أحمر سنّي. ثم أمسى
المفتي ـــــ بعدما استعين به لمقاومة تسمية الرئيس نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة ـــــ بالنسبة إلى التيّار خصماً سياسياً.
والثالث، حملات قوى 14 آذار على البطريرك الماروني قبل استيضاحه كلامه في باريس.
والرابع، آخر جسر حوار يربط الأقلية بالأكثرية.
تالياً، يحرص حزب الله على تفادي أي مجازفة تهدر وجود جنبلاط في الغالبية النيابية الحالية والائتلاف الحكومي، أو تدفعه إلى أبواب قوى 14 آذار.
2 ـــــ ليست لحزب الله مآخذ على المواقف الأخيرة لجنبلاط، ولا يعتبرها تتوخى الإضرار به، من دون أن يعكس رضاه عمّا يقوله جنبلاط في الاضطرابات السورية، رغم
أن ردود بعض قوى 14 آذار على كلام الراعي اتسمت بسلبية غير منتظرة ممّن يُفترض أنهم أكثر تهيّباً لمقام سيّد بكركي واحتراماً لما يقوله.
مع ذلك، فإن في أوساط قوى 8 آذار، ولا سيما حلفاء نافذون لحزب الله وسوريا، مَن يبدي وجهة نظر معاكسة للحزب تدعو إلى ضرورة استمرار «تخويف» جنبلاط من أجل انتزاع
المكاسب والمواقف منه، ومنعه من أي تحوّل آخر في خياراته. وينتقد هؤلاء ما يصفونه بـ«تدليع» الحزب للزعيم الدرزي الذي ينبغي أن يبقى في الخوف والتخويف من سوريا
وحزب الله على السواء.
يُضيفون أيضاً: من دون إبقائه خائفاً لن يستمر معنا.
3 ـــــ لا يخفي حزب الله امتعاضه من تصاعد مواقف جنبلاط من الاضطرابات في سوريا، التي تركت انزعاجاً لديه. إلا أنه يلاحظ أن بين الزعيم الدرزي ودمشق قنوات
حوار مفتوحة ومتواصلة، من شأنهما تبادل الإيضاحات وإزالة أي التباس تسبّبه مواقفهما. اعتاد حزب الله مواقف جنبلاط من سوريا تترجّح، مرة إيجابية وأخرى نافرة،
في حين أن الزعيم الدرزي أصغى إلى وجهة نظر الحزب ممّا يجري في سوريا، وعبّر عنها أكثر من مرة الأمين العام السيّد حسن نصر الله، وهي دعم نظام الرئيس بشّار
الأسد الذي يساند المقاومة والسلم الأهلي في لبنان، وأن أي نظام آخر بديل منه سيرتمي في حضن الأميركيين وسيمثّل أسوأ نموذج للحكم وأكثره خطراً .
4 ـــــ يجهل حزب الله خلفيات الموقف السلبي في معظمه لجنبلاط من طريقة مقاربة الأسد أحداث سوريا. إلا أن المعطيات التي لديه تجعله يعزو اضطراب الموقف بين تأييد
الرئيس السوري وبين انتقاد بطئه في تقديم الإصلاحات، إلى قلقه من الوضع الذي يعانيه الدروز السوريون في بيئة تحاصر تجمعهم، هم سنّة سوريا. وشأن المسيحيين في
لبنان أقلية، كذلك دروز سوريا في السويداء الواقعون بين فكّي كمّاشة سنّية هما درعا وقطنا.
وعلى غرار مسيحيي سوريا، وقف دروزها مع نظام الأسد، ما جعلهم عرضة لتهديد محتمل. كانت أولى مؤشرات هذا القلق، الحادث الخطير الذي وقع قبل أكثر من شهر عندما
استهدف مسلحون سنّة موكباً درزياً، كان أفراده مسلحين بدورهم، عائداً إلى السويداء بعدما قصد دمشق، وبايع الأسد. بعد استفزاز متبادل بين الطرفين حصل إطلاق نار،
أدى إلى سقوط قتيل وعدد من الجرحى، لم يكن في إمكان النظام تطويقه بين هاتين المجموعتين إلا عندما ناط الأسد برئيس الاستخبارات العسكرية اللواء عبد الفتاح قدسية
معالجة ذيول ما حدث.
تحت وطأة هذا الحادث الذي سبّب احتقاناً بين هاتين الطائفتين المقيمتين على تماس مذهبي في جنوب سوريا، تغيّرت نبرة جنبلاط في موقفه من علاقة الأسد باضطرابات
سوريا، على نحو حمله أحياناً على توجيه انتقادات حادة إلى الرئيس السوري، ثم التراجع عنها في ما بعد. لكن الاعتقاد السائد أن جنبلاط ربما تلقى إشارات مقلقة
وسلبية حيال دعم دروز سوريا نظام الأسد، فيما يقود فريق من سنّة هذا البلد معركة دامية مع النظام.
أبرز تلك الإشارات المرجحة: ضغوط عليه لتعديل موقفه، أو تمييز موقفه قائداً لدروز لبنان عن موقف دروز سوريا المؤيدين لنظام الأسد، أو سعيه إلى التنصّل من أي
إيحاء يتحدّث عن تحالف الأقليات الثلاث: العلويون والدروز والمسيحيون، في مواجهة مجتمع سنّي طاغ. كان جنبلاط قد تبلّغ دوافع موالاة دروز سوريا النظام بأنهم
أعرف بشؤونهم، ومطمئنون إلى الحماية التي يوفرها لهم النظام. أو ربما توافرت لديه معلومات تتحدّث بدورها عن تهالك نظام الأسد واقترابه من النهاية. وهو الكلام
الذي سمعه البطريرك الماروني في باريس. إلا أن الزعيم الدرزي وجد في مواقف البطريرك تأكيداً لاستمرار التغطية المسيحية (اللبنانية) لبقاء نظام الأسد، الأمر
الذي حمله على انتقاده إياه، وتقليل أهمية التخويف من التيارات والأحزاب الأصولية والسلفية.
في كل حال، لم يجد حزب الله في مواقف جنبلاط من سوريا ما يلحق الضرر به مباشرة.

No comments:

Post a Comment